تحرير سيناء انطلاقة للتنمية بعد سلام الانتصار، احتفالية بإعلام الخارجة    الزراعة: البن المصري حلم يتحقق بعد عقود من التجارب وندرس الجدوى الاقتصادية    قرار عاجل من تعليم القاهرة بشأن تطبيق التوقيت الصيفي ومواعيد الامتحانات    عزة مصطفى تكشف موعد نهاية تخفيف أحمال الكهرباء (فيديو)    إسرائيل تعلق على استئناف ألمانيا تمويل "الأونروا"    صندوق النقد الدولي يدشن مكتبه الإقليمي في السعودية    إعلام عبري: مجلس الأمن الإسرائيلي بحث سرا سيناريوهات اعتقال نتنياهو وجالانت وهاليفي    الرئيس السيسي يشهد انطلاق البطولة العربية العسكرية للفروسية    رياضة دمياط تستقبل بطولة قطاع الدلتا المفتوحة للكيك بوكسينج برأس البر    اعتادت إثارة الجدل، التحقيقات تكشف تفاصيل اتهام البلوجر نادين طارق بنشر فيديوهات خادشة للحياء    الذكاء الاصطناعي وإحياء الموتى بشكل افتراضي!    رانيا يوسف لمنتقدي ملابسها: لن أغير ذوقي من أجل أحد    منح دولية وعروض جوائز إضافية بمهرجان بؤرة المسرحي في جامعة دمنهور    غدًا، قافلة طبية مجانية بقرى الفرافرة ضمن مبادرة "حياة كريمة" بالوادي الجديد    "مواجهته كابوس".. علي فرج يعلق على هزيمته لمحمد الشوربجي ببطولة الجونة الدولية للاسكواش (فيديو)    "تدعو لتدمير إسرائيل".. نتنياهو يهاجم المظاهرات الداعمة لفلسطين بالجامعات الأمريكية    موعد إجازة شم النسيم 2024 في مصر.. وتواريخ الإجازات الرسمية 2024    وزير الاتصالات يؤكد أهمية توافر الكفاءات الرقمية لجذب الاستثمارات فى مجال الذكاء الاصطناعى    بدءا من الجمعة، مواعيد تشغيل جديدة للخط الثالث للمترو تعرف عليها    سبورت: برشلونة أغلق الباب أمام سان جيرمان بشأن لامين جمال    تردد قناة الجزيرة 2024 الجديد.. تابع كل الأحداث العربية والعالمية    بروتوكول تعاون بين «هيئة الدواء» وكلية الصيدلة جامعة القاهرة    صراع ماركيز ومحفوظ في الفضاء الأزرق    مدير «مكافحة الإدمان»: 500% زيادة في عدد الاتصالات لطلب العلاج بعد انتهاء الموسم الرمضاني (حوار)    هل تقتحم إسرائيل رفح الفلسطينية ولماذا استقال قادة بجيش الاحتلال.. اللواء سمير فرج يوضح    السيد البدوي يدعو الوفديين لتنحية الخلافات والالتفاف خلف يمامة    بالفيديو.. أمين الفتوى: موجات الحر من تنفيس نار جهنم على الدنيا    دعاء الستر وراحة البال والفرج.. ردده يحفظك ويوسع رزقك ويبعد عنك الأذى    خالد الجندي: الاستعاذة بالله تكون من شياطين الإنس والجن (فيديو)    أمين الفتوى: التاجر الصدوق مع الشهداء.. وهذا حكم المغالاة في الأسعار    إدخال 215 شاحنة إلى قطاع غزة من معبري رفح البري وكرم أبو سالم    متحدث «الصحة» : هؤلاء ممنوعون من الخروج من المنزل أثناء الموجة الحارة (فيديو)    أزمة الضمير الرياضى    بعد إنقاذها من الغرق الكامل بقناة السويس.. ارتفاع نسب ميل سفينة البضائع "لاباتروس" في بورسعيد- صور    منى الحسيني ل البوابة نيوز : نعمة الافوكاتو وحق عرب عشرة على عشرة وسر إلهي مبالغ فيه    منتخب الناشئين يفوز على المغرب ويتصدر بطولة شمال إفريقيا الودية    تعرف على إجمالي إيرادات فيلم "شقو"    البورصة تقرر قيد «أكت فاينانشال» تمهيداً للطرح برأسمال 765 مليون جنيه    سيناء من التحرير للتعمير    فوز مصر بعضوية مجلس إدارة وكالة الدواء الأفريقية    العروسة في العناية بفستان الفرح وصاحبتها ماتت.. ماذا جرى في زفة ديبي بكفر الشيخ؟    أوراسكوم للتنمية تطلق تقرير الاستدامة البيئية والمجتمعية وحوكمة الشركات    عيد الربيع .. هاني شاكر يحيى حفلا غنائيا في الأوبرا    توقعات برج الثور في الأسبوع الأخير من إبريل: «مصدر دخل جديد و ارتباط بشخص يُكمل شخصيتك»    حكم الاحتفال بشم النسيم.. الإفتاء تجيب    هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية: تلقينا بلاغ عن وقوع انفجار جنوب شرق جيبوتي    تضامن الغربية: الكشف على 146 مريضا من غير القادرين بقرية بمركز بسيون    خدماتها مجانية.. تدشين عيادات تحضيرية لزراعة الكبد ب«المستشفيات التعليمية»    مديريات تعليمية تعلن ضوابط تأمين امتحانات نهاية العام    الصين تعلن انضمام شركاء جدد لبناء وتشغيل محطة أبحاث القمر الدولية    تأجيل محاكمة 4 متهمين بقتل طبيب التجمع الخامس لسرقته    تفاصيل مؤتمر بصيرة حول الأعراف الاجتماعية المؤثرة على التمكين الاقتصادي للمرأة (صور)    مهرجان الإسكندرية السينمائي يكرم العراقي مهدي عباس    هل يجوز أداء صلاة الحاجة لقضاء أكثر من مصلحة؟ تعرف على الدعاء الصحيح    تقديرات إسرائيلية: واشنطن لن تفرض عقوبات على كتيبة "نيتسح يهودا"    القبض على 5 عصابات سرقة في القاهرة    ضبط 16965 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    «التابعي»: نسبة فوز الزمالك على دريمز 60%.. وشيكابالا وزيزو الأفضل للعب أساسيًا بغانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البر يولد البر
نشر في الفجر يوم 18 - 01 - 2012

