قرار جمهوري بتعيين القاضي مجدى خفاجي رئيسا لمحكمة استئناف قنا    تعرف على سعر الدولار ببداية تعاملات اليوم الخميس 11-12-2025    الأمطار ترفع أسعار الخضار للسما.. الكوسة تقترب من 50 جنيها    أسعار الذهب في مصر اليوم الخميس 11 ديسمبر 2025    الفيدرالي الأمريكي يقرر خفض الفائدة لتصبح بين 3.5% و3.75%    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الخميس 11 ديسمبر 2025    فنزويلا تتهم الولايات المتحدة بالسرقة والقرصنة الدولية بعد مصادرة ناقلة نفط قبالة سواحلها    الأونروا تحذر: أمطار غزة تفاقم المعاناة وتزيد مخاطر الأمراض    قوات الدفاع الجوى الروسية تدمر 287 طائرة مسيرة أوكرانية ليلا فوق مناطق عدة    مورينيو يكشف أسباب فوز بنفيكا على نابولي في دوري الأبطال    إخلاء سبيل والدة الطالب المتهم بمعاشرة شقيقته القاصر في المرج    في أول أيام عرضه، "الست" يحقق هذه الإيرادات بالسينمات أمس    حالة الطقس في الكويت اليوم الخميس 11 ديسمبر 2025    ماسك يتحدث عن إلهان عمر وممداني والجحيم الشيوعي    مجلس النواب الأمريكي يصوّت بالأغلبية لصالح إلغاء قانون عقوبات "قيصر" ضد سوريا    DC تطرح أول بوستر رسمي لفيلم Supergirl    إسلام الكتاتني يكتب: الحضارة المصرية القديمة لم تكن وثنية    قرار جديد ضد المتهم بالتحرش بفنانة شهيرة في النزهة    ناسا تفقد الاتصال بالمركبة مافن التي تدور حول المريخ منذ عقد    سلوى عثمان: أخذت من والدتي التضحية ومن والدي فنيًا الالتزام    دعاء الفجر| (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين)    التحقيق مع شخص يوزع بطاقات دعائية على الناخبين بالطالبية    لأول مرة بمستشفى سامول، جراحة ناجحة لإزالة ورم 10×10 سم دون استئصال الرحم    توقيت أذان الفجر اليوم الخميس 11ديسمبر 2025.. ودعاء مأثور يُقال بعد الانتهاء من الصلاة    تصعيد سياسي في اليمن بعد تحركات عسكرية للمجلس الانتقالي    التحضير لجزء ثانٍ من مسلسل «ورد وشوكولاتة»    التعادل الإيجابي يحسم مباراة بروسيا دورتموند وبودو جليمت    أرسنال يسحق كلوب بروج بثلاثية خارج الديار    "شغّلني" تُطلق مشروع تشغيل شباب الصعيد بسوهاج وقنا    التعاون الإسلامي: تُدين خطط الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية وتدعو المجتمع الدولي للتحرك    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 11ديسمبر 2025........مواعيد الأذان في محافظة المنيا    لماذا تجدد أبواق السيسى شائعات عن وفاة مرشد الإخوان د. بديع بمحبسه؟    بانا مشتاق: إبراهيم عبد المجيد كاتب مثقف ومشتبك مع قضايا الناس    سلمان خان وإدريس إلبا وريز أحمد فى حفل جولدن جلوب بمهرجان البحر الأحمر    منتخب مصر يواصل تدريباته بمركز المنتخبات الوطنية استعدادا لأمم إفريقيا (صور)    كرة طائرة - خسارة سيدات الزمالك أمام كونيجيليانو الإيطالي في ثاني مواجهات مونديال الأندية    البنك المركزي: معدل التضخم الأساسي السنوي يسجل 12.5% في نوفمبر 2025    الخطر الأكبر على مصر، عصام كامل يكشف ما يجب أن تخشاه الدولة قبل فوات الأوان (فيديو)    "امرأة هزت عرش التحدي".. الموسم الثاني من مسابقة المرأة الذهبية للمركز الإفريقي لخدمات صحة المرأة    القبض على شخص اقتحم مدرسة بالإسماعيلية واعتدى على معلم ب "مقص"    المتهم بتجميع بطاقات الناخبين: «كنت بستعلم عن اللجان»    الرفق بالحيوان: تخصيص أرض لإيواء الكلاب الضالة أحد حلول انتشار هذه الظاهرة    "جنوب الوادي للأسمنت" و"العالمية للاستثمار" يتصدران