يراهن دائما علي المخزون الحضاري لدي المصريين, فهو إبن حضارة أشرقت شمسها منذ فجر التاريخ.. يستبعد أن ينزلق شعب يعرف الله منذ أكثر من5000 سنة قبل الميلاد في حرب طائفية, واصفا من لا يدرك هذه الحقيقة بأنه جاهل.. مؤكدا أن عقدة اليهود الحقيقية هي الحضارة المصرية التي يحاولون بكل الطرق تشويهها. د. وسيم السيسي, هو أحد كبار المهتمين بعلم المصريات, وهو أستاذ جراحات المسالك البولية, وزميل كلية الجراحين الملكية في أنجلترا وكلية الجراحين الأمريكية.. له العديد من المؤلفات منها: مصر علمت العالم, والطب في مصر القديمة, ومصر التي لا تعرفونها, وهو أيضا صاحب صالون المعادي الثقافي. في حوار خاص مع الأهرام, يكشف السيسي عن جوهر المصري الأصيل ويحذر من مخاطر السد العالي علي مصر.. واصفا المرحلة التي عاشتها البلاد في ظل حكم الإخوان بعصر إضمحلال ثالث.. فكان لنا معه هذا الحوار... كيف تري مشهد إستعادة الثورة المصرية في30 يونيو؟ هل كنت تتوقعه؟ هناك نوع من العناية الإلاهية تدخلت لحفظ مصر.. والتصديق علي حديثي الرسول محمد صلي الله عليه وسلم عندما أكد أن مصر بها خير أجناد الأرض, وأن أهلها في رباط إلي يوم الدين. لا شك أن استمرار حكم الإخوان لمصر سنة أخري, ربما كان يحول الشعب كله إلي جالية مصرية داخل أرضه. بالفعل توقعت حدوث هذا المشهد الجلل العظيم, لكن ليس بهذه السرعة! فأخطبوط جماعة الإخوان كان يلتف بقوة حول مصر, بمساندة دول الشر وعلي رأسها أمريكا.. تلك القوة العظمي التي وصفها شارل ديجول قائلا: المشكلة مع أمريكا انها انتقلت من التخلف إلي الانحطاط.. دون أن تمر علي الحضارة. فالعلوم والتكنولوجيا التي يمتلكها الأمريكان اليوم هي خلاصة تجارب علماء الشرق والغرب.. هؤلاء رعاة البقر بنوا دولتهم علي العنف, وسوف تنتهي- لا محال- بالعنف. لقد فوجئوا بأنهم في مواجهه مع مصر التي تمتلك مخزون سبعة آلاف سنة حضارة, وخمسة عشر ألف سنة سعيا حضاريا( أي دون تدوين). هذه الجينات العبقرية هبت كالإعصار اقتلعت أشجار الشر, صفعت المتآمرين, وكانت سببا في انقسام بين مؤسسات أمريكا السياسية ما بين مؤيد ومعارض لسياسات أوباما. الأولوية الآن لصياغة دستور محترم, يعتمد علي دستور سنة..1971 يكون بمثابة رسم هندسي لبناء عمارة مصر العظيمة. مصر تحت حكم الجماعة.. كيف سوف يذكر التاريخ هذه الحقبة؟ منذ اندلاع الربيع العربي, مرت البلاد بفترة اضمحلال ثالث. فقد عاشت فترة اضمحلال أول في عهد بيبي الثاني آخر ملوك الأسرة السادسة.. غاب فيها الفيضان عن مصر سبع سنوات.. ونظرا لأن الفقر يتحدي كل فضيلة قامت ثورة الرعاع حيث سقطت المحاكم وغابت ماعت إلهة العدالة وحلت شريعة الشياطين.. كما سقطت المعابد, لا سلطان للسماء علي الأرض.. وسقط أهل العلم والخبرة, وحل مكانهم أهل الثقة من الرعاع.. توقفت يد العامل وتحركت يد قاطع الطريق.. اختفي الفن وتوقف الفنانون.. حتي جاء أمنمحات الأول- مؤسس الأسرة الثانية عشرة- وقام بثورة التحرير تحت شعار العلم والإيمان. غير أن مصر تحت حكم الجماعة كانت