عادل حمودة يكتب.. يتحدث لأول مرة بعد الانتخابات: أحمد شفيق: تعاملوا معى وكأنهم «قفشونى» فى مكان سيئ السمعة!
■ سر المكالمة الأخيرة مع البابا شنودة قبل وفاته بساعات وماذا دار بينه وبين الرئيس الأمريكى؟
حسب تحرياتى الصحفية فإن قيادات مؤثرة فى السلطة بالتحديد من المجلس العسكرى اتصلت بأحمد شفيق قبل إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية وهنأته بفوزه.. وقال أحدهم مازحا: «ما تنسناش يابو حميد».. وقيل إن عضوا فى لجنة الانتخابات الرئاسية هو من أبلغه بهذه النتيجة.
لكن.. قبل أيام من إعلان النتيجة جاءت السفيرة الأمريكية آن باترسون إلى بيته وبدت عليها علامات الغضب والتحفز.. متسائلة: «لماذا لا تعطون للإخوان فرصة للحكم؟ جربوهم».. واستنكرت تأخر النتيجة.. وكادت تشكك فيها قبل النطق بها.
والمؤكد أن قيادات سلفية شهيرة من القاهرة والإسكندرية التقت به أكثر من مرة خلال حملته الانتخابية.. ووعدت بالتعاون معه لو أصبح رئيسا للجمهورية.
ويوم النتيجة انسحب كل من كانوا فى بيته ومنهم مستشار سياسى سابق للرئيس الأمريكى ليتركوه يستمتع بالفوز وسط بناته وأحفاده.
كانت كل المؤشرات تؤكد أن أحمد شفيق هو الفائز.. هو الرئيس.. أو فى أسوأ الاحتمالات ستعاد الانتخابات بسبب ما شابها من أخطاء تصل إلى مستوى الخطايا.. مثل قضية بطاقات المطابع الأميرية التى قبض فيها على أربعة من عمالها وخرج زملاؤهم يطالبون بالإفراج عنهم.. ومثل قضية منع الأقباط فى بعض دوائر الصعيد من التصويت قهرا.. وهى القضية التى طلبت لجنة الانتخابات فيها من ثلاثة أجهزة أمنية ردا فلم تتلق إلا من جهاز واحد.. هو الأمن العام.. أما الأمن الوطنى والأمن القومى فاعتذرا لعدم وجود معلومات لديهما.. وبسبب هذه التجاوزات وصلت تعليمات شفهية بمنع خيرت الشاطر من السفر لو قرر مغادرة البلاد بعد الساعة الثالثة فجر يوم المنع.
وضاعف من هذه الهواجس تأخر فاروق سلطان فى إعلان النتيجة.. وحسب معلوماتى فإن أمين عام لجنة الانتخابات حاتم بجاتو كتب البيان بنفسه من 33 ورقة على كمبيوتره الشخصى وكان فاروق سلطان يقرأه ورقة ورقة.. ولم تنته الكتابة إلا فى الثالثة إلا الثلث.. ومن شدة التعب حاول الاعتذار عن المؤتمر الصحفى إلا أنهم أصروا على حضوره كى لا يتصور أحد وجود خلاف بين أعضاء اللجنة.. وما إن وصل إلى هيئة الاستعلامات حتى أعطى رئيسها إسماعيل خيرت فلاشة ليأخذ نسخة من البيان لترجمته فى نفس الوقت للمراسلين الأجانب.
ولا يملك أعضاء اللجنة تفسيرا لحالة البلبلة التى سبقت النتيجة.. وهم متأكدون من صحتها.. ودقتها.. لكن.. لا يزال الشك قائما ومسيطرا إلى اليوم.
وبسبب كل ما جرى فإن طاقما من المحامين الكبار اقترحوا على أحمد شفيق رفع دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية.. أو أية محكمة أخرى مشابهة.. لكنه.. رفض.
سمعنا وعرفنا وتابعنا ذلك.. وأكثر.. لكن.. ما هو تعليق أحمد شفيق؟.. ما هى معلوماته؟
وجها لوجه قال لى:
سمعت وعشت الكثير مما قلت.. لكن.. الحقيقة الوحيدة المؤكدة أننى أقررت بنتيجة الانتخابات.. وهنا يتوقف الحديث فى مثل هذه الموضوعات.