ارتفاعات البورصة المصرية    4 فوائد للملح تدفعنا لتناوله ولكن بحذر    أعراض اعوجاج العمود الفقري وأسبابه ومخاطر ذلك    انتبهي إلى طعامك خلال الأشهر الأولى من الحمل.. إليك قائمة بالمحاذير    مستشار وزير الثقافة: إدارج "الكشري" في قائمة تراث اليونسكو يمثل اعترافًا دوليًا بهويتنا وثقافتنا    أستاذ علوم سياسية: المواطن استعاد ثقته في أن صوته سيصل لمن يختاره    ضبط شاب ينتحل صفة أخصائى علاج طبيعى ويدير مركزا غير مرخص فى سوهاج    البابا تواضروس يهنئ الكنيسة ببدء شهر كيهك    التعادل السلبي يحسم موقعة باريس سان جيرمان وأتلتيك بلباو    ساوندرز: ليفربول ألقى صلاح تحت الحافلة؟ تقاضى 60 مليون جنيه إسترليني    الأرقام تكشف.. كيف أنقذ صلاح ليفربول من سنوات الفشل إلى منصات التتويج.. فيديو    ترامب: الفساد في أوكرانيا متفشٍ وغياب الانتخابات يثير تساؤلات حول الديمقراطية    الزوامل والتماسيح: العبث البيئي وثمن الأمن المجتمعي المفقود    "الصحة" تكشف عن الفيروس الأكثر انتشارا بين المواطنين حاليا    الأوقاف تختتم فعاليات المسابقة العالمية الثانية والثلاثين للقرآن من مسجد مصر الكبير بالعاصمة    حاسوب القرآن.. طالب بكلية الطب يذهل لجنة التحكيم في مسابقة بورسعيد الدولية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ذكرى يناير..ياسر رزق وسنوات الخماسين.. كيف كان اللقاء الأول مع اللواء أركان حرب عبدالفتاح السيسي؟|عروض كتب
نشر في صدى البلد يوم 25 - 01 - 2022

بلغة أدبية بديعة قدم الكاتب الصحفي الكبير ياسر رزق كتابه الجديد "سنوات الخماسين.. بين يناير الغضب ويونيو الخلاص" والذي يعد الجزء الأول من ثلاثية "الجمهورية الثانية" والتي لا يقدم من خلالها رزق تأريخًا لوقائع عاصرناها بل يقدم رصد لوقائع مرحلة الانتقال الأولى، وتحديدًا حين تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة البلاد.
ينتقل رزق في كتابه باللغة إلى آفاق جديدة، حيث يتخلص من اللغة الصحفية "الجامدة" ليقدم مادة ثرية بأسلوب لا
يمكن وصفه سوى أنه "أدبي بامتياز" إذ يسهب في شرح تفاصيل ربما لا يعلمها الكثيرون عن تلك الفترة الحرجة في تاريخ مصر الحديث، ويتتبع الظروف المحيطة بالوطن خلال سنوات "الخماسين".

اللقاء الأول
يحكي رزق في كتابه عن تفاصيل اللقاء الأول الذي جمعه باللواء أركان حرب عبد الفتاح السيسي، إذ يرجع ذلك اللقاء إلى شهر مارس من عام 2011، وذلك عندما دعاه اللواء محمد سعيد العصار مساعد وزير الدفاع والعضو البارز بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة من خلال مكالمة تليفونية للمشاركة في لقاء ينعقد بعدها بيومين، أسماه لقاء "4+4 "، أي بحضور 4 من رجال الفكر والسياسة والكتاب و4 من أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة وأبلغ العصار رزق أن الهدف من اللقاء هو عرض دور المجلس في إدارة شئون البلاد بعد تنحى الرئيس حسني مبارك يوم 11 فبراير، وتبادل الرؤى والأفكار حول أولويات المرحلة المقبلة، بعد الاستفتاء على التعديلات الدستورية.
يقول رزق كان اللواء العصار معروفاً بصلاته الوثيقة بالمؤسسات العسكرية في الخارج، خاصة البنتاجون، ذلك لأنه كان مسئولاً عن ملف تسليح الجيش حينما كان رئيساً لهيئة التسليح، ثم تولى بعد ذلك ملف العلاقات العسكرية الخارجية وقبيل هذه الدعوة، كنت حضرت عدة لقاءات مع أعضاء بالمجلس الأعلى من القادة الذين استدعوا للخدمة وضموا إلى المجلس للاستنارة بخبراتهم في هذه المهمة العويصة والطارئة على الجيش وهي إدارة شئون البلاد.
