ترددت أنباء حول رغبة المجلس العسكري في تسليم آمن للسلطة لقيادة مدنية، شريطة أن يأمنوا ألا يحاكمهم أحد. ثم قامت ثورة القنوات الفضائية العمياء، ولم تقعد. فاسمحوا لي أن أتساءل، ما المشكلة في ذلك؟
الإخوان يقبلون.. والقوى الثورية وعلى رأسهم فريق البرادعي يرفضون ذلك؛ متعللين بدماء الشهداء وأصابات الجرحى، في حوادث ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء.. وكأنهم يقولون لأعضاء المجلس العسكري: ستتركون الحكم بإرادتكم ثم سنحاكمكم بعدها!
ما هذه العقول التي يجافيها الرشاد؟ أليس هذا غباء سياسيا يستحق أصحابه أن يحاكموا عليه؟
ألم يتعلموا بعد؟!
لقد جعلوا الناس تكره الحديث عن الثورة وشباب الثورة ودماء الشهداء التي يتاجرون بها ليل نهار.
الشهداء الآن عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم ربهم، فدعوهم في جنات ربهم ينعمون، وكفاكم من هذه التجارة التي بارت في عيون المصريين. أم أنكم تريدون أن تدفعوا بلدا كاملا إلى هاوية المواجهات بين أفراد الشعب، من أجل من ضحوا لأجل هذا الشعب؟ وسؤالي أن إلى تقفون في هذه السوق البائسة ليل نهار..
مصر لن تنسى شهداءها ولن ينسى شعب مصر جرحاه.. فقط دعوهم وارحموا قميص" يوسف" الذي تحملوه ملطخا بالدماء من أجل مكاسب سياسية..
المجلس العسكري، فعل الخير لهذا البلد وإن أخطأ.. ويكفيه في سجِّل مصر شرفا أنه اجتمع بدون قائده الأعلى في لحظة تاريخية، ليعلن أنه من الشعب ومع الشعب؛ فخرج مبارك وأهله منكسي رؤوسهم من برجهم المنيف.
وكفى أنه حافظ على البلد وهي ممزقة مشرٌد أهلها.. وغير ذلك الكثير والكثير.
أما أنتم، فكفاكم حقدا وتدميرا، واستعداء للشعب. افهموا واتعظو،ا فإنكم بذلك تدفعون المجلس العسكري للتمسك والتشبث بالسلطة ولو أدى ذلك لما سيؤدي إليه! فماذا تنتظرون من أناس تقولون لهم اخرجوا وسنضربكم على ظهوركم، سوى أنهم لن يخرجوا ولو أدى ذلك لموتهم في مواقعهم؟
ثم ألا تعلمون أن ذلك الاستعداء ربما يخلق تعاطفا من القيادات الصغرى بالقوات المسلحة مع قيادتهم العليا، فيأبوا إلا أن يساندوهم فتقع مصر في مواجهات دامية قد يسقط فيها آلاف الشهداء..
ماذا تريدون من مصر أيها الأغبياء الجاحدون؟
دعوني أقولها صراحة، إنني بشخصي المتواضع مع الخروج الآمن للمجلس من السلطة ولن نحاكمهم؟ بل سنشكرهم على ما قدموه لمصر.. ونتجاوز عن أخطائهم وخطاياهم، من أجل أن تخطو مصر خطوة حقيقية للأمام.
وأقول لكل جاحد وكل مزايد وكل منافق وكل ثائر لا يريد أن يهدأ، اطمئنوا جميعا، فلو كان بينهم ظالم، وتركه الشعب لضميره وحكم ربه، فمن أخطأ فيهم سيدفع حسابه في الدنيا والآخرة.. أفلا تؤمنون!
لماذا لا توكلون الله في هذه الحقوق، من أجل شعب كامل.
لماذا تريدون أن تأخذوا الحقوق بأيديكم أيها الثأريون الانتقاميون؟
ألم تتعلموا من خالد بن الوليد القائد الذي انتصر في كل معاركه؟ سأقص عليكم أمرا ربما تتعلمون منه شيئا ينفعكم فننتفع به معكم..
كان في نهاية المعارك حينما يتأكد له النصر، يأمر جنوده بفتح باب الهروب لبقايا الفلول المقاتلة! فكان العقلاء يتعجبون ويتحيرون، حتى سألوه ما الذي يحملك على فعل هذا وقد أصبحوا قلة؟ لماذا لا تتركنا نقضي عليهم؟ لماذا تفتح لهم مجالا للهروب؟
فأجابهم القائد الحكيم، إن قتال الفلول التي أدركت الهزيمة، ولا يجدون أمامهم إلا القتال أو الموت، سيكون أشرس وأشد وقعا من جيشهم الكامل!! فيصيبون منا عددا كبيرا يحرمنا من فرحة النصر.. وأن كفاهم أنهم يفرون أمامكم مذعورين!!!
هذا هو منطق القادة العظماء أيها الثأريون.. فتح الباب للهروب.. فافتحوا عقولكم ولا تسعوا لتدمير وطنكم وأنتم لا تشعرون!
ولهذا، فأبدا لن نقول للمجلس العسكري وهم يسلمون قيادة مصر لمن اختاره المصريون:
اخرجوا من الحكم آمنين..
بل سنقول لهم:
"ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين"..
فمصر مع السلطة المدنية، هي مصر أخرى غير التي عاشوا على أرضها، وحكموا فيها.
مصر التي ستبهر العالم -إن شاء الله- إذا تجمع أولادها حول حلم كبير..
وحتى لا ندخل في جدل عقيم وفي دوامة لا يعرف إلا الله منتهاها، فإنني أقترح إذا لم يفيق هؤلاء المزايدون، أن يكون هناك استفتاء شعبي، لخروج المجلس العسكري من الحكم، ودخولهم في عموم الشعب كأفراد مرحب بهم، بل ونفخر بأنهم منا ونحن منهم..
استفتوا الشعب.. وأنا أثق أن المصريين في غالبهم سيرحبون وسيحمدون هذا..
فنحن شعب طيب، جُبِل على المحبة والعفو والتسامح والإخاء..
فكفاكم أيها المتاجرون بالدماء خرابا.. ودعوا المجلس العسكري للحَكم العدل، ودعوا مصر وأهلها للبَر الرحيم.