توابع ما بعد «نساء المتعة» من ألاضيش الجماعة.. إلى الساقطين فى بحر قلة الأدب لا أنزعج من الشتائم التى يتقنها الجهلاء.. ولا تفزعنى ألفاظ السباب البذيئة التى تعكس أخلاق وقيم وتربية من يطلقونها.. ولا تخيفنى رسائل التهديد العاجزة المتهافتة.. ولا أهتز أمام حملات الغباء التى يقوم بها من باعوا عقولهم للأوهام.. بل تزيدنى العقول المتحجرة إصرارا على إقناعها.. فإن لم يكن - وهو ما يحدث عادة - فلا أقل من تحطيمها لأنها تستحق.
أقول هذا الكلام بعد حملة بذيئة وحقيرة - بدت منظمة - من منتمين لجماعة الإخوان المسلمين تنظيماً وتعاطفاً وسيراً مع الموجة بلا عقل، بسبب ما نشرته عرضا لمذكرات الإخوانية السابقة انتصار عبد المنعم، التى وضعت تجربتها فى كتابها «حكايتى مع الإخوان» ونشرتها لها الهيئة المصرية العامة للكتاب، وهى دار نشر رسمية تملكها الدولة ويقوم عليها موظفون عموميون.
لم يشن الإخوان حملتهم.. ولم يعلنوا غضبهم على تفاصيل ما كتبت، ولكنهم أخذوا العنوان «نساء المتعة.. الاستغلال السياسى والجنسى لحريم الإخوان».. واتهمونى بالخوض فى أعراض نساء الإخوان - معاذ الله أن أفعل ذلك معهن أو مع غيرهن - ولو أنهم كلفوا أنفسهم بقراءة الموضوع لعرفوا أن ما كتبت لم يكن إلا شهادة واقعية من امرأة إخوانية ضاقت بالجماعة ومن فيها.
ولو أنهم تأملوا ما نشرته بشيء من العقل، لعرفوا أننى لم أتعرض لنساء الإخوان، بل تعرضت لرجالهم.. فالمرأة الإخوانية هنا تتزوج، تصبح زوجة ثانية أو ثالثة، وهو أمر لا يعيبها طالما أنها اترضت ذلك، ولكن العيب كله فى رجال الإخوان، الذين خرجوا عن مقاصد الشريعة وذهبوا يتزوجون للمتعة وإعادة شبابهم، وقد سألت انتصار عبد المنعم مدير أعمال أحد القيادات الإخوانية الذى تزوج للمرأة الثالثة، لماذا لم يقم القيادى الإخوانى بتزويج فتى وفتاة فيكون بذلك عف اثنين بدلاً من أن يعف واحدة.. فلم يجبها.. لأنه ليست لديه إجابة من الأساس.
وقع الإخوان فى مصر وعدد من الدول العربية - وصلنى غضبهم عبر رسائل المحمول والرسائل الأليكترونية - ضحية لاجتزاء جاهل وغبى قامت به صفحة «كلنا خالد سعيد « على الفيس بوك، حيث وضعت عنوان الموضوع فقط، وتركت لكل من يراه مساحة ليتخيل ما يمكن أن يقال تحت « نساء المتعة»، وهو الخيال الذى جمح ببعضهم فجعلهم يتفوهون بأحط الألفاظ وأدناها وأحقرها.. وهو أمر مردود عليهم.. فكل بئر تنضح بما فيها.
*******
وهنا لابد أن أسجل ملاحظتين أعتقد فى أهميتهما :
الأولي: أن شباب الإخوان الذين تحملوا على عاتقهم الرد بالشتائم والسباب لا يقرأون.. لا يكلفون أنفسهم عناء المعرفة ليكونوا رأياً صحيحاً، وهو أمر طبيعى، فالذين يتركون أنفسهم لمبدأ السمع والطاعة ينفذون ما يتلقونه من أوامر دون تفكير أو تأمل، من السهل تضليلهم وقيادتهم إلى أى مورد دون إرادة منهم، فهم مثل القطيع الذى يساق إلى مصيره دون أن يدري.