كنت قد قررت الهبوط فى أبوظبى بحثا عن الصوت الغائب فيما يجرى على أرض مصر.. إن نحو اثنين فى المائة من أصوات الناخبين نقلت الرجل من القصر الرئاسى إلى فندق فى دولة الإمارات.. وفتحت عليه أبواب جهنم.. فهناك نحو 35 بلاغا قدمت ضده.. تحقق فيها النيابة العامة.. وخوفا من أن يقود تيارا شعبيا عريضا مشى خلفه فى الانتخابات بدأت دعاوى الانتقام منه.. وكأنها جريمة أن يخسر مرشحا الانتخابات.. كأننا نكرر نفس مأساة النظام السابق.. قطع رقبة كل من يبرز ويؤثر.
لم أقتنع بإجابة أحمد شفيق على سؤالى الأول فقلت له: هل تعتقد أن الحقائق التى نتهرب منها الآن ستكشف فيما بعد؟ قال: كلامى فى هذا الشأن حساس.. لا أعرف هل سيصيب أحدا فى السلطة أم سيمتد إلى من يؤثر فيها ولو كان من خارج البلاد؟.. لا أعرف سيمس من ويبرئ من؟.. لكن.. لا استبعد أن يأتى يوم ونجد من يفتح الملفات.. ويكشف الحقيقة.. لو كانت هناك حقيقة غير ما أعلن.
سألته: ما هو الحوار الذى دار بينك وبين الرئيس الأمريكى باراك أوباما بعد أن خسرت الانتخابات بساعات قليلة؟
قال: أنا كنت فى بيتى وسط عدد كبير من الزوار.. بعيدا عن التليفون.. وأخذت وقتا حتى وصلت إليه.. لدرجة أننى تصورت أن الاتصال انقطع.. لكننى وجدت على الخط المفتوح من يقول لى «الرئيس الأمريكى معك».. ولم يتردد الرجل فى الإشادة بحملتى الانتخابية والنتيجة التى حققتها.. وأشار إلى أن نصف الأصوات كانت معى بالرغم من أننى خضت الانتخابات منفردا.. بلا غطاء من حزب.. ولا دعم من جماعة.. وطالب بأن استمر فى الحياة السياسية بحكم ما حققت.. قائلا: إنه مستعد للتعاون مع كل القيادات التى وراءها كتل شعبية عريضة مثلما تعاون مع الرئيس (الإخوانى) المنتخب.
وما لفت نظرى فى هذا الحوار أمران.. الأول أن من غير المعتاد تلقى المهزوم تهنئة.. التهنئة عادة ينفرد بها الفائز.. والثانى أن البيت الأبيض نشر تفصيلات المكالمة على كل مواقعه الإلكترونية ونشرها على العالم كله.
سألته: هل تعرضت لخيانة من داخل حملتك الانتخابية؟.
أجاب: من حملتى الانتخابية مؤكد «لا» لأن حملتى كانت تنظيما بسيطا.. مكشوفا.. الكل يعرف بعضه البعض.. تنظيم غير معقد تصعب فيه الخيانة.
سألته: هل صحيح أن البابا شنودة أعطى توجيهات للأقباط بانتخابك؟
قال: إطلاقا.. ولا أعتقد أن البابا رحمه الله قد نطق بمثل هذه التعليمات.. لكن.. أنا كنت من الشخصيات المقربة من البابا.. وهذه مشاعر لا أحد يملك نفيها أو رفضها.. وهى مشاعر لها عمق السنوات الطويلة.. قبل أن أفكر فى الترشح.. وهنا أحب أن أذكر أنه فى وقت كان فيه البابا يحتضر.. أى قبل وفاته بساعات.. وجدت من يطلبنى على وجه السرعة لأتحدث مع قداسته تليفونيا.. كان فى لقاء أخير مع بعض معاونيه.. وطلب أن يكلمنى.. جاء صوته ضعيفا.. متهدجا.. إلى حد أن بعضا من كلماته لم تكن مفهومة.. يصعب تمييزها.. بسبب تعبه الشديد.. فهل كانت المكالمة وسط معاونيه إشارة ما؟
وفى هذه المكالمة لم ينس أن يسألنى عن زوجتى التى كان يعلم أنها مريضة.. كان حريصا على الاطمئنان عليها.. لكنى من باب الإشفاق عليه كنت أسرع فى الحوار كى أنهيه بعد أن لمست المجهود الذى يبذله.