ذهب رزق في الموعد المحدد إلى مكان اللقاء بفندق "تريومف" بشارع الخليفة المأمون، وهو تابع لإدارة المخابرات الحربية، وكان معه من الكتاب والمثقفين الأربعة، الشاعر فاروق جويدة والدكتور عمرو الشوبكي المحلل السياسي والدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية. ومن جانب المجلس الأعلى شارك في اللقاء اللواء العصار، واللواء محمود حجازي رئيس هيئة التنظيم والإدارة، واللواء طارق المهدي مساعد وزير الدفاع ورئيس الأركان السابق للدفاع الجوى، واللواء عبدالفتاح السيسي مدير إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع.
فضول صحفي
يشرح رزق تفاصيل هذا اللقاء الذي جمعه باللواء أركان حرب عبدالفتاح السيسي إذ أعجبه هذا الرجل الذس التقاه لأول مرة في هذه الجلسة، فقد أعجب رزق بأفكاره والكم الهائل من التحليلات التي يقدمها خلال الجلسة يقول: كنت أعرف ثلاثة من رجال المجلس الأعلى، التقيت بهم في مناسبات مختلفة واحتفالات عديدة بحكم عملي سنوات طويلة كمحرر عسكرى لجريدة "الأخبار" منذ نهاية الثمانينيات لكنها كانت المرة الأولى التي التقى فيها باللواء أركان حرب عبدالفتاح السيسي، برغم 23 عاماً أمضيتها حتى ذلك الحين في تغطية الأحداث والشئون العسكرية. وكان حظي أن أجلس إلى يمين اللواء السيسي خلال اللقاء الذي بدأ بحديث عام للواء العصار، ثم اللواء حجازي، فاللواء المهدي، بينما كان اللواء السيسي صامتاً هادئاً، منكباً على أوراقه يطالعها في أجندة أمامه على المائدة. وككل الصحفيين.. أخذت أطل على أجندة مدير المخابرات الحربية واختلس النظر إليها، ويبدو أن اللواء السيسي لاحظ إطلالاتي الشغوفة نحو أوراقه، فارتسمت على شفتيه ابتسامة خفيفة، فقلت له في خجل: إنه الفضول الصحفى وليس التلصص..! أنصت إلى أحاديث القادة الثلاثة، بينما تركت عيني تتفرسان في القائد الرابع. لم يكن اسمه غريباً على مسامعى ولا مسيرته العسكرية، وكنت قابلته مرات في مصافحات سريعة، لكني لم أجلس إليه أبدأ قبل هذا اللقاء.
ثقافة رفيعة
يضيف: بدا لي السيسي أكثر شباباً من حقيقة عمره، وكأنه أصغر عشر سنوات من زميليه المقاربين له في السن، اللواء حجازي واللواء مهدي. وعندما شرع السيسي في الكلام، وطلب أن يعطى 45 دقيقة ليتحدث فيما يريد ويشرح ما يعتقد في أهمية تفاصيله، وبعدها يستمع إلى الأسئلة التي نرغب في الحصول على إجابات لها. تكلم السيسي بنبرات هادئة واثقة متزنة، تنطق بقوة شخصية، وأفصح كلامه عن عقلية منظمة مرتبة وعن أفكار ذات مقدمات منطقية، وتصورات تستند إلى رؤى واقعية.
ما لفت نظر رزق وقتها هو إلمام السيسي غير المحدود بالأوضاع في مصر، والأزمات التي نعيشها قبيل الثورة بسنوات وما بعدها، ثم توقعاته لمجريات الأحداث وتداعياتها في المستقبل القريب. ورغم الصورة التي ظهرت معالمها قاتمة إلى حد كبير، بالأخص في جانبي الصحة والتعليم والمخصصات المالية الهائلة المطلوبة للنهوض بهما، كان السيسي متفائلا بقدرة مصر على نفض هذه العوائق، والنهوض والانطلاق بالبلاد إلى حيث يجب أن تكون. كان السيسي يتكلم وكنت أطل على النقاط التي دونها في مفكرته بالألوان الزرقاء والخضراء والحمراء، ولاحظت أن خط يده واضح وصريح وان حروف كتاباته منمقة وأنيقة. أبحر السيسى بنا بين شواطئ عدة داخلياً وخارجياً، مرتكزاً على أرقام وبيانات دقيقة توافرت له بحكم عمله، وكان يطل أحيانا على التاريخ متقصياً جذور بعض القضايا والموضوعات، واكتشفت وزملائي أنه يتمتع بثقافة رفيعة، معجونة بولع بتاريخ مصر ووعى بذروات مجدها، وعرفت في عجالة أنه من أبناء منطقة الجمالية بالأزهر في قلب القاهرة الفاطمية.

