ائتلاف أولياء أمور مصر يشيد بمبادرة "جسمي ملكي لا تلمسه" لحماية الأطفال    مصر تواصل دعم غزة.. دخول 9250 طنًا من المساعدات الإنسانية    الجامعة البريطانية بمصر تشارك في مؤتمر الطاقة الخضراء والاستدامة بأذربيجان    وزير الاتصالات يلتقى المهندس خالد عبدالعزيز رئيس الأعلى للإعلام ويبحثان آفاق التعاون المشترك    نائب محافظ بني سويف يعقد اجتماعا لمتابعة سير العمل بمشروع مجمع مواقف محور عدلي منصور    مدبولي يتابع مشروعات تطوير قطاع الغزل والنسيج والاستغلال الأمثل لبعض الأصول    خبير اقتصادي: مصر تحقق أعلى نمو فصلي منذ 3 أعوام بسبب القطاع الخاص    ماكرون: نيجيريا تناشد فرنسا الدعم للتصدي لانعدام الأمن    بكين تعلن عن ثالث مناورة مشتركة مع موسكو في مجال الدفاع الصاروخي    الشرع: إسرائيل شنت أكثر من 1000 غارة و400 توغل في سوريا منذ سقوط نظام الأسد    عمر خربين يقود تشكيل سوريا أمام فلسطين في كأس العرب    الدباغ وحمدان ضمن تشكيل فلسطين في كأس العرب    حسام عبدالمجيد: «سيبقي الزمالك دائمًا محارب قوي»    دياباتي يبتعد عن التتش.. خلافات مالية توقف تقدم مفاوضات الأهلي    مصرع عامل وإصابة 14 آخرين في حادث انقلاب سيارة ربع نقل بالشيخ زايد    تأجيل محاكمة 76 متهما بالهيكل الإداري بالقطامية    السجن المؤبد لمتهم بالاتجار فى المواد المخدرة بسوهاج    تشييع جثمان "عروس" قتلها زوجها بقرية مشتهر بطوخ    خالد الجندي: أعظم هدية قُدِّمت للمجتمع المصري برنامج دولة التلاوة    تعليق صادم من الفنانة مي عمر عن آراء النقاد بها    بالأرقام .. وزير الصحة يكشف أنواع الفيروسات التنفسية الأكثر انتشارا    طب الإسكندرية تُطلق قافلة طبية شاملة لخدمة مركز التأهيل المهني بالسيوف    وزير التعليم العالي ومحافظ القاهرة يشهدان بدء تنفيذ مشروع مستشفى جامعة حلوان    صبغ الشعر باللون الأسود: حكم شرعي ورأي الفقهاء حول الاختضاب بالسواد    كمال درويش: أرض أكتوبر المتنفس الحقيقي للزمالك.. والأمور أصبحت مستحيلة على مجلس الإدارة    تلف 400 كتاب بعد غرق قسم الآثار المصرية بمتحف اللوفر، ومطلب خاص للتعويض    مؤسستا ساويرس وعبلة للفنون تجددان شراكتهما لدعم المواهب المصرية الشابة    وزير الخارجية: إسرائيل عليها مسئولية بتشغيل كل المعابر الخمس التي تربطها بقطاع غزة    مدبولي: مشروع إحياء حديقتي الحيوان والأورمان يقترب من الافتتاح بعد تقدم كبير في أعمال التطوير    جامعة أسيوط تُكثّف استعداداتها لانطلاق امتحانات الفصل الدراسي الأول    صحة الشيوخ تدعو خالد عبد الغفار لعرض رؤيته في البرامج الصحية    وزير الصحة: H1N1 السلالة الأكثر انتشارا في مصر.. والموقف الوبائي مطمئن    السمنة تحت مجهر صحة الشيوخ.. اللجنة تتبنى خطة لنشر الوعى حول التغذية السليمة    اختبار 87 متسابقًا بمسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن بحضور الطاروطي.. صور    المستشار الألماني: إمكانية زيارة نتنياهو إلى بلادنا غير مطروحة حاليا    باحث يرصد 10 معلومات عن التنظيم الدولى للإخوان بعد إدراجه على قوائم