تعيش حالة مماثلة لعصر الاضمحلال الثاني عندما احتلها الهكسوس. لم يأت الهكسوس بحرب إليها, وإنما تسللوا من البوابة الشرقية بسلام, واستقروا في سيناء, ثم زحفوا إلي الشرقية.. وعلي مر السنين, شكل الهكسوس دولة داخل الدولة.. وعندما تجاوز عددهم ثلاثة ملايين شخص, فرضوا رأيهم علي الملك وطردوه من العاصمة منف. إلي أن جاء أحمس وقاومهم مع الشعب المصري, وتمكنوا من تحرير مصر من غزو الهكسوس. مع الأسف, هناك بيننا من يحمل الباسبور المصري, وهو مصري بالاسم فقط! هؤلاء ساكنو مصر لا علاقة لهم بالمواطن مصري الهوي والهوية, ابن البلد الحقيقي. التاريخ يثبت دائما أن النصرة في النهاية لكلمة الشعب, وليس لفئة, أو أقلية. المصري كان يقدس حاكمه ويرتقي به إلي مرتبة الآلهة.. فهل تخلصنا من هذه العاده بإسقاط نظام مبارك؟ أم أننا شعب يجيد صناعة الفرعون؟؟ إذا كان الحاكم عادلا فإن احترامه وتبجيله يعتبر عادة ايجابية تحقق الاستقرار. وهو ما نشهده في كثير من دول العالم التي تقوم علي الحكم الملكي وليس الجمهوري شأن إنجلترا. علما بأن فرعون مصر لم يكن رجلا ظالما كما يدعي البعض, وإنما كان عصره هو عصر عدالة اجتماعية! لم يكن لحضارة أن تستمر لمدة5 آلاف سنة إلا إذا كانت قائمة علي العدل والقانون. وقد سقطت قوانين الحضارة البابلية من ذاكرة الإنسانية سقوط مدوي- مقارنة بالحضارة المصرية- نظرا إلي أن قوانين حمورابي المفكر العظيم كانت تختلف فيها العقوبة وفقا لاختلاف الطبقة الاجتماعية. لا شك أن عقدة اليهود الأزلية هي الحضارة المصرية كما ذكر فرويد في كتابه موسي والتوحيد. كم من قصص اختلقوها لتشويه حضارتنا! ها هي عالمة المصريات الفرنسية كريستين لاروش دي نوبل كور, تتصدي للأفاك الكذاب الصهيوني الهوي موريس بوخيه أو بوكاي, المغربي المولد. تصدت هذه العالمة العظيمة لهذا اليهودي الحاقد بكتابها: رمسيس الثاني والذي طبع منه مليون.. نعم مليون نسخة, تثبت فيه أن رمسيس الثاني لا علاقة له بفرعون الخروج إطلاقا, وربما كان فرعون هكسوسيا.. يقولون حضارة موت!! ويرد عليهم الدكتور طه حسين: أما أنا فلم أر جهلا يشبه هذا الجهل.. ولا ظلما يشبه هذا الظلم لحضارة.. هي فجر الضمير وأم الحضارات جميعا.. لا أستثني منها شيئا.. حتي الحضارة اليونانية.. فاليونانيون يعرفون أنهم كانوا تلاميذ للمصريين, ويكفي أن طاليس وأفلاطون, وسولون, وفيثاغورث جاءوا وتعلموا من مصر فلسفة وعلوما ورياضيات. إذا كان المصري القديم هو أول من عرف ربه.. فماذا تفسر انتشار ظاهرة التعصب والتكفير في مجتمعنا؟ يقول الشاعر اليوناني سيمونيدس: هزمناهم ليس حين غزوناهم.. بل حين أنسيناهم تاريخهم وحضارتهم. أن كلمة دين أصلها مصري, تعني الشعيرة الخماسية. وقد عرف الفراعنة التوحيد والوضوء والسجود للأذقان, والصيام ثلاثين يوما من الفجر حتي الغروب.. بل إن كلمة الحج نفسها كلمة مصرية تعني( الضوء), وحج- از أو الحجاز تعني الاتجاه إلي الضوء.. لذا, لا يليق بأن توصف الحضارة المصرية بأنها حضارة وثنية وكافرة, وأنه يجب هدم تماثيلها