هاجمت مجموعة من الأشخاص المجهولين يحملون السكاكين عددا من المواطنين صباح اليوم "الجمعة" في أحد شوارع مدينة تشانغشا عاصمة مقاطعة هونان بوسط الصين ، فى وقت ذكر شهود عيان ان الحادث أسفر عن قتيل على الاقل وأصابة آخرين . وقالت السلطات المحلية إنه على الفور هرعت قوات الشرطة وسيارات الإسعاف إلى مكان الحادث حيث تم تطويق المكان ، فيما أضاف شهود العيان أن الهجوم الذي وصفوه بالعنيف وقع بالقرب من سوق للأغذية ، فى وقت أغلقت مدرسة قوهتشينغ الإبتدائية أبوابها بالقرب من المكان ، ولم يسمح للتلاميذ بمغادرة حرم المدرسة . ويأتي هذا الحادث هو الثاني من نوعه بهذه الطريقة خلال أسابيع قليلة ، من هجوم لعدد من الإرهابيين من قومية الويغور ، المواطنين في محطة للقطارات في مدينة كونمينغ عاصمة مقاطعة يونان في جنوب غربي الصين ، وبلغ عدد ضحاياهم 30 قتيلا و146 مصابا منهم فلاحون وعمال ريفيون وجامعيون وسياح . من جانبه ، يقول الباحث والاكاديمي شوي تشينغ قوه عميد كلية الدراسات العربية في جامعة الدراسات الأجنبية ببكين إن أكثر ما يخشى ذوو العقل والدراية أن هذه الحوادث ستقوم بترسيخ الصورة السلبية لقومية الويغور في نظر المجتمع الصيني ، ويتجلى ذلك في مشهد تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي الصينية في اليوم التالي للحادث . وهو مشهد يبعث الأسف والألم بمقدار ما يبعث الدفء والأمل عندما وصل شاب ويغوري من سكان مدينة كونمينغ إلى طابور المتطوعين للتبرع بالدماء لإغاثة جرحى الحادث ، ففوجئ بأن الناس ينظرون إليه بنظرات غريبة ما بين الريبة والاشمئزاز ، بل هرب بعضهم من الطابور بمجرد ظهوره، فانتظر الشاب في حيرة حتى جاء دوره للتبرع بالدم ، وبعده انحنى أمام الناس الواقفين قائلا وقد اغرورقت عيناه: بالدموع " أولئك القتلة بالسكاكين هم وحوش، لا يمكن اعتبارهم من أهل شينجيانغ، ولا يستحقون لقب الويغور، ومع ذلك أريد أن أطلب منكم العفو"، ثم انحنى أمامهم مرة أخرى وانصرف. وأضاف أن لمقاطعة يونان ، مكانة مهمة في نفوس المسلمين الصينيين ، لأنها موطن للكثير من كبار المستعربين والباحثين المسلمين في الصين الحديثة ، منهم الراحل محمد مكين، الأستاذ في جامعة بكين الذي ترجم معاني القرآن الكريم إلى اللغة الصينية و "كتاب الحوار" لكونفوشيوس إلى اللغة العربية ، والراحل عبدالرحمن ناتشونغ أستاذي في الجامعة، والذي حصل على جائزة الشارقة للثقافة العربية عام 2001 (تقاسم الجائزة مع الشاعر اليمني عبدالعزيز المقالح) ، تقديرا لإنتاجه الغزير في دراسة التاريخ العربي والثقافة العربية. وأشار شوي إلى أن الحقيقة هي أن المسلمين وأهل الويغور يحظون اليوم باحترام في المجتمع الصيني ، ولا يعني ذلك طبعا أن السياسة الصينية المتعلقة بالشؤون الإثنية والدينية خالية من المشاكل ، فالتفاوت في مستوى النمو والدخل ، والفساد الإداري ، والإهمال للبعد الثقافي في برنامج التنمية ، وافتقار الحكومة إلى المعالجة الدقيقة للمسائل الدينية ، والنقصان في تعليم أبناء الويغور وتوظيفهم وغيرها من السلبيات موجودة فعلا، وهي السلبيات التي تعمل الصين جاهدة للتغلب عليها في السنوات الأخيرة ، خصوصا بعد أحداث الشغب التي وقعت في شينجيانغ في الخامس يوليو عام 2009. وقال إن الدراسات والتحقيقات التي قام بها الباحثون الصينيون، منهم باحثون من قومية الويغور، تشير إلى أنها ظاهرة خطيرة مقلقة ، تكتوي بنارها بعض المناطق في هذا الإقليم ، مثلما تكتوي بنارها أجزاء كبيرة من العالم العربي الإسلامي بل العالم كله ، وهي ظاهرة التطرف الديني التي تزداد حدتها في السنوات الأخيرة ، فقد شهد إقليم شينجيانغ، ذو الثقافة العريقة ظواهر غريبة في العقد الأخير لم يختبرها على مر التاريخ ، حيث أجبرت النساء والصبايا على ارتداء الجلباب الأسود والبرقع وترك العمل خارج المنزل ، ودمرت محال لبيع النبيذ والسجائر. وظهرت موجة عارمة في تشديد التفرقة بين الحرام والحلال ، فالخضار والحبوب والمأكولات التي وردت من مقاطعات صينية أخرى هي كلها "حرام" والمال الذي تكسبه المرأة بالعمل خارج المنزل هو "حرام" والموسيقى والغناء والرقص في الزفاف ، والبكاء في المأتم ، بل حتى الأدوات الكهربائية التي توفرها الحكومة لمساعدة الفقراء ، والمباني التي تبنيها بعد الزلزال لإيواء المنكوبين، هي كلها "حرام" أيضاً. وألأكثر من ذلك كما يقول الباحث الصيني أن المعترض على هذا التشدد، سواء كان من أهل الويغور أو غيرهم ، يعتبر كافرا يستحق عقوبة قد تصل إلى الإعدام ، مثال ذلك أن اغتيل في أغسطس الماضي إمام ويغوري في منطقة طلوفان بسبب انتقاده ظاهرة التشدد الديني. ولم يعد قتل الإنسان جريمة في نظر البعض ، لمجرد أنه كافر أو أنه جزء من قومية ظالمة أو رعية في نظام قامع بل صار القتل "جهادا" يدخل به المجاهد فسيح الجنات ، وهذا الكلام بالذات ما اعترف به أمام عدسة الكاميرا أحد القتلة الذي تم ضبطه إثر حادث إرهابي وقع في الصيف الماضي في شينجيانغ. وأشار شوي إلى أنه من الواضح أن هذه الأفكار الجهادية الظلامية هي الأفكار نفسها التي يؤمن بها "القاعدة وطالبان وداعش والأخوان وغيرها من التنظيمات المتطرفة والإرهابية التي تنتشر في عالمنا اليوم كوباء العصر ، لذا فالبعد الخارجي قوي الحضور في تنامي نزعة التطرف والتشدد في إقليم شينجيانغ. وعلى ذلك فظاهرة التطرف والإرهاب لا تشكل تحديا خطيرا لأمن الدولة الصينية وسلامة مواطنيها فحسب ، بل تشكل تحديا خطيراً للثقافة الويغورية العظيمة والباهرة التي ضربت بجذورها في عمق التاريخ ، وتشويها بالغا لدين الإسلام بكل ما يحمل من معاني المحبة والسلام والتسامح ، فمن مصلحة العرب والصينيين أن يتعاونوا في تبادل الخبرات والمعلومات لمكافحة الإرهاب ، العدو المشترك للعصر وللإنسانية.