الثاني: أن الجماعة التى تدعى أنها ربانية وخلقها القرآن فشلت فى تربية أبنائها، إننى أمام مجموعة من السفلة، أتحدث على الأقل عمن تحدثوا أو علقوا أو كتبوا آراءهم الهزيلة، يتلفظون بأحط الألفاظ.. ويتوجهون لمن يختلفون معهم بالشتائم التى يعاقب عليها القانون.. وهنا أقترح على الجماعة المصونة أن تمنح من يطلقونهم على خصومهم « الإخوان الشتامين» فهو الاسم الأنسب والأوقع والأكثر واقعية وتعبيرا عن سلوك أبنائها.
ولن يكون كثيرا على مرشد الجماعة العام الدكتور محمد بديع أن يتفرغ ولو قليلا لإعادة تربية أبنائه فى الجماعة وتعليمهم الأدب فى التعامل مع الآخرين.. بدلاً من أن يشطح خياله ويتحدث عن دولة الخلافة.. فأى خلافة سنقدمها للعالم وهناك من بين الإخوان من لا يجيدون الأدب.. بل يتعاملون وكأنهم شبيحة حواري.. وهؤلاء لن يخيفنى لسانهم، ولن يكون لهم عندى إلا الحذاء الذى يتناسب معهم ويستحقونه دون غيرهم.
******
لقد كان مستفزاً جداً عندما قال محمود غزلان، المتحدث الرسمى باسم الجماعة، إن الفتاة المسحولة فى ميدان التحرير ليست من الأخوات، فصل الرجل بين نساء مصر بحاجز غليظ، فإما أن تكونى أختا من الأخوات، أو لا تكونى شيئاً على الإطلاق، فالكرامة عند الإخوان للأخوات، والأدب والاحترام للأخوات فقط، أما غيرهن فكل شيء ضدهن مباح.
بعد تصريحات غزلان بأيام وقع فى يدى كتاب انتصار عبدالمنعم الذى سجلت فيه تجربتها مع الإخوان، وهى التجربة التى أكدت أن مجتمع الإخوان ليس ربانياً ولا قرآنياً كما يقولون، ولكنه مجتمع عادى فيه الصالح والطالح.. فيه الملتزم والمنحرف.
لسنا أمام ملائكة.. بل بشر يصيبون ويخطئون.. وعندما تقرأ كتاب «حكايتى مع الإخوان» ستجد من كتبته تتعامل مع المرأة الإخوانية على أنها أداة طوال الوقت.. يستخدمها زوجها لما يراه صالحاً.. فهى بعيداً عن الانتخابات مجرد زوجة وربة بيت ومربية أطفال، وعندما يدخل الإخوان فى معركة سياسية تصبح الإخوانية وقوداً للمعركة.
أحمل قناعة أن مفتاح تحضر الرجل أو تخلفه هو شكل تعامله مع المرأة، ومن خلال ما نشرته انتصار عن الإخوان وتعاملهم مع المرأة، أجدنى أمام جماعة متخلفة غارقة حتى أذنيها فى الجاهلية التى لا تنظر للمرأة إلا كأداة.. يتغير دورها طبقا للمطلوب منها.
شهدت انتصار لحسن البنا مؤسس الجماعة، وصفته بأنه كان راقياً ومتحضراً فى تعامله مع النساء، أما من جاءوا بعده فقد ابتذلوهن واستخدموهن طبقا لاحتياجاتهم ورغباتهم ومخططاتهم.
كان يمكن للإخوان أن يغضبوا من نشر المذكرات قبل الثورة، كان يمكن لهم أن يقولوا إنها مؤامرة ضدهم من أمن الدولة - رغم أن الجماعة لم تكن بعيدة عن أمن الدولة كثيراً - لكن الآن ماذا يمكن لهم أن يقولوا، إنهم يسيطرون على الشارع، لهم الأغلبية البرلمانية.. معهم القوة، لكن يبدو أنهم يريدون منا أن نتعامل معهم على أنهم آلهة لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم ولا من خلفهم.
هل لدى الإخوان المسلمين رخصة بأنهم معصومون من الخطأ؟ لو كانت لديهم رخصة فليس عليهم إلا أن يظهروها لنا.. وساعتها لن نستسلم لهم.. سنتهمهم بالتزوير والتلفيق، فلا أحد معصوم من الخطأ إلا الأنبياء.. وعلى حد علمى فإن الإخوان ليسوا أنبياء بل مجرد بشر يؤخذ من كلامهم ويرد عليهم.. وما يمكن أن يرد عليهم كثير جدا.