البر اسم جامع للخير، ويأتي بمعنى الإحسان إلى الوالدين والأقربين، كما يأتي بمعنى الصلة، وهو في استعمال الشرع: (كلمة جامعة لكل أصناف الخير، ويُراد منه ما هو زائد عن حدود التقوى، فهو مرتبة فوق التقوى، ودون مرتبة الإحسان...).

والرجل البار رجل وفيّ عطوف في محبته، ويظهر أثر بره في تعامله مع والديه، وأقاربه، وجيرانه، وضيوفه، ومعارفه، ومعارف والديه، وأيتام المسلمين. ويتميز سلوك البار بالمداومة على الصلة؛ بالزيارة وبشاشة الوجه، والاستمرار في بذل المعروف، والإنفاق على الأرحام والمعارف، والإيثار على النفس.

وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم البر في مقابل الإثم في نصوص عديدة، مفسرة مرة باطمئنان النفس إلى الحلال الطيب، الذي لا شبهة فيه فقال: "البر ما اطمأنت إليه النفس"، وفي رواية: " البر ما سكنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما لم تسكن إليه النفس، ولم يطمئن إليه القلب.." الحديث.

ووصف ابن حجر النفس البارة بأنها: (المطمئنة الموهوبة نورا، يفرق بين الحق والباطل، والصدق والكذب ...) كما فُسّر البر في السنة بحسن الخلق كقوله صلى الله عليه وسلم: (البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك) وقيل في شرحه: (أي التخلق بالأخلاق الحسنة مع الخلق والخالق، والمراد هنا المعروف، وهو طلاقة الوجه، وكف الأذى، وبذل الندى وأنه يحب للناس ما يحب لنفسه...).