الإرهاب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 7-12-2025 في محافظة الأقصر    وزارة التضامن: فريق التدخل السريع تعامل مع 519 بلاغا خلال شهر    روجينا تعلن انطلاق تصوير مسلسل حد أقصى رمضان 2026 .. "بسم الله توكلنا على الله"    واحد من الناس يكشف كواليس أعمال الشريعي الموسيقي وسر خلافه مع الابنودي.. اليوم وغد    حمزة عبدالكريم يقترب من برشلونة علي حساب البايرن وميلان .. اعرف الأسباب    الأرصاد تكشف خرائط الأمطار اليوم وتحذر من انخفاض درجات الحرارة في عدد من المحافظات    السيطرة على حريق مخزن سجاد وموكيت فى أوسيم    ثنائي الأهلي يدعم محمد صلاح ضد مدرب ليفربول: أسطورة كل العصور    حزب العمال البريطانى يمنع المتحولات جنسيا من حضور مؤتمره النسائى فى 2026    «صحح مفاهيمك».. أوقاف الوادي الجديد تنظم ندوة بالمدارس حول احترام كبار السن    البورصة تواصل ارتفاعها بمنتصف التعاملات مدفوعة بمشتريات عربية وأجنبية    وزير الري: التحديات المائية لا يمكن التعامل معها عبر الإجراءات الأحادية    نور الشربيني تتوج ببطولة هونج كونج للاسكواش بعد الفوز على لاعبة أمريكا    تقرير أردني: الخطيب يكلف عبد الحفيظ لبدء التفاوض مع يزن النعيمات    ضبط 69 مخالفة تموينية متنوعة فى حملة مكبرة بمحافظة الفيوم    رئيس جامعة سوهاج يتحدث عن المبادرة الرئاسية "تمكين" لدعم الطلاب ذوي الهمم    الرقابة المالية تلزم شركات التأمين بسجلات تفصيلية جديدة لضبط السوق    وزير الصحة يستعرض تطوير محور التنمية البشرية ضمن السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية    قطاع الملابس والغزل يبحث مع رابطة مصنّعي الآلات الألمانية التعاون المشترك    الشرع: إقامة إسرائيل منطقة عازلة تهديد للدولة السورية    محمد عشوب: نتمنى تنفيذ توجيهات الرئيس نحو دراما تُعبّر عن المواطن المصري    دعاء الفجر| اللهم ارزقنا نجاحًا في كل أمر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد السلام فاروق يكتب: الأزمة السودانية.. آفاق التسوية السياسية والحسم العسكري
نشر في صدى البلد يوم 14 - 07 - 2024

منذ عام مضي تم إجراء مفاوضات بين طرفي النزاع فى السودان فيما عُرف بمحادثات جدة، لكن لم تؤدي المحادثات إلى وقف الحرب. والآن هناك دعاوي لإعادة التفاوض بشأن استقرار الأوضاع فى السودان، تارة من القاهرة وتارة من جدة وتارة من أديس أبابا وتارة من جنيف بسويسرا.
لكن المعضلة الحقيقية تتمثل فى التشرذم وتعقد المشهد السياسي والعسكري فى السودان، ربما بسبب وجود الاشتراطات المسبقة التي تمنع طرفي الصراع من مجرد الموافقة على الجلوس معاً للوصول إلى حل! فهل تنتهي الأزمة السودانية قريباً؟ وإذا انتهت بالجلوس على مائدة مفاوضات فكيف يكون حال السودان بعدها؟
أطراف الظل
الصراع فى السودان بدأ بين رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان وبين نائبه حميدتي قائد الدعم السريع، وسرعان ما استفحلت الحرب وامتدت وتدفقت الأسلحة والذخائر من حدود السودان لتقتل وتشرد آلاف السودانيين حتي وصل عدد النازحين اليوم إلى أكثر من عشرة ملايين سوداني نصفهم من الأطفال!.
