بالأمس صاحبني أرق غير مبرر ودون ما سبب مفهوم الأمر الذي دعاني إلي أن أقوم عقب صلاة الفجر بالجلوس في حديقة منزلي أنظر إلي إطلالة الصباح؛ وحيث تعاودني الأفكار وذكريات الصبا والشباب وأحبابي الذين رحلوا عن دنيانا وكم اشتقت إليهم وعلي وجه الخصوص والدي ووالدتي؛ وحيث تدفقت ذكرياتي أمامي كنهر عذب ماؤه وانسابت أمامي ليالينا التي كنا نجتمع فيها لنستمع الي قصيدة جديدة لأبي؛ وحيث كنت من أكثر المعجبين بقصائده في الوقت الذي كنت من أقرب النقاد له فقد كان أبي (حسن كامل الصيرفي) هو أحد شعراء أبوللو مدرسة الرومانسية والموسيقي الشعرية ولمن لا يعلم فالصيرفي هو خالي الذي رباني هو وزوجته بعد وفاة والدتي في اليوم التالي لولادتي، ولم يتبين لي أنهما ليسا من أنجباني حتي عرفت هذه الحقيقة عند كتابة استمارة التقدم لامتحانات الدراسة الاعدادية فقد كانا أبوين لي سواء في حبهما أو في عطائهما وعندما علمت لم يتغير شعوري نحوهما فقد بقيا أبي وامي حتي رحيلهما. كانت ذكريات شبابي وصداقتي مع أبي تدور أمامي حتي لاحظت أن هناك خيالا لشخص قادم من بعيد يتجه نحوي وعندما أمعنت بالنظر كانت كافة حواسي قد توجهت الي هذا الزائر وطريقته في السير، متوجها الي كانت طريقة اعرفها جيداً عجبا أنه أبي فأسرعت إليه مهللاً وحيث نظر الي بنظرته الحانيه وخاطبني قائلاً: س: لماذا يا بني أنت وأقرانكم غاضبون علي الشباب الذين خرجوا يوم 25 يناير؟ ج: نحن لسنا غاضبين يا أبي ولكن تخيل أن هؤلاء الشباب فور اكتسابهم وصف الثوار فإنهم قرروا أن يظلوا ثوارا للأبد، فضلا عن تخيلهم أنهم عندما خرجوا يوم 25 يناير فقد قدموا جميلاً الي الشعب المصري يمنحهم الحق في الحصول علي مقابل يتمثل في أن يكون لهم وحدهم القرار في كل شئون مصر. س: يا ولدي ألم يقم إعلامكم منذ قيام ثورة 25 يناير بالدعوة في جميع المنابر الاعلامية الي أن يكون هؤلاء الشباب وكثير منهم لم يتجاوز الثلاثين من عمره هم الاولي بحكم البلاد؟ ألم يقم رئيس وزرائكم بتجهيز غرفة لهم بجوار مكتبه في مجلس الوزراء. ج: نعم يا ابي ولكن هذا الأمر كان وسط أحداث غليان الثورة وقد هدأ هذا الغليان ويجب عليهم أن ينصتوا الي صوت العقل فالأمم تحكم بعقول أبنائها وليس بثورة شبابها. س: وهل حاولتم يا ولدي أن تتواصلوا معهم واقناعهم بما ترونه؟ وهل حصل هؤلاء الشباب علي الثقافة التي حصلتهم عليها أنتم يا ولدي؟ ج: لقد حاول البعض منا تقديم النصح لهم بشأن طبيعة الثورة وأنها بمجرد تغيير اسباب قيامها يتعين إعادة الأمر الي الحياة الطبيعية وإيجاد كافة الطرق لإصلاح آثار مرحلة الثورة، أما عن الثقافة يا أبي فنحن نري أن سبب نقص الثقافة عند ابنائنا مرجعه الي اكتفائهم بالتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي والتوصل الي اي معلومة دون حاجة للبحث والتدقيق والذي كان يكسبنا ثقافة المعرفة. س: وهل قمتم يا ولدي بتقريب الثقافة إليهم منذ صغرهم؟ وهل نسيت مكتبة الطفل التي كانت لديك منذ صغرك وهل نسيت تدرج هذه المكتبة حتي كنت أثناء دراستك الثانوية لديك الكثير من المؤلفات العربية والاجنبية والتي كنت تطالعها طوال الاجازات الاسبوعية والسنوية؟ وهل كانت هناك جلسات بينك وبين أولادك تستمعون فيها الي الموسيقي الحديثة والعربية القديمة حتي يكتسبوا ثقافة الفنون؟ وما هي عدد المتاحف التي قمت أنت واقرانك باصطحابهم اليها؟ ج: يا ابي لقد تغيرت الحياة في هذا الزمن عما كانت عليه في تلك الايام. س: إذن لماذا لم تتغير نظرتكم لأبنائكم حتي تتماشوا مع لغة هذا العصر؟ وهل نسيت يا ولدي عندما كنت تتمسك بأن الرئيس جمال عبدالناصر هو الذي رد للمصريين الكرامة والعزة؟ وكم اختلفت معي في أن مصر علي مدي آلاف السنوات كانت لديها هذه الكرامة والعزة؟ ويا بني ألم تكونوا انت واقرانك تصرون علي أن الاصلاح الزراعي هو انجاز يعجز عن فهمه الكثيرون وكنتم ترفضون الرأي الآخر الذي يري ان تفتيت الارض الزراعية سوف يعدمها؟ ج: نعم يا أبي أتذكر كل هذا ولكنا كنا نحترم رأي الكبير حتي لو اختلفنا معه. س: وهل تظن يا ولدي ما هو سبب احترامكم لرأي الكبير. ج: لكونه كبيراً فحسب. س: لا يا ولدي كان ذلك لأنني وأقراني كنا نتعامل معكم بقدر عقولكم وخبرتكم ولم نكن نفرض رأينا دون تبريره وكنا ندع لكم المساحة الكافية للتصرف دون إجبار، أما انتم فتنظرون إلي هذا الشباب علي أنه قد أوقع البلاد في كثير من الأخطاء ومن ثم فيجب عليه أن يتراجع ويترك الساحة لاصلاح هذه الأخطاء. ج: نعم يا أبي نحن نطلب ذلك ولكن حتي يتم تجاوز هذه المرحلة فحسب ومن ثم فسوف تعود البلاد الي شبابها بعد أن يكونوا قد اكتسبوا الخبرة في الاصلاح والتعامل الأمثل. س: أنت كالعادة يا ولدي تبهرني بهذا الأسلوب إلا أنني لم أكن أواجهك بكل الردود حتي تراها بنفسك أما الآن فقد قاربت ان تكون في مثل سني ومن ثم فلابد من تصحيح هذه الحجة التي تستند اليها فالحقيقة، إن إصلاحكم للأمور يكون مردوده لهؤلاء الشباب إلا أنكم قد أغفلتم انهم أصحاب المستقبل وهم الاولي في أن يصاحبوكم في رحلة الاصلاح فإن اختلفتم فأقنعوهم، فإن لم تتمكنوا فنفذوا ما يرغبون وعالجوا أثاره السلبية بحكمتكم ولا تلوموهم بجهلهم ببعض الامور ولا تعظموا أخطاءهم في عدم معرفتهم بطبيعة الثورات وأن يكون ذلك سبباً في استبعادهم وتذكروا يا ولدي انكم انتم المسئولون عما هم فيه فلولا قبولكم لأمور خاطئة كثيرة لما احتاج هؤلاء الشباب الي ان يقوموا بثورتهم ولا تنسوا أن ما قاموا به قد عجزنا نحن وأنتم عن إتيانه. ج: لكن يا ابي ................. لقد توقف الحديث واختفي من أمامي هذا الحبيب وكانت أشعة الشمس قد أحاطت بي من كل جانب؛ حيث تحركت عيناي بحثا حولي فقمت أسطر هذا اللقاء الذي تم في سكرات النوم عسي أن أخرج منه بجديد فإن لم يكن فقد حاولت أن أشرككم فيه.