إذا تأملنا الإعلان الدستورى المكمل الذى أصدره المجلس المجلس الأعلى للقوات المسلحة مساء الأحد 17 يونيو فسوف نكتشف أنه ملىء بالمفارقات العجيبة والمدهشة، وسوف نتوقف هنا عند واحدة فقط منها وهى المفارقة التى تضمنتها المادة 60مكرر 1 والتى تنص على أنه: إذا رأى رئيس الجمهورية أو رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة أو رئيس مجلس الوزراء أو المجلس الأعلى للهيئات القضائية أو خُمس عدد أعضاء الجمعية التأسيسية أن مشروع الدستور يتضمن نصاً أو أكثر يتعارض مع أهداف الثورة ومبادئها الأساسية التى تتحقق بها المصالح العليا للبلاد، أو مع ما تواتر من مبادئ فى الدساتير المصرية السابقة، فلأى منهم أن يطلب من الجمعية التأسيسية إعادة النظر فى هذه النصوص خلال مدة أقصاها خمسة عشر يومًا فإذا أصرت الجمعية على رأيها، كان لأى منهم عرض الأمر على المحكمة الدستورية العليا، وتصدر المحكمة قرارها خلال سبعة أيام من تاريخ عرض الأمر عليها، ويكون القرار الصادر من المحكمة ملزما للكافة»، ووجه المفارقة هنا هو أن هذا النص قد أناط بالمحكمة الدستورية مهمة جديدة تتناقض تماما مع طبيعتها ووظيفتها الأساسية كمحكمة تمارس الرقابة على دستورية القوانين واللوائح، أى باعتبارها تنظر أساسا فى مدى اتساق تلك القوانين واللوائح مع أحكام الدستور أما المهمة الجديدة التى ألقاها هذا النص العجيب على عاتق المحكمة فتتمثل فى الرقابة على النص الدستورى ذاته!!، أو بالأحرى الرقابة على مشروع النص الدستورى لبيان مدى اتساقه مع : «أهداف الثورة ومبادئها الأساسية التى تتحقق بها المصالح العليا للبلاد أو مع ما تواتر من مبادئ فى الدساتير المصرية السابقة»، أى أن المكمل قد جعل من بين المرجعيات العليا التى ترجع إليها المحكمة فى هذا الخصوص أهداف الثورة ومبادئها الأساسية رغم أن الثورة ذاتها بالنسبة لأى محكمة دستورية هى فى جوهرها فعل مخالف للدستور!!.. أليست الثورة أولا وقبل كل شىء هى رفض للنظام والدستور القائم ومحاولة لبناء نظام ودستور جديد؟ كيف إذن نحتكم فى شأن مدى اتساق نص دستورى مع مبادىء الثورة، كيف نحتكم إلى محكمة هى بحكم طبيعتها ومنطقها ضد منطق الثورة؟...هكذا كانت أى محكمة دستورية فى الدنيا وهكذا سوف تكون.. دعنا من أن نص المادة المادة 60مكرر 1 لم يورد بشكل محدد ما هى أهداف الثورة ومبادئها الأساسية التى تتحقق بها المصالح العليا للبلاد مكتفيا بهذه العبارة الفضفاضة التى تقبل أى تفسير يراد له أو بالأحرى يراد به أن يكون هو التفسير المطلوب، دعنا من ذلك لأننا حتى لو صيغت مبادئ الثورة بشكل محدد، فإن المحكمة الدستورية بالذات، ونحن هنا لا نتكلم عن المحكمة الدستورية فى مصر بل عن أى محكمة دستورية فى الدنيا هى آخر جهة يمكن لها أن تراقب نصا فى ضوء مدى اتساقه مع مبادئ الثورة !!.. ولو أن الإعلان الدستورى المكمل كان قد اكتفى بالإشارة إلى أن السند الذى يمكن الاستناد إليه فى الاعتراض على نص معين وارد فى مشروع الدستور هو أن هذا النص متعارض مع ما تواتر من مبادئ فى الدساتير المصرية السابقة، لو أنه اكتفى بهذا فربما كان الاحتكام إلى المحكمة الدستورية العليا فى هذه الحالة أمرا مقبولا ومبررا، لكنه أضاف إلى ذلك أن السند الذى يبرر الاعتراض على نص معين هو كون النص متعارضا مع مبادئ الثورة!!، وكأن المجلس العسكرى قد بلغ به الحرص على مبادئ الثورة إلى الحد الذى جعله يعطى جهات عديدة: رئيس الجمهورية، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، رئيس مجلس الوزراء، المجلس الأعلى للهيئات القضائية، خُمس عدد أعضاء الجمعية التأسيسية، جعله يعطى كل واحدة من هذه الجهات (الثورية) حق الاعتراض على نص قامت بوضعه اللجنة التأسيسية (التى يفترض أنها تمثل الشعب) وذلك إذا رأت الجهة المعترضة أن هذا النص ينافى مبادئ الثورة.. فإذا ما تمسكت الجمعية التأسيسية برأيها قامت الجهة المعترضة كما نص المكمل بعرض الأمر على المحكمة الدستورية على ما فى ذلك من المفارقة التى أوضحناها، ويا لها من مفارقة.