عندما يدخل أفراد من عصابات الشبيحة الموالية للحكومة السورية متجرًا وهم يحملون الأسلحة، يعلم سكان حمص الفزعون أن عليهم الاختفاء من طريقهم.. يتقدم أفراد الشبيحة -المتهمون بارتكاب فظائع من بينها مذبحة قتلوا فيها عشرات النساء والأطفال الشهر الماضي- الصف ويتراجع المتسوقون ويهرع العاملون في المتجر إلى خدمتهم. ويجوب شبان الشبيحة شوارع الأحياء العلوية، ويقيمون نقاط تفتيش متى أرادوا ويوقفون حركة المرور لاستجواب السائقين.
همس أبوتمام من حي الزهراء العلوي، حيث انضم مئات الرجال إلى عصابات الشبيحة: "نحن لا نعرف متى سيظهرون ومتى سيختفون. بعض من كبار قادتهم هم أكبر بلطجية في الحي. الآن من المفترض أنهم منقذونا".
وتعتبر عصابات الشبيحة نفسها حاليًا خارج سيطرة حتى قوات الأمن، التي شكلتها لدعم الحملة الوحشية على الانتفاضة ضد الرئيس بشار الأسد، التي بدأت في مارس 2011.
وحمص مليئة برجال مثل لؤي القصير البدين الأصلع، الذي يبلغ من العمر 40 عاما، والذي لا يبدو مطلقا كزعيم عصابة، لكنه لا يخاف حتى من قوات الأمن، ويزعم أنه لا يتلقى أوامر من أحد، ولا حتى من الحكومة التي يقاتل من أجل حمايتها.
وقال متذمرًا: "إذا لم تستطع الحكومة إنهاء هذه المهزلة فسنقوم نحن بذلك، لدى أولاد يأكلون الصخر، لقد فاض الكيل، الجيش يحاول إنهاءها منذ عام ولم يستطع".
ويقول معارضو الحكومة إن الشبيحة هم مخلب القط لجهاز المخابرات السرية التابع لدولة الأسد البوليسية، وإنهم مستعدون للقيام بالأعمال القذرة بدون أوامر مكتوبة، لذلك يمكن للحكومة أن تنفى مسئوليتها.
وبعد مرور 16 شهرًا على الانتفاضة، التي يقول نشطاء إنها أودت بحياة ما لا يقل عن 13 ألف شخص بدأ ميزان القوى بين الجيش السوري وهذه العصابات يتغير. فالشبيحة الآن يعملون من تلقاء أنفسهم، بل أحيانا ضد أوامر الجيش.
ويقول لؤي: "بشار سيبقى في السلطة ما دمت أتنفس، لكن قادة جيشه فئران. أنا ورجالي نعمل من تلقاء أنفسنا ولا نتلقى أوامر من أحد".
لكن برغم تفاخرهم بالاستقلال عن الجيش أصبحت علاقة الشبيحة بالأمن الداخلي وأفرع جهاز المخابرات وثيقة، وقال بعض أفرادها إنهم طالبوا قوات الأمن بإرسال تعزيزات للمداهمات.
ولؤي من الأقلية العلوية، التي ينتمي إليها الأسد شأنه شأن معظم أفراد الشبيحة. وتهيمن النخبة العلوية على سوريا منذ أربعة عقود تحت حكم الأسد ووالده الراحل حافظ الأسد.
ويصر علويون متشددون على أنهم لا يقاتلون انتفاضة شعبية وإنما يقاتلون من أجل البقاء في مواجهة الأغلبية السنية، التي تقود الانتفاضة.
ويقول ضحايا غارات الجيش على المناطق السنية المتمردة إن الهجمات تبدأ عادة بقصف للجيش وتنتهي بعمليات قتل من جانب الشبيحة بالبنادق والسكاكين، كما يأتي بعضهم لينهب فقط، ويطلق آخرون النار ويطعنون من لم يفر من قصف الجيش، وتظهر التسجيلات المصورة، بعد ذلك المشاهد الوحشية للجثث والأطفال وقد هشمت جماجمهم.
