لن تلبث مصر أن تشهد أحداثاً قل الذين سيدركون مغزاها ثلاثة شباب ولدوا مختومين بشعار التمرد, تشاركوا الدراسة والحلم ..والصداقة، تعاهد الثلاثة على أن يساعد من يواتيه الحظ الآخرين,ويحكي لنا التاريخ أن الحظ واتاهم ثلاثتهم , وبدأت أغرب علاقة في تاريخ الفكر البشرى تنسج خيوطها وتلقي بظلالها على القرن السادس الهجري.. وعلى كل القرون التي تلته . ولسوف يولد من جراء هذه الحادثة تاريخ عجيب . هؤلاء الثلاثة هم : نظام الملك الذى حكم العالم عمر الخيام الذى رصد العالم حسن الصّباح الذى أرهب العالم بمن نبدأ القصة؟ بالوزير العادل نظام الملك وقد كان من (أحسن الملوك سيرةً وأجودهم سريرة) .. سميت على اسمه "المدارس النظامية"..وهي تعد من أقدم الجامعات العلمية... أم بعمر الخيام الذي طبقت شهرته الآفاق منذ أن اكتشفه الغرب في منتصف القرن التاسع عشر و صار اسمه و رباعياته رمزا بشريا خالداً و إيقونة لا يجوز أن يقترب منها الإنسان إلا معجباً ومتيماً.. فسر البعض فلسفته وتصوّفه على أنه الحاد وزندقة فأحرقت مؤلفاته! فلنبدأ بحجر الزاوية.. بحسن الصباح إمام (الفدائيين) الذين اصطفاهم وصاغهم سهاماً مسمومة موجهة لمن حكم عليه بالزوال من خارطة الحياة .. الصباح سلطان قلعة "اًلَمُوت" القائد الذي روع العالم بشرقه وغربه .. ولم يتورع عن نحر ولديه الأول لاحتسائه الخمر والثاني بتهمة الخيانة ! حرص الصباح على اجتذاب الفتيان من عمر الثانية عشرة إلى العشرين، مشترطاً فيهم ألا يكونوا قد شربوا الخمرة أو عرفوا النساء أو تدنسوا بأيٍ من دنس الحياة ، وقد اجتمع لديه جم غفير منهم .. وبمباركة ذويهم لفرط إيمانهم واقتناعهم بدعوة زعيم الحشاشين .. وتعلموا علي يد نخبة من الدعاة عرفوهم أصول المذهب الإسماعيلي وأسراراللغةِ والشعر والمعارف المتنوعة آنذاك.. وعلى يد قادة عسكريين جبابرةتدربوا على فنون القتال وأساليب المكر والتخفي ..وكان المحرك الأعظم لكل مملكة الصباح ... "الحشيش"!! ليس إلا . بالحشيش تشرع أبواب الفردوس !! حينما يُدس للفدائيين في المساء فيغيبون عن وعيهم.. ثم يحملهم الخدم والعبيد إلى الجنة ونعيمها الآخاذ وحورها الحسان (فتيات تدربن في الجانب الآخر من القلعة على الغناء والرقص وعلى كل ما حرم منه الشباب ) وبعد أن يتيقن الشاب أنه في الفردوس .. تسارع الحورالحسناوات بتخديره ثانية.. ليعود به الخدم مغشياًعليه إلى مكانه بين يدي حسن الصباح! وقد بلغ نجاح هذه الخطة منتهاه .. والكتب التاريخية تزخر بقصص, منها: أن الصباح استقبل مبعوثين من خصومه السلاجقة يطلبون منه التنازل عن قلعة الموت والرجوع عن دعوته ، فاستدعى اثنين من فدائييه وقال لأحدهم: هل تريد العودة إلى الفردوس والخلود فيها؟ فأجاب الفتى: أن نعم، فقال له اذهب إلى أعلى ذلك البرج وألق بنفسك إلى الأرض، ففعل الغلام وانتهى به الأمر ميتاً، ثم التفت إلى الآخر ملوحاً بالفردوس وسأله: ألديك خنجراً ؟ فأجاب أن نعم، فقال له: اقتل به نفسك، ففعل في التو .. عندها قال الصباح للرسل بين يديه: أبلغوا من أرسلكم أن عندي من هؤلاء عشرين ألفاً هذا مبلغ طاعتهم لي! في خضم كل ذلك بدأ نظام الملك العمل في بلاط حاكم خراسان .. فأرسل لصديقيه وفاءً بالعهد الذي تعاهدوا عليه. وقبل عمرالخيام الدعوة ..ولكونه عالماً عبقرياً ومبدعاً ,طلب من نظام الملك أن يعينه علي الانخراط في العمل العلمي دونما معاناة لمكابدات الحياة, وكان له ما أراد. أما حسن الصباح فقد تظاهربالقبول ليتمكن من قتل صديقه نظام الملك لكونه مناهضا ًلفكره الإسماعيلي ومتصدياً لحملات الاغتيال العنيفة التي شنها على رجالات الدين والدولة .. و حينما فشل في ذلك فرهارباً.. لكنه فلح في نهاية المطاف في قتله صديقه القديم على يد أحد تلامذته المدربين.. وحينها صاح صيحة مدوية "قتل هذا الشيطان بداية البركة" ! ومن عجب أن (هذا الشيطان) أي نظام الملك قد أجمع على تقواه وزهده مؤرخو الإسلام قاطبةّ.. لكنها لعبة السياسة والهيمنة ! وبين الصديقين (القاتل والمقتول) عاش الخيام ينظم رباعياته المحرمة الهرطوقية .. عاش لا يشكك في قناعات نظام الملك بضرورة اجتثاث شأوة الحشاشين ..ولا بقناعات الصباح في دفاعه عن عقيدته ..عاش ينتظر زوال العاصفة التي رفعت أناساً وخفضت آخرين . وقتل نظام الملك , وأعقب موته حملات ضارية من قادته الذين أقسموا على الثأر لمليكهم ..وقتل الصباح .. وظلت فلوله تروع الآمنين . وغرقت سمرقند .. أبهى مدينة استدارت في وجه الشمس ..في أنهار الدم ..وطالت يد الغدر و الاغتيال زوجة الخيام الذي لاذ بمرصدهِ.. وعينه شاخصة إلى قلعة الموت .. وهويعلم أن الوحش القابع فيها قد اكتفى بسرقة مخطوطه الثمين (الرباعيات) عوضاً عن قتله . ولم تنتهي أسطورة" قلعة الموت " لا على يد المغول الذين أضرموا فيها النيران سبعة أيام متوالية .. ولا على مر الزمن َ!!