فرص ضائعة

ويكمل حديثه ويقول: يصعب أن تنظر في عيني السيسي إلا للحظة واحدة، تكفيك أن تعرف صلابة عزم هذا الرجل ذي العينين العميقتين والنظرات السديدة نحو مراميها. بدا السيسي مؤمناً بمستقبل زاهر لمصر، وكنت لا أجد سنداً قوياً له على أرض الواقع يعزز هذا الإيمان، إلا الثقة الكاملة في عبقرية شعب مصر. وبدت عاطفة السيسي جياشة، وكأنه زعيم وطني قفز من صفحات تاريخ القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين إلى قلب الواقع في مستهل القرن الحادي والعشرين. أخذت أتفكر في كلام السيسى وسرده لما تعرضت له مصر منذ عدوان 1967، وما تحقق لها بنصر أكتوبر 1973، ثم انتهاء حكم السادات باغتياله على يد الجماعات المتطرفة، وتقييمه لما جرى في عهد مبارك والفرص التي ضاعت على البلاد في 30 عاما مضت. ثم انتقل من سرده إلى تحليل ما جرى في السنوات العشر الأخيرة لحكم مبارك، ومقدمات ثورة يناير.
استبصار مستقبل
وطرح السيسي رؤيته لما هو متوقع إذا تركت الأمور في مسارها الخطر الذي يهدد بكارثة، ثم عرض بوضوح ما هو مطلوب من كل فئة في المجتمع، وما هو منشود من القوى السياسية والجهات الاقتصادية وركز بصفة خاصة على وسائل الإعلام والإعلاميين. وبدا السيسي ملماً بخريطة الحكم والسلطة في مصر ومدركا لأهمية دور مؤسسات الدولة المختلفة مع القوات المسلحة في احتضان دعائم الدولة ومنعها من التداعي، حتى يمكن اجتياز المرحلة الانتقالية واختتامها بتسليم الحكم إلى السلطة المدنية المنتخبة التي يرتضيها الشعب وهي البرلمان والرئيس. أثناء حديث السيسي، قاطعه أحد الأساتذة الحاضرين بحفنة أسئلة، لا معنى لها ولا جدوى -في رأيي- سواء من الجانب السياسي أو الإعلامي، ووجدتها محاولة لتقديم الذات إلى مجموعة من الحكام الجدد أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة ولم أستطع منع نفسي من أن أقاطع الأستاذ الجامعي، وأن أطالبه بإدخار أسئلته لوقتها، وبعدم إخراج المتحدث عن تركيزه وتسلسل أفكاره ومعلوماته، التي بالقطع يتشوق إليها الجميع سواء كرجال سياسة أو صحافة. وحينما جاء أوان الأسئلة. سأل كل منا عما يريد من إيضاحات، وعما يعن من استفسارات، ولم يبخل أحد من أعضاء المجلس الحاضرين بالإجابات، دون إعطاء بعض تفاصيل عما لم يحن الوقت بعد للكشف عنه. ولم يتعلل أعضاء المجلس بأعذار عن أخطاء ارتكبت في الأسابيع الأولى التوليه مسئولية إدارة شئون البلاد.. بل اعترفوا بصراحة بالأخطاء، وأرجعوها إلى نقص خبرتهم بشئون السياسة والحكم المدني. له ووجدت نفسي أقترح على الحضور الالتقاء بمن وصفته ب "شخصية هي الأهم في الصحافة العربية والأقدر على التحليل واستبصار مستقبل الأحداث من بين المفكرين ورجال السياسة، بحكم قدراته الخاصة واقترابه اللصيق من دوائر الحكم منذ الحرب العالمية الثانية"، وقلت إن هذه الشخصية هي أفضل من يفيد المشير طنطاوي وأعضاء المجلس في تقديم الخبرة والمشورة السياسية.
