هل يمكن أن تعود عقارب الساعة إلى الوراء؟، والإجابة بالطبع لا. إذا لماذا تصر حكومة المهندس ابراهيم محلب على النظر للوراء بقرارها استخدام الفحم ضمن منظومة الطاقة؟، وذلك في الوقت الذي يبحث فيه العالم عن مصادر للطاقة المتجددة والنظيفة والصديقة للبيئة، و"تحاول الدول المستخدمة للفحم أن تتخلص منه بحلول عام 2040 والاتجاه نحو الطاقة الشمسية"، وفقا لما أكدته وزيرة البيئة الدكتورة ليلى اسكندر التي كانت من المعارضين بشدة لقرار الحكومة. وتروج الحكومة والمدافعون عن القرار إلى أن الفحم مصدر أرخص للطاقة وهناك تكنولوجيا متقدمة تحد من انبعاثاته الغازية الملوثه للهواء، وربما يكون هذا صحيحا جزئيا، ولكن رخص التكلفة لا يقارن مع الأضرار الصحية على المواطنين والبيئية بالنسبة للطبيعة والاقتصادية جراء تضرر السياحة مثلا. وبالنسبة لإلزام الشركات بتركيب أجهزة تنقية حديثة للعادم الناتج عن استخدام الفحم، فهذا أمر يثير السخرية والحسرة، لأن الدولة العاجزة عن فرض النظام وإزالة الإشغالات في أحد الشوارع أو الميادين مثل ميدان رمسيس أو شارع طلعت حرب مثلا، لا يمكن تصديق أنها ستفرض النظام على هذه الشركات الكبرى ذات العلاقات المتشابكة مع أصحاب النفوذ في الدولة، كما أنه في حالة استجابة تلك المصانع في البداية بالالتزام بالاشتراطات البيئية، فما الذي يضمن استمرار ذلك وعدم المخالفة بعد فترة. وأرجوكم لا تقولوا إنكم ستعاقبونها لأن العقوبات في مصر أصبحت شيئا سخيفا وليس رادعا كما يفترض، فالمستثمرون الذين استولوا على ملايين الأفدنة من الدولة بأبخس الأثمان تصالحت الدولة معهم برد جزء يسير من قيمة هذه الأراضي، ناهيك عن قصة فرض غرامة على ممارسي الاحتكار الذين جنوا الملايين من تلك الممارسات. وكأن المصريين لا يكفيهم تلوث مياه الشرب التي أصابتهم بالكثير من الأمراض وخاصة الفشل الكلوي، والأغذية الملوثة بالمبيدات التي ساهمت في انتشار السرطان، لتأتي حكومة محلب لتضيف إليهم معاناة تلوث الهواء الذي سيزيدهم مرضا على مرض. والأمر كله لا يبدو منطقيا، فنحن لا نمتلك احتياطيات هائلة من الفحم بل ما لدينا يكفي سنوات معدودة وسنضطر للاستيراد لتأمين احتياجاتنا، كما أن الحكومة لم تنظر فيما يبدو إلى تبعات استخدام الفحم على الصحة، فهو يسهم في أربعة من خمسة أسباب للوفاة في العالم، وهي أمراض الجهاز التنفسي والقلب والسرطان بأنواعه والسكتة الدماغية، بحسب تقرير لمنظمة "جرين بيس" (السلام الأخضر) العالمية المدافعة عن البيئة. ووفقا للتقرير، يموت في الولاياتالمتحدة سنويا نحو 36 ألف أمريكي بسبب تلوث الهواء من محطات توليد الكهرباء بالفحم، بالإضافة إلى إصابة نحو 554 ألفا آخرين سنويا بأزمات تنفسية. وفي الصين، توقعت دراسة نشرت في ديسمبر الماضي أن يتراوح عدد الوفيات المبكرة الناجمة عن تلوث الهواء بين 350 الفا و500 ألف شخص سنويا، بالإضافة إلى موجات الضباب الدخاني التي تغطي أجواء العديد من المدن الصينية وما لذلك من أضرار بيئية واقتصادية. وفي مصر، قدرت دراسة مبدئية لوزارة البيئة أن التكلفة الصحية بسبب الانبعاثات من استخدام الفحم في صناعة الأسمنت وحدها، تتراوح بين 3 إلى 5 مليار دولارات سنويًّا. وبعد كل هذه الأرقام المرعبة لم يعد هناك بد من رفض قرار استخدام الفحم بكل السبل المتاحة مثل حملة "مصريون ضد الفحم" وأخرى على غرار حملة تمرد ضد الرئيس السابق محمد مرسي بعنوان "أوقفوا الفحم"، لجمع توقيعات الرافضين للقرار، وكذلك الدعوى القضائية التي أقامها المحامي خالد على لوقف قرار الحكومة باستيراد الفحم. وإذا لم يكن الفحم هو الحل السحري لأزمة الكهرباء والأمر سيستغرق من 3 إلى 5 سنوات لتحول شركات الأسمنت إلى الفحم، وبتكلفة 200 مليون جنيه لخط الإنتاج الواحد، فلماذا لا يتم التحول إلى طاقة المستقبل، وهى الطاقة المتجددة مثل الشمس والرياح، أو بناء محطات للطاقة النووية أم أن حكومتنا الموقرة تنظر أسفل قدمها فقط دون التطلع للمستقبل أو إلى ما بين أيديها. [email protected]