ولأن درجة البر من أعلى الدرجات فلا يصل إليها المسلم إلا بعد مجاهدة للنفس، وإيثار للآخرة على علائق الدنيا وزينتها، ولذلك قال تعالى: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}.

حتى لا يكون للقلوب تعلق إلا بما عند الله ، ولتخلص النفوس لبارئها، وعندئذ يعلو مقامها عند الله، ولذلك " فالناس رجلان: رجل بر تقي كريم على الله، وفاجر شقي هين على الله..." – كما جاء في الحديث الصحيح – فالبر تقي كريم على الله، ومن كان كريما على الله كان كريما على عباده الصالحين والعقلاء، ولذلك يقول بعض الحكماء: لا تصادق عاقا فإنه لن يبرّك، وقد عقّ من هو أوجب حقا منك عليه.

ومن أوجب البر الإحسان إلى الأقرب فالأقرب، وليس أقرب من الوالدين، وقد أمرنا بالإحسان إليهما، وبمصاحبتهما بالمعروف، وبشكرهما، وبالصبر عليهما، وعدم التضجر منهما، وبالتواضع لهما وحسن الحديث معهما، والدعاء لهما ... وقد جاء في الحديث: " إن الله يوصيكم بأمهاتكم-ثلاثا- إن الله تعالى يوصيكم بآبائكم-مرتين- إن الله تعالى يوصيكم بالأقرب فالأقرب" والهالك من أدرك والديه فلم يبرهما، وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذل والهوان على من فاتته فرصة البر بوالديه فقال: " رغم أنفه. ثم رغم أنفه . ثم رغم أنفه ... من أدرك والديه عند الكبر: أحدهما أو كلاهما ثم لم يدخل الجنة " لأن الحياة فرص، وتفويت الفرصة المتاحة ليس من شأن المؤمن الفطن.

وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الثلاثة الذين لا يدخلون الجنة ( العاق لوالديه ) كما وصفه في حديث آخر بأنه ممن " لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا" ، ولا يسلم العاق من عذاب الله حتى في الدنيا، لقوله صلى الله لعيه وسلم: " بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا: البغي والعقوق"، بالإضافة إلى أن العقوق من الكبائر. وكما أنه كبيرة شرعا، فإنه من أكبر صور الجحود وعدم الوفاء في نظر العقلاء.

وقد جعل الله البر بالوالدين بابا للفوز برضاه سبحانه، كما في قوله صلى الله لعيه وسلم: " رضا الرب في رضا الوالدين، وسخطه في سخطهما".

وهو من أحب الأعمال إلى الله " أحب الأعمال إلى الله: الصلاة لوقتها: ثم بر الوالدين، ثم الجهاد في سبيل الله".

وقد عبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المبالغة في التماس رضا الأم بقوله: " الزم رجلها فَثمَّ الجنة"، وآثر الصحابي أن يقدم خدمة والديه على الجهاد الكفائي، فقال له: " فيهما فجاهد" –يعني الوالدين.

وفي قصة الثلاثة الذين حبسهم المطر في غار، وانسد عليهم الغار بصخرة كبيرة، مثل بليغ لتنزل رحمة الله وتفريج الكروب، إذا ما صلحت العلاقات المالية، وحفظت الأعراض، و استقرت العلاقات الأسرية، حيث توسّل كل منهم بصالح عمله، ومنهم الحريص على رضا والديه والمقدم لهما على أهله وولده، فكانت تنفرج الصخرة كلما دعوا حتى خرجوا من الغار سالمين.

ومن أبلغ البر بالوالدين وأصدقه وأخلصه ما يداوم عليه البار في حضور الوالدين، وفي غيبتهما، وفي حياتهما، وبعد موتهما، ومن صور هذا البر إكرام أصدقائهما وأحبابهما، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولي الأب". وفي رواية أخرى: "من البر أن تصل صديق أبيك" و "من أحب أن يصل أباه في قبره، فليصل إخوان أبيه من بعده"، يقول النووي: (وفي هذا فضل صلة أصدقاء الأب، والإحسان إليهم وإكرامهم، وهو متضمن لبر الأب وإكرامه؛ لكونه بسببه، وتُلحق به أصدقاء الأم، والأجداد، والمشايخ والزوج والزوجة).

