فتح العرب المسلمون مصر على يد عمرو بن العاص عام 21 هجرية / 642 ميلادية ، وأسس عمرو بن العاص مدينة الفسطاط وأنشأ بها مسجدا جامعا سمى فيما بعد باسمه ، حيث كان يطلق عليه وقت إنشائه مسجد الفتح نسبة لفتح مصر ، والمسجد العتيق أي القديم لكونه أول مسجد أسس في مصر وأفريقيا كلها ، كما أطلق عليه الأهالي والمؤرخون في مؤلفاتهم في العصور التالية اسم تاج الجوامع تأكيدا لمكانته عند المسلمين. يقع جامع عمرو بن العاص شرق النيل بمنطقة مصر القديمة ، وكان هذا المسجد غاية فى البساطة، فقد بلغت مساحته 30 فى 50 ذراعا – والذراع في المقاييس القديمة من 40 -50 سنتيمتر - وبنيت حوائط المسجد بالطوب الطيني المعروف باسم الطوب اللبن ، وفرشت أرضه بالحصى وصنع سقفه من جريد النخيل وأقيمت أعمدته من جذوع النخل ولم تغفل عنه يد الأقدار فبدلت فيه وغيرت فى فترات متعاقبة فلم تبق من معالمه الأولى سوى المكان الذى شيد عليه وقد احتفظ لنا التاريخ بتفاصيل في أقوال المؤرخين عما طرأ عليه من تجديدات منذ إنشائه إلى الآن. في العصور المتعاقبة على المسجد طرأت العديد من التجديدات والتوسعات ، وانتهى ذلك كله باتساع مساحته وارتفاع سقوفه بعد أن استبدلت بجذوع النخل عمد من الرخام وزينت جدرانه وزاد عدد أبوابه كما ظهرت به بعض عناصر معمارية هامة لم تكن من قبل ففى سنة 53 هجرية الموافق 672/73 ميلادية أمر معاوية - أول خلفاء بنى أمية- واليه على مصر مسلمة بن مخلد بإنشاء أربع أبراج على نمط الأبراج التي كانت بأركان المعبد القديم بدمشق وجعل الوصول إليها من سلم خارج الجامع ولم تكن هذه سوى أبراج مربعة كانت فى الواقع نواة للمآذن التى أنشئت بمصر بعد ذلك مما نرى الكثير منها الآن وقد تطورت تصميماتها وتنوعت أشكالها. وثمة ظاهرة عمارية أخرى بدت فى تصميم المسجد وهى المحراب المجوف إذ كان محرابه الأصلي مسطحا ففى سنة 93 هجرية الموافق 712 ميلادية أحدث به قرة بن شريك - والى مصر عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك - المحراب المجوف مماثلا للمحراب الذي أنشيء بمسجد الرسول بالمدينة عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز سنة 88 هجرية الموافق 706/7 ميلادية. وكانت التوسعات التى حدثت بالجامع فى عصر الدولة الأموية متفاوتة إلى أن كانت سنة 212 هجرية الموافق 827 ميلادية إذ أمر عبد الله بن طاهر - والى مصر من قبل الخليفة العباسى المأمون - بتوسيعه من الجهة الغربية بما يعادل مساحته وقتئذ فتضاعفت رقعته وأصبحت 112 فى 120 مترا تقريبا وكانت ذلك خاتمة التوسعات التى حدثت به وبقى الجامع محتفظا بمساحته هذه إلى الآن. وكان تخطيطه فى ذلك الوقت مؤلفا من صحن مكشوف تحيط به أربعة أروقة يشتمل رواق القبلة منها على سبعة صفوف من العقود موازية لجدار المحراب وتمتد بكامل عرض الجامع ومثلها فى رواق المؤخرة كما يشتمل كل من الرواقين الجانبين على سبعة صفوف من العقود موازية لجدار المحراب أيضا وتنتهى عند