على أنه قبل ذلك وجدته يقول لى «اتكل على الله».. اعتبرتها دعاء.. نوعا من المباركة.. لكن.. لم يحدث منه كلام مباشر لدعمى فى الانتخابات.
سألته: هل أخذت اصواتا من السلفيين فى الانتخابات الأخيرة؟
قال: أحيانا أفضل الامتناع عن الحديث.. ليس من أجلى وإنما من أجل آخرين.. لكن.. هذا وقت المصارحة.. نعم هناك عدد كبير من الإخوة السلفيين كانوا على اتصال بى.. وشرفونى فى بيتى أكثر من مرة.. وكان هناك أيضا بعض الإخوان المسلمين وبعض من الذين خرجوا من الجماعة.
بين الحين والآخر كان الحوار يقطع بسبب تلقيه اتصالات وصفها بأنها مهمة.. بعضها من شخصيات تعيش فى الولاياتالمتحدة وتؤثر فى صنع القرار هناك.. وقد ابلغته مثلا أن نوابا جمهوريين فى الكونجرس هم الذين ساعدوا الليبراليين الليبيين على تجاوز الإسلاميين فى الانتخابات التشريعية.. فالجمهوريون يعتبرون جماعة الإخوان وغيرها من الجماعات الدينية جماعة إرهابية.. وهو ما يعنى أن دعم أوباما للإخوان فى مصر قد يكلفه حكم البيت الأبيض فى الانتخابات القادمة.. كما كانت هناك اتصالات من شخصيات أخرى فى مصر تبلغه ما يصل إليها من أخبار.. خاصة أننا كنا فى وقت التشكيل المتعثر للحكومة.
سألته: لماذا تركت مصر أنت وعائلتك بهذه السرعة فى اليوم التالى لإعلان نتيجة الانتخابات؟
قال: شوف.. السلوكيات عموما كان يشوبها حدة قبل الانتخابات وأثناءها.. وهذا أمر طبيعى.. «ما يزعلش».. وأول ما ظهرت النتيجة أعلنت أكثر من مرة أن المركب أصبح لها ريس واحد «مش أكتر».. واذا لم نتعاون معه سوف تغرق.. هذا مبدئى ولا أحيد عنه.. ولكن بعد ما خرجت وجدت ما يحزننى.. وجدت التجاوزات مستمرة بما يهدد التجربة الديمقراطية التى نستهدفها.. إن الديمقراطية تحترم المغلوب وتحافظ عليه.. بدونه.. يصبح الحكم مثل البطة العرجاء.
تعاملوا معى كما لوكنت واحداً «قفشوه» ينافس ويواجه ويلعب حسب القوانين الديمقراطية المستقرة.. شىء مثير للألم.. يجعل العالم المتحضر يسخر منا.. وينظر إلينا نظرة غير سوية.. هذه ثقافة يجب أن تتغير.. إزاحة المعارضة.. أو الانتقام منها.. أو تفصيلها حسب مقاس الحكم.
أنا قادر على الرد والتصدى بمنتهى البساطة.. وخبرتى لا تقارن بخبرة الآخرين.. لكنى لن أجر إلى هذا المستنقع غير الحضارى والمظهر غير المحترم.
وفى الوقت نفسه أنا لم أقم بإجازة منذ سنوات طوال.. فقررت أن أستريح.. وانفرد كثيرا بعائلتى.. كما أننى أردت أن أؤدى مناسك العمرة.. أضف إلى ذلك أن اصدقاء مقربين أعتز برأيهم نصحونى بأن ابتعد عن البلد فى هذه الفترة «لأن النفوس غير سليمة».. وهى جملة استغربتها.
