بدأت مصر تخط صفحة جديدة في المشهد السياسي وسط تحديات عاصفة لم تشهدها منذ العدوان الثلاثي عام 56, و الصيغة لا تحمل مبالغة بقدر ما تمثل عجز في الرؤية عند من اختلط عليهم الفرق بين الرغبة في التغيير و الثورة على الفساد و الشيخوخة السياسية التي اصابت مفاصل الدولة بالترهل, ليظل هذا الفعل عندهم مقترنا بالفوضى والانفلات بدلا من سرعة إعادة بناء واقع سياسي جديد يسد فراغ ما بعد التغيير. وسط ردود أفعال عالمية-عربية متباينة.. قدم الرئيس السيسي نفسه للعالم في خطاب احتفالية التنصيب, و الذي رسم الكثير من ملامح المستقبل كما يراه, بالإضافة الى كشف المزيد من ملامح شخصية القائد الصارم ذو النبرة الهادئة . من المؤكد ان استدعاء الماضي و فتح اوراقه لا تبدو عملية مجدية في اطار مزاج عام يتجه بأنظاره الى المستقبل .. لكن التوقف امام الاعلام بكل أبعاد دوره في تشكيل الرأي العام , اصبح ضرورة رغم تجاهل القنوات الفضائية الخاصة والرسمية لكل الأراء الموضوعية التي تدعوها للعودة الى دور المنابر الاعلامية في نشر المعلومة و التعبير عن الرأي العام, بدلا من وضعها الحالي.. "دكاكين صراخ و ندب.. ودردشة سطحية" . بداية اختار الاعلام الغربي في نقل صورة المرحلة التي سبقت الانتخابات نبرة التحفز و الترصد لكل الأخطاء , ليظهرها على انها حالة عامة , بدلا من وضعها في إطار الحجم الطبيعي للخطأ الذي تلزمنا الموضوعية الاعتراف بحدوثه.. الاعلام الغربي ذكر حالات التحرش ,دون ان يكلف نفسه حتى عناء رؤية طوابير مخصصة للنساء و اخرى للرجال, في هذه الحالة الامكانية الوحيدة لحدوث "التحرش" الذي ذكروه ..تكون فقط عبر "اللاسلكي"!!.. طبعا "مهزلة" التقرير الذي قدمته عضوات وفد الاتحاد الاوروبي و الذي حفل بالمغالطات السياسية بدلا من الرصد الموضوعي لسير الانتخابات, و هي نفس المغالطات التي تبنتها بعض الدوائر في اوروبا حفظا على مصالحها السياسية و الاقتصادية مع استثمارات التظيم الدولي للجماعة.. قناة (سي ان ان) مثلا, بدت اقرب الى القنوات الكوميدية و هي ما زالت تردد كلمة "انقلاب" في يوم تنصيب الرئيس السيسي.. بينما كاميرات العالم تنقل مشاهد احتفال الشعب المصري كله في الميادين و الشوارع . وصف الانقسام و الاستقطاب الذي تكرر كثيرا في تقارير مراسلين الاعلام الغربي, خطأ مهني فادح لا يقع فيه طفل مازال يتعلم قواعد الحساب , او متعمِّد يريد تقديم صورة مصر للعالم كدولة منقسمة الى كتلتين.. بينما جماعة "طز في مصر" في أوج تجبرها ذكرت ان عدد اعضائها يبلغ نصف مليون , اما حاليا بعد ان حبسوا ادمغتهم داخل كوكب"مرسي راجع" الافتراضي.. اصبحوا يعجزون حتى عن حشد بضع آلاف. الإعلام المصري لم يكن وضعه افضل.. فقد بلغ من التدني و افتقاد المهنية الدرجة التي افقدته اي قدرة على التأثير في الرأي العام.. و اذا كانت كل الاراء الموضوعية التي طالبت بضرورة ان تقوم هذه القنوات الفضائية بمراجعة مستواها المهني, لم تلقى اي اهتمام من هذه القنوات .. فان الصدمة او "اللطمة" التي تلقتها ايام الانتخابات حين ظهر عجز هذه المنابر في الحشد او التأثير على مواطن واحد اثناء ملحمة الندب و العويل التي اقامتها على "جنازة" لا وجود لها.. لكنها من اختراعهم.. و تأليفهم. و هو ما كشفته الارقام عن العدد الدقيق لمن أدلوا بأصواتهم في الانتخابات. أزمة هذه الفضائيات ايضا ستكون اكثر تعقيدا طالما ظلت اغلب الوجوه التي تطل عبرها كل مساء تعيش وهم "النجومية" التي تمتلك بها ميزة الاقتراب و التأثير على الرأي العام في الشارع المصري ... بنما واقعيا اثبتت هذه الوجوه انها شخصيات من ورق ..لا تخاطب الاّ نفسها .