تأتي الزيارة التي يقوم بها الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى سلطنة عمان غدا (الاربعاء) وتستغرق يومين استجابة لدعوة من السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان الذي قام بزيارة طهران في أغسطس الماضي، في إطار التحركات السياسية والدبلوماسية من أجل إصلاح مسار العلاقات الخليجية الخليجية بعد التوتر الحاد الذي تشهده منظومة مجلس التعاون الخليجي على خلفية سحب سفراء السعودية والإمارات والبحرين من قطر، إذ تقيم طهرانومسقط علاقات جيدة بخلاف السعودية ودول خليجية أخرى تخشى من الطموحات الإقليمية لإيران التي تحاول الخروج من عزلتها الدولية. وفي نفس سياق النشاط الدبلوماسي المكثف الذي تشهده منطقة الخليج ، جاءت زيارة وزير التنمية الإدارية القطري إلى سلطنة عمان، ليس فقط بهدف تعزيز سبل التعاون بين السلطنة وقطر فى المجالات المرتبطة بالتطوير الإدارى، وإنما أيضاً بهدف التنسيق العمانيالقطري الهادف إلى إحتواء التوتر بين دول المجلس، استناداً على خبرة سلطنة عمان في مساعيها الدبلوماسية وتهيئة أجواء الحوار بين دول المجلس مثلما لعبت دوراً في التوصل للاتفاق النووي بين الغرب وإيران، لذلك أجرى أمير دولة قطر تميم بن حمد اتصالاً هاتفياً بالسلطان قابوس بن سعيد، سلطان عمان، بحثا فيه العلاقات الثنائية بين البلدين وتعزيز سبل التعاون بعد قرار سحب السفراء من قطر مباشرة. وكانت الاتصالات القطرية - العمانية مثار اهتمام وسائل الإعلام الإيرانية، حيث رأت وكالة أنباء "فارس" الرسمية أن خطوات الدوحة تجاه مسقط تأتى فى إطار ما اعتبرته "محاولة الدوحة مواجهة جهود السعودية للسيطرة على مجلس التعاون الخليجى"، وهو نفس التبرير الذى قدمته صحيفة "طهران تايمز" الإيرانية، حيث قالت إن "تميم اتصل بسلطان عمان لتعزيز التعاون بين البلدين بعد أزمة سحب السفراء". ويعتقد خبراء أن الدوحة تسعى لإيجاد محور جديد داخل المنطقة (الدوحةمسقططهران) أو داخل دول مجلس التعاون الخليجى (الدوحةمسقطالكويت) الذى لا يرى فى إيران خطراً كبيراً عليها. ورغم الدور السياسي والدبلوماسي الذي تقوم به كل من الكويت وسلطنة عمان من أجل رأب الصدع بين دول المجلس في إطار من الخصوصية الخليجية، وبعيداً عن سياسات المحاور والأحلاف التي تبغضها عٌمان استناداً على مبادئها في سياستها الخارجية ليس تجاه الدول العربية والخليجية فحسب وإنما تجاه كل دول العالم، يظل موقف السلطنة الرافض والكويت المتحفظ لفكرة الاتحاد الخليجي التي طرحتها السعودية مؤخراً، عائقاً أمام تلك الجهود والتحركات. وإذا كانت منطقة الخليج وهي تتجاوز أسوأ أزمة في تاريخها تهدد كيان مجلس التعاون الخليجي كمنظمة إقليمية خلفها الغزو العراقي للكويت، ثم تحرير الكويت بالقوات الدولية، لم تفكر في سياسات المحاور والأحلاف وإنما انصهرت كمجتمع واحد في مواجهة تلك التحديات، لكنها لم تستطع هذه المرة تجاوز التحديات والعقبات كونها نابعة من داخل البيئة الخليجية ذاتها، وذلك على خلفية تباين السياسات الخارجية لكل دوله من دول مجلس التعاون الخليجي تجاه التطورات التي تشهدها الكثير من دول الربيع العربي، وفكرت في عمل محاور بين دول المجلس، فكان محور (الرياض أبو ظبي المنامة) الذي يُشي ببداية تفكك منظومة مجلس التعاون الخليجي. وجاء القرار الثلاثي الصادر عن السعودية والإمارات والبحرين في 5 مارس 2014، بسحب سفرائها من قطر، ليبرهن على بداية تحول حقيقي في السياسات الخارجية الخليجية، من حيث تأثيره في التفاعلات الخليجية الخليجية، أو في التفاعلات الخليجية الخارجية، إذ يكشف هذا القرار عن أن حجم التوافقات بين الدول الخليجية الثلاث تجاه السياسة القطرية، أصبح كبيرًا، على نحو يسمح بالحديث عن تشكل محور خليجي ثلاثي( الرياض أبو ظبي المنامة) يتشارك في تصوراته الخاصة بمصادر التهديد لأمنه ، وكذلك في السياسات التي يمكن أن يتبعها. ثم جاء القرار السعودي بتصنيف جماعة "الإخوان المسلمين" و"حزب الله" السعودي، و"جبهة النصرة" و"تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وتنظيم "القاعدة" ضمن الجماعات الإرهابية، التي يحظر الانتماء إليها أو تأييدها، والتي تقرر بناء على الأمر الملكي الأخير معاقبة من ينتمي لها. ليضيف مصدراً آخر من مصادر التوتر في العلاقات الخليجية الخليجية، كون جماعة الإخوان المسلمين تمارس كافة حقوقها السياسية في دولة الكويت باعتبارها من أكثر التجارب الديمقراطية في الخليج. محاور مدعومة من الخارج على أية حال يمكن القول أن هذه التطورات المتسارعة والمتلاحقة تكشف عن دخول منطقة الخليج في سباق يمكن تسميته ب "سياسات المحاور والأحلاف" إما محاور ناشئة من الداخل أو محاور ناشئة باتحاد الداخل مع الخارج، وقد كشفت أزمة الدول الثلاث السعودية والإمارات والبحرين مع قطر، بداية تشكل محور ثلاثي خليجي في داخل المجلس مدعوماً من الخارج ، في مواجهة محور ثلاثي آخر بين بقية الدول ومدعوماً أيضاً من الخارج ، الأمر الذي قد يعيد توجيه نشاط المجلس كمنظومة ، خاصة أنه طوال الفترة الماضية تبين أن المجلس مجرد إطار شكلي لا يوفر أٌطراً حقيقية لتنسيق السياسة الخارجية للدول الست، وأن اتجاه الدول الثلاث بسحب السفراء الذي هو إجراء ذاتي لا يستند إلى أي مادة في النظام الأساسي الذي قام عليه المجلس ؛ ما قد يستدعي إعادة النظر في آليات عمل المجلس من جديد. كما أن تلك التطورات والأحداث كاشفة لحالة الاحتقان التي تعيشها دول الخليج في تعاملاتها مع بعضها البعض، مما ينذر بمستقبل محفوف بالمخاطر لمنظومة مجلس التعاون الخليجي باعتباره كياناً متجانساً ومتماسكاً قادراً على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.