*******
لقد تعرضت لجانب واحد من جوانب الأخوات الكثيرة التى تعرضت لها انتصار عبد المنعم فى كتابها.. وهو جانب التوظيف لنساء الإخوان فى أغراض الجماعة.. لكن هناك مساحات كثيرة دخلتها انتصار تكشف لنا من خلالها عالم الأخوات.. وهذا بعض من نصوص انتصار منسوبة إلى صفحات كتابها.
تقول انتصار فى مقدمة الكتاب صفحة 11: «سأحكى تجربتى فى صفوف أخوات جماعة الإخوان المسلمين ليس من باب التجريح والمهاجمة ولكن من باب المكاشفة، قد يعتبرون حديثى هذا خيانة أو انشقاقا عن الصف، ولكنى أعتبره نوعا من جلد الذات، إنه نوع من نقد الذات للجماعة التى بدأت تحيد عن أهدافها التى طالما آمنت بها قبل أن أعرفهم عن قرب، لقد آمنت بمبادئهم قبل أن أدخل صفوفهم، ولكن عندما أصبحت منهم كفرت بهم، وبطريقة تفسيرهم لتلك المبادئ وفق أهوائهم ورغباتهم التى تتغير وتتلون بلون الجو العام المحيط بالجماعة فى كل مرحلة من مراحل تطورها».
تقول انتصار صفحة 17 : «فى عام 2004 توفى قيادى بارز تعرض للسجن مرارا، وكانت فرصة لى أن أقدم واجب العزاء وأتعرف إلى ابنته ( م ) التى كنت أسمعه يتحدث عنها بصفتها ابنة ( ع.أ ) هذا القيادى الشهير، وفى 28 أكتوبر 2004، زرتها وانبهرت بالعدد الكبير من الأخوات اللواتى كن يتهن بمعرفتهن لها، ثم أتيحت لى الفرصة بعد ذلك لأحضر مجلسا كان عليها أن تلقى كلمة به، كان اسمها كفيلا ليكتظ المسجد عن آخره بالمريدات، ولكنها ما إن بدأت الحديث حتى تكشف لى أنها تتمتع بميزة التوريث هى الأخرى، ميزة أعطاها لها اسم والدها الراحل، فلا علم لديها ولا موهبة فى توصيل معلومة ما، وانقلبت الحلقة إلى جلسة مثل جلسات ربات البيوت».
وفى صفحة 18 تقول انتصار: «غيبوا المرأة طويلا وعندما فكوا الحصار الذى أحكموه حولها، سمحوا لها بفرجة لا تتعدى إلقاء دروس عن الطاعة لكل ما يمت للرجل بصلة، سواء كان لتعاليم الإمام الذى أصبحت كتبه ورسائله مراجع تؤلف حولها وعنها التفسيرات والتأويلات التى تمنهج وفقها العقول، أو المرشد العام الذى يمثل الرمز الذى ننتظر كلمته كرسالة سماوية أو تجلى إلهى سيسفر عن منهاج وشريعة تخرج العباد من غيابة جب الحكومات الوضعية، أو الزوج الذى يحق له الزواج مرات ممن يريد تحت غطاء مسميات عديدة مثل إعفاف مسلمة، زواج مروءة، رغبة فى إنجاب المزيد من الأطفال ليباهى بهم الرسول الأمم، وغيرها من الأسباب وفى كل الأحوال على الأخت أن ترضخ للكيفية التى يفسرون لها بها الشرع دون نقاش، وهكذا تختزل العلاقة الزوجية على مفهوم واحد سلبى الاتجاه وهو طاعة المرأة للزوج سواء كان صالحا أو طالحا». تكشف انتصار ما جرى معها بعد كتابة مذكراتها، تقول فى صفحة 19: «عندما قررت الكتابة عن تجربتى فى 4/7/2007 كنت ما زلت أحتفظ ببعض الصداقات، ولذلك كتبت الجملة التالية : وللآن صداقاتى الوحيدة والمخلصة هى مجموعة أخوات لا يتعدين أصابع اليد الواحدة، يعرفن تماما ما عانينه وبذلن لى الكثير تعاطفا لا أكثر، ولكن كانت الأمور خارج نطاق إمكاناتهن، ولديهن الجرأة أو ربما لم يتعرضن لمحنتى، .. ولكن عندما عدت فى بداية 2009 لإكمال الموضوع كان علىَّ أن أغير هذه الجملة لأقول: « ولكنهن من المدجنات جيدا، فقد صدرت لهن الأوامر العليا بقطع صلتهن معى، سواء تنظيميا أو تربويا أو إعلاميا، وحتى على المستوى الشخصى الإنسانى الذى كنت أتعامل به مع الجميع».