انبرى اللواء محمد العصار ضاحكا وهو يقول: "طبعا، أول حرف من اسم هذه الشخصية هو الأستاذ محمد حسنين هيكل! "لاحظت وجه اللواء السيسى يحمر بزملائه في لمحات خاطفة. اعتقدت وقتها أن أعضاء المجلس الحاضرين أو غيرهم، قد التقوا بالأستاذ هيكل واستمعوا إليه، وفيما بعد تأكدت أن اعتقادي كان سليماً، وأن المشير وأعضاء المجلس، وفي مقدمتهم السيسي يكنون احتراماً شديداً للكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، أو "الأستاذ" كما نسميه نحن من أهل الصحافة، وكما صار اسمه لدى كبار قادة القوات المسلحة.. وعرفت أن اللواء السيسي جلس إليه عدة مرات، منها جلسة استمرت 6 ساعات كاملة، وأن الأستاذ جلس إلى المشير طنطاوى عدة مرات.

هيكل والمشير
علمت أن في أول لقاء قال المشير لهيكل: "قل لي يا أستاذ ماذا نفعل؟".. فرد عليه هيكل: "قل لي أولا يا سيادة المشير ما الذي تقدر عليه وما الذي لا تستطيعه، حتى أقول لك ماذا تفعل؟!" .. وكان كلام هيكل هو رأس الصواب وعصير الحكمة، في ذلك الوقت وفي أي وقت.
أثناء نزولي من الدرج العالي لمدخل فندق "تريومف"، سألت صديقي القديم الدكتور عمرو الشوبكي: ما رأيك؟ فبدأ يتحدث عن خارطة الطريق التي وضعها المجلس الأعلى للقوات المسلحة للمرحلة الانتقالية، وكان رأيي الخاص أن هذه الخريطة هي رفع لبناء من قبل إرساء الأساس، لكني قلت للشوبكي: أسالك عن رأيك في الرجل وفهم الدكتور عمرو مقصدي قائلا: تقصد اللواء السيسي..؟! وأخذت أنا وعمرو نتبارى في سرد مناقب هذا القائد الشاب الهادي المثقف المتزن، المفعم بالوطنية، وصاحب الرؤية السياسية والاقتصادية الواضحة. وقلت للشوبكي: هذا الجنرال الشاب هو طبعة حديثة عصرية من الجنرالات العظام في تاريخ العسكرية المصرية.. وأظن طريقه نحو قمة المناصب العسكرية، هو "أوتوستراد" متسع..!
إعجاب متبادل
يحكي ياسر رزق أنه طوال طريق عودته إلى مكتبه كان يسأل نفسه ويقول: "لماذا لا نجد شخصية كهذا الرجل على رأس سلطة الحكم في مصر .. ولكن كيف هو السبيل؟" بعد أسابيع من هذا اللقاء عرفت قصة الجنرال الشاب، وتقدير الموقف الذي توصل إليه تنبأ بثورة 25 يناير، وعندما سألت حينئذ اللواء السيسي عن تلك القصة ولقائه يومها بالمشير طنطاوي اكتفى بأن أكد صحتها. في الليل وعقب انتهاء لقاء (4+4)، اتصلت برجلين من أعز من عرفت من رجال، هما الأستاذ هيكل والفريق عبدالعزيز سيف الدين. إذ عرفت "الأستاذ" هيكل منذ صباي عبر مقالاته ومؤلفاته التي هي بحق سجل تاريخ مصر والمنطقة العربية على الأقل في النصف الثاني من القرن العشرين. ثم تعرفت عليه عام 1999، حينما فاز بجائزة نقابة الصحفيين التقديرية التي دشنتها النقابة لأول مرة في ذلك العام كتقليد نقابي جديد، وكنت حينئذ عضواً بمجلس النقابة ومسئولاً عن جوائز النقابة الصحفية. غير أن علاقتي بالأستاذ توثقت للغاية منذ الأيام التي سبقت ثورة 25 يناير، وما بعدها، بعد أن توليت منصب رئيس تحرير "الأخبار" وقبلها كنت أتلقى عبارات إشادة وثناء منه عن طريق تلامذة له وأصدقاء لى، على جهودي في مجلة الإذاعة والتليفزيون التي ترأست تحريرها منذ أغسطس 2005 وحتى فبراير 2011 منذ ذلك الحين وحتى رحيل الأستاذ 16 فبراير 2016 لم يفت أسبوع إلا وكنت ألتقى بالأستاذ هيكل في مكتبه، وأحيانا أتناول معه الطعام في منزله بالشقة الملاصقة لشقة المكتب في الجيزة