ومن إكرام الأب إكرام العم لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن عم الرجل صِنْو أبيه" ، ومن البر بالأم الإحسان إلى الخالة، فقد ورد أن رجلا أذنب ذنبا كبيرا وتساءل إن كان له توبة؟ فدلّه رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب من البر يكفر عنه ما أذنب، فقال له: "ألك والدان؟" قال: لا. قال: " فلك خالة؟" قال: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فبِرَّها إذن".

وأثر بر الولد يصل إلى والديه، حتى بعد موتهما؛ بدعائه لهما، كما في الحديث: " أربع من عمل الأحياء تجري للأموات: رجل ترك عقبا صالحا يدعو له ينفعه دعاؤهم...." وكم يستبشر قلبك حين تعلم أن استغفارك لأبيك المؤمن يرفع درجته في الجنة، ويعجب هو هناك، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الرجل لتُرفع درجته في الجنة، فيقول: أنى لي هذا؟! فيُقال: باستغفار ولدك لك".
ومن صور البر إليهما بعد موتهما التصدق عنهما، جاء في الحديث الصحيح: أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبي مات ولم يوص، أفينفعه أن أتصدق عنه؟ قال:" نعم "، ولقد كان من بر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمه رغم أنها ليست من أمته أنه استأذن ربه في الاستغفار لها حيث قال: " استأذنت ربي أن أستغفر لأمي، فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي "، وورد عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: قدمت عليّ أمي وهي راغبة مشركة فقلت: يا رسول الله، إن أمي قدمت عليّ وهي راغبة مشركة، أفأصلها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صليها ".

هذا شأن البار حين يكون ابنا، وهو إن نشأ على البر انعكس أثر بره في التعامل مع بنيه، وربما كانت التوجيهات النبوية إلى البر بالآباء أكثف وأغزر، لأن الإنسان بفطرته ميال إلى ولده، حريص عليه، متلهف للأخذ بيده إلى معالي الأمور، بينما قد ينسى البشر جيلا سابقا في طريقه إلى أن يولي، وهم في غمرة انشغالهم بجيل لاحق، يوشك أن يتمكن في الأرض، فاحتاج البشر إلى لفته تذكرهم بفضل الجيل السابق، لئلا يغفلوا عنه، وليقدموا إليه بعض صور الوفاء بحقه، وهم أنفسهم في طريقهم إلى أن يكونوا في يوم من الأيام ذلك الجيل السابق، وسيندبون ضعف الوفاء في بنيهم إن لم يبروهم.

ومن صور البر بالأبناء التي وجه إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم العدل بينهم، بحيث لا تثور الضغائن، ولا تتحرك الأحقاد، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: " اعدلوا بين أولادكم في النِحَل-العطايا-كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف"، ولما جرت به بعض الجاهليات من إيثار الأولاد على البنات، فقد خص رسول الله عليه وسلم البر بالبنات بلفتات خاصة، منها قوله: " ليس أحد من أمتي يعول ثلاث بنات أو ثلاث أخوات، فيحسن إليهن، إلا كن له سترا من النار".

وصاحب البر يتعدى بره الوالدين والأبناء إلى الأرحام والأقارب، ولأن الوفاء والإحسان أصيل فيه، فإنه يتميز به مع جميع الناس الذين يتعامل معهم، وفي مقدمتهم الأقرب فالأقرب، ولذلك حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على توثيق هذه الصلات فقال: " اتقوا الله وصلوا أرحامكم"، وهذه الصلة من أحب الأعمال إلى الله: " أحب الأعمال إلى الله: إيمان بالله ثم صلة الرحم ..." وهي من أبواب الجنة لقوله صلى الله عليه وسلم: " أطب الكلام، وأفش السلام، وصل الأرحام، وصل بالليل والناس نيام، ثم ادخل الجنة بسلام".

