لم تفاجئني الأعداد الغفيرة من أبناء الشعب المصري الذين خرجوا للاستفتاء على دستور 30 يونيو ..ولم يكن غريبا أن تتجاوز الموافقة على الدستور نسبة 90%من اللذين أدلوا بأصواتهم ..وأعتقد أني لست وحدي الذي توقع ذلك الإقبال الكبير والموافقة الغير مسبوقة على هذا الدستور ..فكل من يعرف هذا الشعب العريق وأبناءه الشرفاء يدرك تمام الإدراك أنه شعبا خلق للخلود ..وأنه يمتلك من الوعي الوطني والقدرة على النفاذ إلى بواطن الأمور ما يمكنه من أن يتصدر المشهد ويعتلي الصعاب ويذيب في بوتقته كل عوامل الإخفاق والانكسار . فكل من شاهد فرحة المصريين خلال يومي الاستفتاء وهم يقفون طوابير طويلة في انتظار دورهم والإشراق يعلو وجوههم ..و الأغاني الوطنية تصدح في سماءنا تتصدرها أغنية تسلم الأيادي التي ارتبطت بثورة 30 يونيو وأصبحت شعارا لها ..يدرك أن هذا الشعب أصيل وجذوره ضاربة في عمق التاريخ يستمد منها حضارته وقوته ..وخبرة ووعيا تبلورا على مدار السنين . فمن جلس أمام شاشات الفضائيات المختلفة ..أو تجول في محافظات مصر فقد شاهد فرحة المصريين بعرس دستورهم الجديد ..تلك الفرحة التي تجاوزت السعادة والبهجة إلى الغناء والرقص والطبل والزمر في كثير من اللجان ..وانطلاق زغاريد النساء معبرة عن سعادتهم بهذا العرس الكبير . استوقفتني طويلا هذه الفرحة العارمة بالاستفتاء على الدستور ..وهؤلاء البسطاء اللذين تركوا بيوتهم وأعمالهم ووقفوا الساعات الطوال في انتظار دورهم لقول نعم للدستور بفرحة وحب وإخلاص ..وعجبت أن الكثير منهم ربما لا يجيد القراءة والكتابة ..وأن أجادها البعض فربما لم يقرئ بنود هذا الدستور ..والكثير ممن قرءه ربما لا يستطيع استيعاب كل أفكاره وثوابته ..غير أنى أدركت أن هذا الشعب يمتلك من الفطرة والفطنة ما يجعله يدرك أن قول نعم للدستور الجديد يعنى انتصارا لإرادة الشعب ..وتحقيق حلم الثورة الذي كاد أن يسرق في غيبة نحمد الله أنها لم تطول . فلإنسان المصري البسيط يعلم أن بنود الدستور وأن كانت تعنيه إلا أنها ليست هى الأساس الذي خرج ليقول نعم لإقرارها ..وأن قوله نعم تعني بداية مرحلة جديدة وإشراقه شمسا تعم البلاد وتزيح ظلام خيم على سماء مصر وكاد أن يلفها بضبابه وسواده ..ويطرد عنها بوم وغربان سكنت سمائها ونشرت الخراب في ربوعها وكادت أن تهدم أركانها . قول نعم رسالة للعالم أجمع أن ما حدث في مصر في 30 يونيو هو ثورة حقيقية بإرادة مصرية ..وأن من قام بها هم أبناء هذا البلد الطيب ..يساندهم جيشهم ويقف معهم في خندق واحد ضد الفساد والظلام والظلم والطغيان . إن من يرى تلاحم الشعب والجيش خلال يومي الاستفتاء ..وتعاونهما على إنجاح هذا العرس الوطني ..والفرحة والحب تخيمان عليهم ..وتمتلئ قلوبهم قوة وإصرار دون خوف من أيد آثمة أو تهديد ووعيد غادر .. يدرك أن هذا الشعب قادر على تجاوز المحن وتخطي الصعاب ..وأن بلدا هؤلاء أبناءه لا خوف عليه من أقزام تتوعد ..أو إرهاب يهدد . ستظل مصر دوما واحة الأمن والأمان ..منارة تضيء سماء الشرق ..وحضارة تلهم الأمم وتقف على أعتابها عاجزة . فهنيئا لمصر بأبنائها ..ممن يرفعون علمها ويعلون قدرها ..ويباهون بها ..وهنيئا لشعب مصر بمصرهم .. حضارة وعراقة ..وأمة في طليعة الأمم .