فظائع مهولة ارتكبتها قوات الجنجويد فى الغرب والوسط قبل أن تبدأ فى التطلع للتوسع نحو شرق السودان الذي بدأ يستقبل البقية الباقية من النازحين، بعد أن غصت المعابر بالفارين من جحيم الحرب إلى مصر وتشاد وجنوب السودان وإثيوبيا. تلك القوات التي تتبني سياسة الأرض المحروقة ظناً منها أن الشعب السوداني سوف ينسي ويغفر كل تلك الفظائع بعد توقف الحرب.
والحق أن قوات الدعم السريع لا تلتفت للشعب السوداني وإنما اعتمادها كله علي الدعم الخارجي الذي تتلقاه من إسرائيل وأمريكا وحلفائهما. معني هذا أن الولايات المتحدة الأمريكية لها يد فى استمرار الحرب وعدم الوصول لحلول عبر التفاوض.
غير أن الشعب السوداني الأعزل لم يبقَ صفراً فى المعادلة. فمن ناحية استطاع الجيش السوداني استقطابه للمشاركة فى الصراع، وبدأ الشباب السوداني فى التطوع لمساندة قوات الجيش ضد قوات الجنجويد. ومن ناحية بدأت القوي المدنية فى تجميع شتاتها من أجل الضغط لإيقاف الحرب والوصول لحل سياسي يمنع استمرار نزيف الدم.
السيدة مريم الصادق المهدي وزيرة الخارجية السودانية السابقة ظهرت فى لقاء تليفزيوني علي الشاشة المصرية تتحدث عن حراك القوي المدنية فى سعيها للضغط على طرفي الصراع للجلوس على مائدة مفاوضات هدفها إنهاء الحرب، وأن ثمة محادثات رسمية وغير رسمية تمت فى جنيف وفى أديس أبابا للدفع فى هذا الاتجاه، وهناك بوادر استجابة تبدو فى الأفق، ولعل آخرها ما حدث من زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي لمجلس السيادة السوداني برئاسة البرهان، فهل ستتم المفاوضات قريباً؟ وهل تفضي بالفعل لوقف الحرب؟
لا فوز ولا انتصار
مهما كانت نتائج الصراع الدائر فالأكيد أن السودان خسر، والشعب السوداني لم يربح منها شيئاً. وحتي البرهان وحميدتي لا يبدو أنهما سيربحان سياسياً مهما كانت المكاسب العسكرية على الأرض. فهل تحقق الأطراف الخارجية غايتها، وتصبح هي الرابح الوحيد من الحرب؟!.
عجلة الاقتصاد توقفت، فلا زراعة ولا صناعة ولا تجارة خارجية إلا تجارة السلاح! والخدمات تدنت إلى أسوأ حالاتها، والمجاعة زحفت على بعض المناطق التي نكبتها الحرب والتعليم بمراحله متوقف منذ أكثر من 450 يوماً.
رجال الأعمال فى السودان تضرروا لكنهم لم يتخلوا عن شعبهم، ومنهم مَن أوقف بعض أراضيه لاستقبال النازحين. رغم هذا تصر آلة الحرب على هدم المصانع واحتلال باحات المستشفيات والمدارس لتحولها لساحات حرب!.
النازحون رغم فرارهم من جحيم الحرب وويلاتها، إلا أنهم يعانون مرارة الاغتراب ومعها ضغوط جديدة تطاردهم فى أماكن نزوحهم. في مصر مثلاً وبرغم ترحيبها شعباً وحكومة بضيوفها من السودان الشقيق إلا أن ظهور بعض المشاحنات بين مصريين وسودانيين والتي التقفتها وسائل التواصل الاجتماعي أثارت مسألة النازحين السودانيين باعتبارها مشكلة وأزمة تحتاج إلى حل. رغم أنها مجرد حوادث فردية لا تعبر عن حالة مجتمعية رافضة لحركة النزوح. فهل هناك فئات من مصلحتها النفخ فى الكير والصيد فى الماء العكر لأجل مصالح شخصية ضيقة؟ مهما كان الأمر فلا شك أن يقظة المؤسسات الأمنية ووعي الشعب المصري يحولان دون تحول مثل هذه المشاحنات النادرة إلى ظاهرة أو حالة مجتمعية مؤثرة.
