مازال المشهد السياسى فى مصر يعانى من خصوصياته المعقدة والتى صارت تميزه عن المشهد السياسى فى معظم بلاد العالم ، فالسمة الأكثر وضوحا لمشهدنا السياسى هو التصارع على أساليب التأثير فى الرأى العام بين الأغلبية والمعارضة . فالمعارضة التى تبدو غالبا نخبوية فى تشكيلها تستحوذ على رصيد وافر فى القنوات الفضائية المنبر الأكثر تأثيرا فى الرأى العام كما أنها تستحوذ على حظ كبير فى وسائل الإعلام الجديدة "الالكترونية" ، هذة الامكانات وفرت تفوقا فضائيا للمعارضة حاصرت بها النظام الحاكم من عدة محاور ووجهت له ضربات متلاحقة لم تمكنه من التقاط انفاسه وافقدته توازنه وتكاد تسحب رصيده من الدعم الشعبى الوافر الذى استند اليه طوال الفترة الماضية والذى قام على وسائل اتصال بدائية مثل الاتصال الشخصى المباشر وأساليب الدعوة الفردية ومنابر بعض المساجد وبعض الجمعيات الخيرية التابعة للتيار الاسلامى ، هذا الفارق التكنولوجى بين الحكومة والمعارضة كشف عن ضعف الأغلبية وعجزها الشديد فى مجال الاعلام بكل وسائله وعلى الرغم من ان ذلك ليس امرا طارئا او مفاجئا فى التحليل الا ان الاجهزة الامنية فى عهد مبارك ومن قبله كانت تمنع المنتسبين الى التيار الاسلامى من الالتحاق بالمؤسسات الاعلامية التى كانت مملوكة بالكامل للدولة وتمنعهم من الحصول على اى تدريب او خبرة او ممارسة فعالة فى هذا المجال ، كما أنها كانت تلاحقهم وتمنعهم ايضا من الالتحاق بالمؤسسات الاعلامية الخاصة . هذا لايمنع وجود اختراقات بسيطة ونادرة لهذة المنظومة الامنية والاعلامية التى اتبعتها حكومات مبارك لكن بقى الاعلام المنتسب للاسلاميين فى مصر يعانى بشكل جوهرى من نقص واضح وحاد فى ثلاثة جوانب هامة هى التمويل - الكوادر- النجوم ولعل التمويل هو أهونها اذ من السهل على احد رجال الاعمال المنتسبين الى التيار الاسلامى ان يوفر 50 مليونا لإنشاء قناة فضائية تنافس القنوات الفضائية الخاصة فى مصر. إلا انة ليس من السهل ان يوفر مايحتاج اليه من الكوادر المدربة الماهرة وليس من السهل ايضا ان يوفر نجوما ذوى حضور إعلامى وشهرة وتأثيرا بين الناس ، أضف الى ذلك توفر ادارة اعلامية ذات خبرة فى العمل الاعلامى تتمكن من قيادة منظومة التأثير فى الرأى العام . هذا النقص الشديد فى كفاءة المشتغلين فى الاعلام من الاسلاميين هو الذى مكن المعارضة - على الرغم من ضعف شعبيتها فى الشارع- من السيطرة على زمام المبادرة وتوجيه الجمهور ومحاصرة النظام الحاكم على النحو الذى يتجلى فى مصر والمؤسف فى هذا ان المعارضة استغلت تفوقها الفضائى دونما معايير أخلاقية او مهنية حقيقية . ومن نافلة القول ان نتحدث عن استخدام الالفاظ المسفة بتوسع فى برامج كثيرة وعلى لسان مقدمى برامج من أشهر والمع مقدمى البرامج فى مصر او الانحياز الواضح فى التغطيات الاخبارية والمعالجة الاعلامية والاكثر من ذلك هو اختلاق قصص بهدف التشويش على الاداء الحكومى واظهارهم كفاشلين فشلا مطبقا وتجاهل كل مايدفع بالبلاد الى الامام ، وليس غريبا ان نكتشف ان وزارة الزراعة تعلن عن زراعة مليون فدان فلا تذكر هذا وسائل الاعلام أبدا ، وان تنفذ القوات المسلحة مشروع المزلقان الالكترونى ببراءة اختراع للقوات المسلحة للقضاء على حوادث القطارات فلا يحظى هذا بقدر من التغطية الاعلامية التى حظيت به حادثة مزلقان راح ضحيته عدد من الضحايا وتسبب فى إساءة الاداء الحكومى . هذا الخلل فى الميزان هو الملمح الابرز الذى يميز السياسة فى مصر بين اغلبية لاتصل الى الجمهور بادائها وبين معارضة رصيدها فى الشارع ضعيف ولكنها تمتلك وسائل التأثير فى الرأى العام بنسبة 85 % والذى يدفع البلاد الى حافة الهاوية ان هذا الاعلام الذى امتلكته المعارضة وتحاول به اسقاط النظام ليس قلقا على سقوط الدولة .