ومن بين ما قالته انتصار صفحة 24 :» من ضمن الأمور العديدة التى استغل فيها رجال الإخوان فكرة التسليم والطاعة العمياء مسألة تعدد الزوجات، ليس بغرض الإنجاب فى حالة عقم الزوجة أو مرضها مثلا، وغيرها من الأسباب، بل تم استحداث مبررات جديدة براقة مثل إعفاف مسلمة وزواج المروءة، فأباحوا لأنفسهم الزواج من ثلاث نساء لا اثنتين، وعندما تشتكى الزوجات يتم عقد جلسة لهن مع بعض الأخوات اللواتى يذكرنهن بلزوم الطاعة والصبر والتسليم لأمر الله فى الأعالى سبحانه، وهذا الآخر الذى يحق له فعل أى شيء كرجل وأخ».
ومن بين ما قالته انتصار تصف اجتماع أخوات الإخوان مع السيدتين أم علاء زوجة الشهيد نزار ريان، والسيدة سهير الغول المعروفة بأم عمران - من سيدات حماس المناضلات والمجاهدات فى بيت صديقة لها فى 18 مايو 2006، قوله فى الصفحة 149: «وجدت أخوات الإخوان متقزمات لا يعرفن شيئاً عن أى شيء، يسألن عن الأكلات الشعبية وكيفية تحضير المحاشى، يستعرضن ذكريات الخطوبة والزواج وموديلات السيارات، وعلى الهامش يتناقلن أخبار الزواج الثالث للنائب البرلمانى، وخلافات آخر مع زوجته الأولى التى لم تتقبل زواجه الثانى بصدر رحب، ثم يوجهن الأسئلة الغبية للضيفتين عن كيفية قبول تعدد الزوجات لأزواجهن بصدر رحب، وغيرها من أسئلة لا تثبت غير صحة مقولة ابن خلدون فى مقدمته «الترف يؤذن بخراب العمران»، وهنا ليس خراب منزل ولا دولة، بل خراب كيان، خراب فكر وتنظيم، حينما يصل التقزم الفكرى والضحالة الثقافية ليختصر وجود نموذج للمقاومة جاء لاستكمال علاج الأبناء فى مصر فى محور علاقة الرجل بالمرأة».
وتعلق انتصار على هذا الموقف فى نفس الصفحة 249 تقول: «بالطبع لم يكن غريبا هذا السلوك من أخوات الإخوان، فهن نتاج تربية التنظيم الشائه الذى أفلح تماما فى محو كل شيء فى عقولهن وأبقى فقط على فكرة العلاقة الزوجية.. ذكر وأنثى» . هذه مجرد نصوص فقط مما كتبته انتصار وأشارت إليه.. وهى نصوص كاشفة.. لكن ولأننى أعرف أن الكتاب ليس منتشرا بما يكفى، فإننا وحتى تعم الفائدة سنقوم بنشر فصول الكتاب كاملة على الموقع الإلكتروني.. حتى يعرف الناس ما الذى قالته الأخت السابقة عن الأخوات الباقيات.. وبعيدا عن أى قراءة يمكن أن يفهمها من يقرأ - ومن بينهم انتصار بالطبع - على وجه الخطأ .
*******
إننى أمام أزمة بالفعل.. لكنها ليست أزمتي.. بل أزمة جماعة لم تنتبه لتربية أبنائها.. منشغلة عنهم بسعيها إلى السلطة.. لكن حان الوقت لتنتبه الجماعة إلى من يتبعونها.. لا أقول يعلمونهم حتى يفهموا ما يقرأون.. فالتعليم سهل.. لكن مهمة الجماعة الصعبة ستكون فى إعادة تربية أبنائها.. لأن الولد السفيه يجلب إلى أهله اللعنة.. ولأنى لا ألتفت إلى الصغار أو التافهين.. فإننى لن أرد على من لا أراهم.. ولكن سأقف لمن يدفعونهم.. ويدفعون لهم