الجالية السودانية فى مصر هي جالية قديمة، وهي من أكبر الجاليات، وربما هي الآن الأكبر والأكثر انتشاراً. وهناك مدارس كاملة أنشأها السودانيون لأبنائهم بعد حرمانهم من التعليم لنحو سنتين الآن. هكذا اندمج الشعبين السوداني والمصري وامتزجا. وبينما يري السودانيون أن إقامتهم فى مصر مؤقتة، وفي نيتهم أن يعودوا لمنازلهم وبيوتهم ومزارعهم ومصانعهم ومدارسهم بعد انتهاء الحرب. فهل يعود الشعب السوداني، أم عليه أن يوطن نفسه على حالة طويلة من عدم وضوح الرؤية؟!
مستقبل ضبابي
هناك معضلة تظل قائمة حتي لو نجح أطراف الصراع فى الجلوس معاً لوقف الحرب. هذه المعضلة تتمثل فى أن الحل الوحيد لوقف الحرب يتمثل فى بقاء الوضع العسكري على ما هو عليه، وأن يذهب كل طرف بما كسبه عسكرياً. هكذا سيصبح للسودان حكومتين: حكومة فى الشرق بقيادة البرهان، وحكومة فى الغرب والوسط بقيادة حميدتي. ما يعني أن السودان لن يعود كما كان أبداً، بل ستتغير بنيته الديموغرافية تغيراً جذرياً، وربما لا يتم السماح لأكثر النازحين بالعودة لديارهم التي استولت عليها قوات الجنجويد وأقامت فيها.
إن أحد الشروط المسبقة التي اشترطها البرهان رئيس المجلس السيادي لإجراء المفاوضات تمثلت فى إخلاء البيوت والمباني الخدمية المدنية التي احتلتها قوات الجنجويد ورفضت تركها. فكيف سيكون الوضع سياسياً واجتماعياً فى المناطق التي خضعت لنفوذ الجنجويد؟ وهل سيكون السودانيون هم من يقومون بإعادة إعمار المناطق التي دُمرت أم يتم تسليمها لمؤسسات أجنبية تأتي من الخارج لتضع يدها على المزارع والمناجم والبنوك؟.
مؤتمر القاهرة للقوى السودانية الذي عُقد مؤخراً هو محاولة من بين محاولات عديدة كمحادثات جدة ومفاوضات جنيف وجلسات أديس أبابا، والهدف الوحيد هو وقف الحرب ومحاولة إقناع الأطراف بالجلوس على مائدة مفاوضات عقلانية تضع مصلحة السودان على قمة أولوياتها.
المفاوضات تتعثر ولا تبدو ممكنة فى ظل تعسف الجنجويد ومحاولاتهم لكسب مناطق أكبر عسكرياً وتوسيع نفوذهم أكثر قبل الجلوس لا لتوحيد السودان وإنما لتقسيمها بين حكومتين وجيشين. وأما فترة ما بعد الحرب فى حالة توقفها فهي تبدو فترة ضبابية، وربما لن تخلو من نزاعات ومناوشات، وقد تطول المرحلة الانتقالية بين الحرب واستقرار الوضع السياسي على أساس التقسيم والتدخل الخارجي، وهو ما يعني أن الشعب السوداني سيظل يعاني لفترة أخرى بعد توقف الحرب.
حلم السودان الموحد أصبح حلماً صعب المنال، ليس فقط بسبب تمسك الجنجويد بما استولوا عليه من مناطق وهو ما يفضي لتقسيم السودان، لكن لأن القوى المدنية نفسها منقسمة متشرذمة متعددة الانتماءات، وهى حالة كانت موجودة قديماً فى السودان واتسع نطاقها وأثرها أثناء فترة الحرب، بحيث ظهرت عدة حركات مسلحة جديدة، وعدة اتجاهات مدنية يمينية ويسارية متناقضة يعادى بعضها بعضاً، بما ينذر بصعوبة توحيد السودان مستقبلاً.
قلوبنا مع السودان الشقيق، نتمني للحرب أن تهدأ، وللسودان أن يعود موحداً قوياً، وللشعب السوداني الطيب المكافح أن يصمد فى وجه الأيادي الخارجية العابثة بمقدراته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.