وآثارها. لقد جاء النبي إدريس برسالته إلي مصر منذ5000 سنة قبل الميلاد. حكمة ووسطية المصريين هي التي دفعتهم إلي الثورة ضد الملك إخناتون الذي جاء يفرض عليهم مذهبا واحدا يلغي به للمصري حياة ما بعد الحياة, ويصور لهم أن الأرواح تذهب إلي أرض شيو أرض الظلمات بدون حساب بعد وفاتهم! كذلك, كلمة صابئة هي كلمة مصرية قديمة معناها( المهتدون).. فإذا رجعنا الي القرآن الكريم:... والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون البقرة-62. أي أن الصابئة المندائيين معناها المهتدون العارفون, وكان دينهم هو دين إدريس هرمس, عليه السلام, وأن الإدريسية هي ديانة المصريين القدماء. وبماذا تفسر تغيير شخصية وملامح المصري القديم؟؟ سفر المصريين إلي الخليج جعل الثقافة الرملية( الندرة والجفاف) تغزو الحضارة النهرية( الخير والوفرة).. كنا نعمل معا لصد فيضان النهر, والزراعة والحصاد علي ضفافه, فتوحدت صفوفنا.. لكن مصر هبة النيل حرمنا منها السد العالي.. بل وحرمنا من الطمي الطبيعي, واستبداله بالسماد الكيماوي.. كذلك فقدنا معه ثروة سمكية هائلة.. واختفت معه زهرة اللوتس التي فجرت ثورة في الغرب ودخلت في صناعات عديدة لاحتفاظها بنقاء دائم. أعتقد أن الفراعنة لو أدركوا قيمة هذا السد العالي, لما ترددوا للحظة واحدة في تشييده, فهم بناة حضارة عظيمة. لكن إدراكهم لخطورته, جعلهم ينصرفون عن فكرة إقامته. وها نحن نري شالوميت ابنة موشي ديان تحرض علي ضربه في كتابها الطوفان الثاني حال تهديد إسرائيل. فضربه يحقق كارثة بكل المقاييس ويمحو مصر من علي الخريطة. لذلك نصح المعماري العبقري حسن فتحي بإنقاذ مصر من أخطاره, بهدمه. لا شك أن طرق الزراعة والري تطورت في العالم.. أري أن السد العالي صنم, الناس تعبده! فهو لم يمنع تشقق الأراضي أو قطع الكهرباء في عهد مرسي رغم إنه يخزن أكثر من50 فيضانا داخله! لابد من مراجعة حساباتنا تجاه هذا المشروع مرة ثانية. يراهن الغرب, وتحديدا الصحف الأمريكية, علي قيام حروب طائفية أو أهلية في مصر.. فهل تجد أن مصر مهيأة حقا لنشوب مثل هذه الحروب علي أرضها؟ الصهيونية العالمية التي تحكم أمريكا لا تدرك جوهر الشخصية المصرية وحقيقتها. ولمن يريد التعرف علي مخططاتها, فأنصحه بقراءة ما كتبه بن جوريون حين قال: إن قوة إسرائيل ليست في سلاحها النووي ولا قنابلها الذرية. وإنما قوتها تتبع في تفتيت3 دول حولها هي مصر وسوريا والعراق علي أسس دينية وطائفية. وأضاف: إن نجاح إسرائيل لتحقيق ذلك لا يتوقف علي ذكائنا بقدر ما يعتمد علي غباء الطرف الآخر. ربما نجحوا في تحقيق ذلك بالنسبة للعراق, لكنني أري أن هذا المخطط لن يفلح مع سوريا بفضل صمودها الباسل حاليا. كذلك, لن يفلح في مصر. فمصر ليست شعبين! بل هي شعب واحد وجماعة. الطبيعة المصرية تجنح للسلمية بالفطرة, لكن الوضع يتغير حينما تقتحم عصابة شارعا ما, فلابد أن يتصدي لها سكان الحي. هذا بالضبط ما يحدث في مصر. في كل الأحوال, مهما تعددت الأكاذيب والمؤامرات, فأنا أراهن علي المخزون الحضاري لدي المصريين.