قلت: ربما فيه خطر على حياتك؟
قال: ربما.. فكل المواقف التى تمر بها بلادنا مؤلمة.. ومؤسفة.. وتحتاج إلى علاجها.
قلت: أحيانا.. عندما يفشل الحكم فى علاج متاعب الناس يحاول صرف نظرها بعيدا.. فيفتعل قضايا تشدها.. مثل محاكمتك.
قال: ربما لهذا السبب كثرت البلاغات التى قدمت ضدى.. وهو ما دفع البعض لاتهامى بالهروب خوفا منها.. وهو ادعاء عار عن الحقيقة.. واسألوا جهات التحقيق عن موقفى.
تعال نستعرض بعضا من هذه البلاغات.. هناك من يتهمنى بأننى انشأت ممرا جديدا وفى مطار القاهرة ممرات أخرى.. شوف من يتحدث.. شوف خبرته البعيدة عن شأن الهندسة.. والأهم أن البنك الدولى هو الذى مول الممر.. وجاء بمهندسيه ليتابعوا التنفيذ حرصا على أمواله.. وتكرر الاتهام بإهدار المال العام بعد إنشاء الصالة الثالثة (ترمنال ثرى).. مقدم البلاغ يقول إننا لم نكن نحتاجها.. وطبيعة وظيفته ودرجته الوظيفية لا تسمح له بتناول مثل هذا الأمر.. لقد اقترضنا ثلاثة مليارات من البنك الدولى وسددناها من التمويل الذاتى.. وشعر المصريون بفخر بتطوير مطارات بلادهم بعد ان كانوا يشعرون بالخزى منها.
إننى أثق فى العدالة.. وأثق فى أنه لن تكون هناك ملحوظة واحدة تلمسنى من قريب أو بعيد.. فأنا أعرف نفسى جيدا.. لكنها الصراعات التى نعيشها فى مصر ولا ترقى لمستوى ما تتعرض له هى التى دفعتنى للخروج قليلا.
وكان من المتوقع أن يكون سؤالى التالى: هل سترجع مصر؟
دون تردد أجاب: سأعود قريبا جدا.. أو أعود بعد وقت ليس بعيدا.
وجاء سؤالى الثالى مكملا: هل ستكمل مشوارك السياسى؟.
قال: لو كان الموضوع موضوع انتخابات كان قد انفض فور إعلان النتيجة.. ولكن ما أراه الآن أننى أحظى بثقة عريضة من المصريين.. ولو كان نصف الناخبين أعطونى أصواتهم فإن هناك ملايين امتنعوا عن إبداء الرأى وهم أكثر اقترابا منى عن الجانب الآخر.. هؤلاء لو كان التصويت لأحد المرشحين إجبارا كانوا سيختاروننى.. واعتقد أن هناك شريحة من الممتنعين كانوا واثقين بأننى الفائز.
وربما هذا ما دفع مليون ونصف المليون عائلة للاستفادة من إجازة الانتخابات الطويلة لقضائها على الشواطئ فى الساحل الشمالى والعين السخنة.. فهل شعر هؤلاء بالندم على سلبيتهم؟
ربما.. لكن.. المؤكد أن هذه الكتلة الضخمة يجب أن تنظم فى كيان أكبر من الحزب.. إننى لا أخطئ فى حق الأحزاب.. فلدينا أحزاب محترمة.. وأحزاب تشبه «حرب إيطالية».. هذه الكتلة تضم تيارات وجماعات وشخصيات تريد لوطنها التقدم.. والتنمية.. والحريات الشخصية.. والسير فى طريق الديمقراطية عبر مؤسسات دولة مدنية.. تريد وجودا لكل التيارات.. تتنافس.. وتتسابق.. لا أن يسيطر فصيل على مقدرات البلاد.. مقصيا كل من يختلف معه.. متصورا أنه الملهم والمختار.