ويصر ضباط الجيش على أن علاقتهم بالشبيحة هي علاقة شراكة مفروضة عليهم من جهاز الأمن السوري، وقال ضابط بالجيش طلب عدم نشر اسمه: "هذا واضح.. الكراهية متبادلة بين الجنود والشبيحة. كل هذه الأشياء التي نراها في وسائل الإعلام لا علاقة لها بنا - القتل العشوائي والسرقة. لدينا مذابح في حمص ولا نزال نبحث عن الجناة. الشبيحة هم من يتولون المسئولية داخل أحيائهم".
ويسيطر الجيش من الناحية النظرية على المناطق العلوية في حمص. ولديه قوات ومدفعية ثقيلة في أغلب جنبات الشوارع. لكن السكان يخشون الشبيحة.
وجاءت هذه التسمية من كلمة "الشبح" وهي أيضا لقب لعصابات كانت مقربة من قوات الأمن في الثمانينات، وكانت تقوم بعمليات تهريب وسرقة للسيارات خلال حكم حافظ الأسد، لكن الشبيحة الجدد في سوريا ليس لهم علاقة تذكر بأسلافهم، الذين كانوا يتبعون أسلوب المافيا في العمل، فالعصابات التي أفرزتها الحرب هي عبارة عن مسخ قبيح "لمجموعات مراقبة الأحياء"، التي شكلتها قوات الأمن مع تنامي الانتفاضة.
وبالنسبة لأغلب الشبان الذين انضموا لصفوف الشبيحة وعددهم بالمئات تعد العضوية عامل فخر وسبيلًا للدفاع عن منطقة تسكنها أقلية يعتقدون أنها تتعرض للتهديد.
ويطلق على الأعضاء الصغار مثل سمير البالغ من العمر 20 عامًا الكتاكيت، ويبدل سمير حمل الكلاشنيكوف على كتفيه الصغيرين وهو يمشي في الشوارع، وقد طرده أبواه من المنزل عندما انضم للشبيحة، وقال: "هناك حتى أعضاء اصغر.. هناك فتى عمره 16 عامًا يساعدنا في بعض الهجمات. لسنا جهلة.. أنا في السنة الأولى بكلية الحقوق. لكن بلادنا الآن أهم وهؤلاء المتمردون مجرمون. ما يحدث هو حرب ضد العلويين ولن نظل صامتين".
وتقول مصادر الجيش إن افرع أجهزة الأمن المحلية تعطي تراخيص لكثير من الرجال في أماكن مثل حمص لحمل الأسلحة للدفاع عن النفس رسميا بسبب تدهور الأوضاع في سوريا، ولدى قادة الشبيحة الآن دخل ثابت من مداهمة مناطق المعارضة ونهبها، ويمكنهم بسهولة شراء المزيد من الأسلحة والذخيرة.
وفي حي الزهراء بحمص يلتقي مراد مع مجموعته، التي تضم ثلاثين فردًا يحملون بنادق. ويقول السجين السابق ضخم الجثة إنه الآن يعمل عن كثب مع قوات الأمن وإنه يزرع جواسيس بين المعارضين.
وتتجمع مجموعات من الشبان في مكتبه الخالي لتستمع إليه وهو يحكي قصصًا عن المعارك الأخيرة وهو يدخن سجائر المارلبورو ويحتسي الويسكي وكليهما من السلع الفاخرة في مدينة دمرتها الاشتباكات والقصف.
وقال: "اليلة الماضية جاءتني أخبار من مجموعتي بأن المقاتلين سيهاجمون.. اتصلت بالمخابرات العسكرية وأبلغتها بإرسال دعم. أرسلوا لنا 15 رجلًا جاهزين للقتال. جمعت رجالي ونظمتهم للخروج في نحو العاشرة مساء. أرسلت الصقر إلى أعلى مبنى والمكان كان مكشوفًا بالنسبة له" في إشارة إلى القناص بفريقه.
وأضاف: "مجموعتنا في الداخل كانت تبلغنا متى سيحدث الأمر (الهجوم). انتظرنا حتى الرابعة صباحًا ثم اشتعل الوضع. بدأ الصقر إطلاق النار.. إذا رأى قطة كان يطلق عليها النار".
وبينما كان يروي القصة كان الرجال يضحكون بشدة. لكنه كان يغضب من أي تشكيك في دوافعه، وقال "واجبنا حماية الحي. علاوة على ذلك نحن نعمل في إطار القانون".