الصحن. وكان للجامع ثلاثة عشر بابا ثلاثة منها بالجدار البحرى وخمسة فى الجدار الشرقى وأربعة فى الجدار الغربى وواحد فى الجدار القبلى كما فتح بأعلى حوائطه الأربع شبابيك معقودة بين كل اثنين منها تجويف . وتوالت الإصلاحات والتوسعات بعد ذلك علي يد من حكموا مصر حتى وصلت مساحته بعد عمليات التوسيع المستمرة نحو أربعة وعشرين ألف ذراع معماري،. وهو الآن 120 في 110أمتار. إبان الحملة الصليبية على بلاد المسلمين وتحديدا عام 564 ه، خاف الوزير شاور من احتلال الصليبيين لمدينة الفسطاط فعمد إلى إشعال النيران فيها إذ كان عاجزا عن الدفاع عنها واحترقت الفسطاط وكان مما احترق وتخرب وتهدم جامع عمرو بن العاص. عندما ضم صلاح الدين الأيوبي مصر إلى دولته، أمر بإعادة إعمار المسجد من جديد عام 568 ه، فأعيد بناء صدر الجامع والمحراب الكبير الذي كسي بالرخام ونقش عليه نقوشا منها اسمه. أما التخطيط الحالي للجامع فإنه يتكون من مدخل رئيسي بارز يقع فى الجهة الغربية للجامع الذي يتكون من صحن كبير مكشوف تحيط به أربعة أروقة ذات سقوف خشبية بسيطة، أكبر هذه الأروقة هو رواق القبلة ، وبصدر رواق القبلة محرابين مجوفين يجاور كل منهما منبر خشبي، كما يوجد بجدار القبلة لوحتان ترجعان إلى عصر المماليك . وهذا الجامع بحالته التى نشاهده عليها الآن يشتمل على فناء كبير يؤدى إليه ثلاثة أبواب مفتوحة فى واجهته الشمالية وينتهى من الجنوب برواق القبلة الذى يتألف من تسعة عشر صفا من العقود المحمولة على عمد من الرخام فى اتجاه عمودى على جدار المحراب يرجع عهدها إلى منتصف القرن التاسع عشر الميلادى. وإن أهم ما يسترعى النظر فى هذا الرواق بقايا طبال خشبية تعلو بعض تيجان الأعمدة محفور عليها زخارف بارزة يرجع عهدها إلى عمارة عبد الله بن طاهر سنة 212 هجرية /827 ميلادية. أما حوائط المسجد الخارجية فمزيج من عصور مختلفة أهمها ما يرجع أيضا إلى أيام عبد الله بن طاهر وقوامها بعض شبابيك بالواجهة الغربية بزخارفها المحفورة على الخشب ، كما يوجد بهذه الواجهة وبالواجهة البحرية بعض شبابيك يرجع عهدها إلى عمارة الأمير سلار لهذا الجامع سنة 703 هجرية / 1304 ميلادية وقد شملت هذه العمارة ذلك المحراب الجصى الجميل الذى لازال موجودا إلى الآن بالوجهة البحرية. يوجد بالركن الشمالي الشرقي لرواق القبلة قبة يرجع تاريخها إلى عبد الله بن عمرو بن العاص، أما صحن الجامع فتتوسطه قبة مقامة على ثمانية أعمدة رخامية مستديرة الشكل، وكانت نوافذ الجامع القديمة مزخرفة بزخارف جصية لا زالت بقاياها موجودة بالجدار الجنوبي، ويتوج واجهات الجامع من الخارج من أعلى شرافات هرمية مسننة، كما أن للجامع مئذنة يرجع تاريخها إلى عصر مراد بك، وهي مئذنة بسيطة تتكون من دروة واحدة ذات قمة مخروطية. من أشهر ممن ألقى دروسا وخطبا ومواعظ في هذا الجامع الإمام الشافعي والإمام الليث بن سعد وأبو طاهر السلفي والشيخ العز بن عبد السلام و ابن هشام صاحب السيرة النبوية الشهيرة.