الموضوع أشمل من أن يكون حزبا معينا.. هى حركة قوية هادرة تحركت وتشكلت فى وقت الانتخابات الرئاسية.. لم يخرج أنصارها للتصويت فقط وإنما للدفاع عن مكتسبات الدولة الحضارية.. وتخوفا من تكسر أعمدتها.. وتفكيك مساميرها.. كانت الانتخابات فرصة للتعبير عن ذلك واكثر.. وهى رسالة يجب فهمها.. واستيعابها.. وإلا ستكون كارثة تلحق بالجميع.. الحاكم والمحكوم.. الرئيس والمرءوس.. الضارب والمضروب.. الراكب والمركوب.
الناس خرجت لتبدى رأيها فيما يحدث.. والدليل على ذلك أن هذه الحركة مستمرة حتى الآن.. فالأمور لم تستقر.. والموجة لا تزال مضطربة.
قلت: هذا صحيح.. لكن.. الناس تحتاج إلى قيادة.. تحتاج لمن يضع السائل فى وعاء كى يكون فاعلا.. لأول مرة نجد شعبا جاهزا.. ولا نجد من يقوده.. وربما هناك أشخاص متفرقون كل منهم يقدم نفسه لتولى القيادة.. لكنهم غير متحدين فهل يمكن أن يتوافقوا فيما بينهم؟
قال: هناك فرصة كبيرة.. ومنذ ايام كان هناك اجتماع ضم ممثلين عن تكتلات مختلفة.. سعوا فيه إلى التوحد.. فلا يجوز ترك كل هذه الملايين العريضة فى هذه الحالة الخطرة من السيولة.. خاصة أن السياسة أصبحت خبزا يوميا للمصريين.. من قبل كان الناس تفتخر بأنها «مالهاش فى السياسة».. الآن الكل يتكلم فى السياسة.. ويزهو بها.. ويرغب فى أن يجد تنظيما يعبر من خلاله عما يريد منها.
سألته: لو وضع دستور جديد.. هل علينا أن نبدأ من أول السطر.. بمعنى ننتخب برلمانا ورئيسا ونختار حكومة مرة أخرى؟
قال: الظروف هى التى فرضت علينا ذلك.. أظن أن القدر أراد لنا العودة إلى خط البداية مرة أخرى.. تزاحم الأحداث وأخطاء السير والفشل فى ترتيب الأولويات الصحيحة أوصلنا إلى هذه الضرورة.. ضرورة أن نبدأ على أساس دستورى سليم.. تأخر الدستور يلغى ما قبله.. يجبه.. يتجاوزه.. لكن.. لعلنا ننتقي من يضع الدستور ليكون صالحا للزمن القادم ويرضى احتياجات وأهداف وطموحات الوطن كله.
سألته: لو حدث ذلك هل ستخوض الانتخابات مرة أخرى؟
قال: شوف.. هناك مثل غربى يقول: لا تختار الطريق إلا بعد أن تعبر الجسر.. أعبر الجسر أولا ثم اختار أفضل السبل المتفرعة والمتقاطعة أمامك.. الإنسان مع كل طلعة شمس تتغير رؤيته.. وأعتقد أن التفكير فى هذا الأمر الآن سابق لأوانه.. لكن.. قرارى المؤكد فى هذه اللحظة هو أننى سأعمل فى السياسة.. دون تحديد مسبق للدور الذى سألعبه.
طلبت منه العودة إلى الحوار الذى جرى بينه وبين أوباما.. قلت له إن مكالمة الرئيس الأمريكى رسالة تشير إلى أن الديمقراطية ليست انتخابات تأتى برئيس وتنفض.. وإنما سلطة تحكم ومعارضة تنتقد.. رئيس ينفذ برنامجه.. وزعيم آخر يواجهه.. وينتظر أن يخسر فى الانتخابات القادمة.. تجربة الجمهوريين والديمقراطيين فى الولاياتالمتحدة وتجربة العمال والمحافظين فى بريطانيا وتجربة اليسار واليمين فى فرنسا تؤكد ذلك.. رسالة أوباما تقول أن لا أحد خالد فى الرئاسة طالما أن هناك ديمقراطية.. هل فهمت الرسالة على هذا النحو؟.. وهل فهمها منافسك الفائز هذه المرة؟
سؤال مهم.. تتفرع إجابتى عليه إلى شقين.. الأول أنه مع احترامى وتقديرى لمكالمة أوباما إلا أننى لا أريد أن أفترض فيها ما يسعدنى.. فالمكالمة تحتمل أن تكون مجرد مجاملة عابرة.. لا تزيد عن ذلك أو تنقص.. أو ممكن يكون وراءها أهداف أخرى.. وهنا أنتقل للشق الثانى.