ولما لبر الأرحام وصلتهم من المنزلة عند الله، فقد أخذ على نفسه –سبحانه- أن يصل البار الواصل، كما جاء في الحديث من قول الله للرحم: " أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فهو لك" وجعل الوصل من أسباب البركة في العمر، كما جاء على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سره أن يُبسط له في رزقه، وأن يُنسأ له في أثره، فليصلْ رحمه".

هذا بالإضافة إلى أثرها الاجتماعي في التأليف والمحبة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: " صلة القرابة مثراة في المال، محبة في الأهل، منسأة في الأجل". وكما يعجل الله عقوبة العاق والقاطع فإنه ليعجل المثوبة في الدنيا للبار الواصل، كما في الحديث: "... وإن أعجل الطاعة ثوابا لصلة الرحم، حتى إن أهل البيت ليكونوا فجرة، فتنموا أموالهم، ويكثر عددهم، إذا تواصلوا" وهذا رغم فجورهم.

وقد يقابل الواصل بالجفاء، مما قد يغريه بالقطيعة، ولكن الله نصيره إذا ما داوم الصلة، جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا رسول الله: إن لي قرابة، أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليّ، فقال: "لئن كنت كما قلت، فكأنما تُسفُّهم الملّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك".

وخير الوصل، والخالص لوجه الله، ما كان بالبر والإحسان إلى من يقابلك بالعداوة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: " إن أفضل الصدقة، الصدقة على ذي الرحم الكاشح"، أي المعادي، يقول ابن الجوزي في بيان علة الأفضلية: ( وإنما فُضّلت الصدقة عليه لمكان مخالفة هوى النفس، فأما من أعطى من يحب إنما ينفق على قلبه وهواه)، وقد كان حال البارّين الواصلين لأرحامهم على هذه الصورة من الإحسان، حتى مع اختلاف الدين، ويشهد لذلك ما ورد من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُهديت إليه حُلل كان قد قال عن مثلها: " إنما يلبس هذه من لا خلاق له". فأهدى منها إلى عمر، فقال عمر: كيف ألبسها وقد قلبت فيها ما قلت؟ قال: إني لم أعطكها لتلبسها، ولكن تبيعها أو تكسوها، فأرسل بها عمر إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يُسلم.

ويجب على البار أن يستمر في صلة أرحامه ولو بأدنى صور الوصل، كما قال صلى الله عليه وسلم: " بُلُّوا أرحامكم ولو بالسلام " –أي صلوا أرحامكم-.

وتتسع دائرة البر لتشمل الجيران، وقد أوصى بهم جبريل كثيرا: " لقد أوصاني جبريل بالجار، حتى ظننت أنه يورثه"، وقال صل الله عليه وسلم: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحسن إلى جاره ...." ونفى الإيمان الكامل عمن " لا يأمن جاره بوائقه " و " من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به" . وفي وصيته صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: " يا أبا ذر ٌ! إذا طبخت فأكثر المرقة، وتعاهد جيرانك أو اقسم بين جيرانك" وقد ذُكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة تقوم الليل، وتصوم النهار، وتفعل وتصّدّق، وتؤذي جيرانها بلسانها، قال صلى الله عليه وسلم: " لا خير فيها، هي من أهل النار".

وكثير من صور البر تقتضي جودا وإنفاقا، ومما حث به رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: " نفقة الرجل على أهله صدقة" ، " وأفضل الدنانير دينار ينفقه الرجل على عياله، ودينار ينفقه الرجل على دابته، ودينار ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل الله، وأي رجل أعظم أجرا من رجل ينفق على عيال صغار، يعفهم الله ويغنيهم به؟!"

كل هذه الصور إنما هي أمثلة من حياة البار، وإن كانت مظاهر بره تسع جميع المتعاملين معه من القريبين منه والمحتكين به.

والبر يولّد البر، والصلة تستدعي مزيدا من الصلة، وتلتحم أواصر الأسر، وتتوثق العلاقات الاجتماعية، فإلى مزيد من البر والصلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.