لو كان أوباما يقصد استقرارا لنظام ديمقراطى فى مصر يقوم على كتلة تحكم وكتلة تعارض فأنا مع هذا التوجه.. فنحن فى بلادنا يجب أن نتعلم «ثقافة الاختلاف».. وأرجوك ضع أكثر من خط تحت هذه الجملة.. وثقافة الاختلاف ستأتى من أن يكون لدينا -كما قلت- كتلتان رئيسيتان.. واحدة فى السلطة والثانية فى المعارضة.. لضمان اتقان الحكم.. لا يصلح أن تكون المعارضة مجرد شظايا.. تطلق.. ولا تؤثر.
لكننا.. فى مصر تعودنا على وجود حزب فى السلطة يذبح باقى الأحزاب الأخرى ولا يترك منها غير الضعيف والهامشى.. بل فى بعض الأحيان تصنع السلطة بيدها المعارضة.. لتحافظ على شكل ديمقراطى هو فى الحقيقة مجرد ديكور.. لتجميل الديكتاتورية.. سواء جاءت للحكم بالتفويض أو عبر صناديق الانتخابات.
لابد أن تكون قوة المعارضة بنفس قوة السلطة.. وما لم يحدث ذلك فإن المستقبل السياسى فى مصر لن يستقيم.. وربما كانت نتيجة الانتخابات دليلا على ذلك.. نصف هنا.. ونصف هناك.. مما يعنى أن نصف الشعب لم يختر من فى الحكم.. ولو لم يكن هذا النصف قويا فإن الحكم سيستهين به.. وهو ما سيهدد الحكم نفسه بتكرار مصير من سبقه.. ولن ينفع هنا ما فشل فيه غيره من قمع وقهر وتكميم للأفواه والحريات.. مصر تغيرت وعلى الذين يسيطرون على مقدرات الأمور فيها أن يستوعبوا ذلك.. أن يصدقوه.
من هنا نرجع لفكرتى الأساسية.. أنا مصمم بإذن الله على خلق الكتلة المعارضة القوية التى تقف أمام الكتلة الحاكمة لتقول لها «هذا خطأ وهذا صواب» ليكون الجمهور فى النهاية هو الفيصل بيننا.. لكن.. أن تنتقم الكتلة الحاكمة ممن يعارضونها وتنكل بهم فهذا سيقضى على من فى السلطة قبل أن يقضى على من فى المعارضة.
قلت: تجربة الإخوان نفسها تدعم تحليلك.. فكل محاولات القضاء عليهم انتهت بوصولهم إلى الحكم.. وسجن من كان قبلهم فى الحكم.
قال: هذه قاعدة مرفوضة فى السياسة.. الحاكم قوى بالمعارضين قبل المؤيدين.. الحاكم قوى بالاختلاف معه قبل الاتفاق معه.
سألته: هل تعتقد أن الولاياتالمتحدة من القوة بحيث تفرض على الشأن المصرى ما تريد أم أن ما نسمعه عن قوتها وهم وضلال؟
قال: فى كل الأحوال اللاعب الرئيسى هو الشعب.. هو الأقوى.. ودور أية قوة هو إقناعه بما تراه.. لو اقتنعت اكتسبت هذه القوة نفوذا.. ولو لم يقتنع فقدت هذه القوة سمعتها.
سألته: فى النهاية هل لديك أقوال أخرى؟
قال: لا يمكن لإنسان أن يتصور مدى الأثر النفسى والمعنوى والإيجابى الذى شعرت به بعد عطف المواطنين علىّ ومتابعتهم لى.. إن ما يقوى عزيمتى فى هذه المرحلة إلى درجة لا أحلم بها هو ما أستشعره من ارتباط كريم ووفاء لا نظير له من كل من تعاملت معهم أثناء حملتى الانتخابية ومن كل من تحمل مشقة التصويت لى ومن كل من يأمل فى الكثير