المطلة على نهر النيل، أو كنت أزوره وأجلس إليه في عزبته ب "برقاش" التي شهدت رسم جانب من تاريخ مصر والمنطقة، في لقاءات مع عبدالناصر والسادات أو زعماء العالم ومنهم الرئيس الأمريكي نيكسون ووزير خارجيته كيسنجر . وفي الصيف، اعتدت أن أذهب إليه في فيلا المصيف الخاصة به في قرية "الرواد" بالساحل الشمالي، إما منفرداً أو مع صديقي العزيز وتلميذه الكاتب الكبير عبدالله السناوي. صارت علاقتي بالأستاذ أقوى من علاقة تلميذ شغوف بأستاذ لا نظير له، وأقرب إلى علاقة ابن بأبيه الحنون والحكيم والسند. قلت للأستاذ هيكل في المكالمة عقب لقاء فندق "تريومف"، موجزاً شديداً لما جرى ودعاني إلى لقاء بمكتبه في اليوم التالي، لنتحدث بالتفاصيل وظهر اليوم التالي ذهبت إلى مكتب الأستاذ، وجلست إليه أمام مكتبه الذي ترتفع من خلفه على الحائط، خريطة تاريخية لمصر، لعلها رسمت في عصر الرومان. قلت للأستاذ ما عندي من أخبار ومعلومات وانطباعات وكشفت له عن انطباعي عن اللواء السيسي، ووجدت الأستاذ يبادلني نفس الانطباع، وعرفت منه أنه كان يطلب من المشير طنطاوي أن يحضر لقاءهما معا، الجنرال الشاب "ذو العينين الذكيتين" تشجعت بكلام "الأستاذ" وقلت له: "تصور أن إعجابي بهذا الرجل وصل إلى أني تمنيت أن يصل إلى سدة الحكم"! لمعت عينا الأستاذ هيكل، بتلك اللمعة التي لم أشهدها عند غيره، والتي تكشف عن معجون ذكاء بدهاء بخبرة بحكمة بجاذبية بخفة ظل! ثم قال لي في عجلة: "احتفظ بأمنياتك لنفسك، واوعى تكون فاتحت أحداً من أصدقائك الجنرالات أو من زملائك، بهذا الأمل أو الأمنية، إذا كنت تحب هذا الرجل وتعتقد في قدراته ووطنيته". بعد ذلك ربما بأسابيع أو شهور عرفت من هنا ومن هناك معلومات تكشف لى عمق العلاقة التي جمعت اللواء السيسي ب "الأستاذ"، وتوثقت أكثر فأكثر حتى رحيل الأستاذ هيكل.
آراء سديدة
يقول ياسر رزق أنه علم فيما بعد أن اللواء عبدالفتاح السيسي من أشد المعجبين بمقالات الأستاذ ورؤاه وأفكاره، وأنه طالع جميع مؤلفاته أكثر من مرة. وحينما تولى السيسي منصب وزير الدفاع، لم يتردد في أن يفصح لي في حواره الأول للصحافة الذي اختصني به حينما كنت رئيساً لتحرير "المصري اليوم" عن اسم كاتبه المفضل وهو الأستاذ محمد حسنين هيكل. ولم يتردد حينما أصبح رئيساً للجمهورية في أن يقول في أحد حواراته معى وزميلي رئيسي تحرير الأهرام والجمهورية أن الكاتب الذي طالع كل مؤلفاته هو الأستاذ محمد حسنين هيكل، وحتى في اللقاءات العامة بعد رحيل الأستاذ. كان الرئيس السيسى يبادر بالترحم على هيكل، كلما جاءت مناسبة، معدداً مناقبه ككاتب ومفكر افتقدناه وافتقدنا إخلاصه وآراءه السديدة.
إعجاب شديد
ظهر نفس اليوم جمعتني مكالمة مطولة بالفريق عبدالعزيز سيف الدين الرجل الثالث في المجلس العسكري وقائد قوات الدفاع الجوى وأحد رموز العسكرية المصرية الحديثة ممن يحظون بالاحترام ويتمتعون بنزاهة الرأي والقصد والنفس. كان الحديث منصباً على لقاء الليلة السابقة بفندق "تريومف"، وتطرقت إلى شخصية اللواء السيسي، وأبديت إعجابي الشديد به. ولم يبخل الفريق سيف الدين في إسباغ الثناء على اللواء السيسي وشخصيته وفكره وقدراته القيادية. واتفقت مع الفريق سيف الدين أن التقيه في أقرب وقت، وقال لي: "سوف أدعو اللواء عبدالفتاح معنا". وأبديت سعادتي، متطلعاً لهذا اللقاء. منذ ذلك الحين.. وعقب هذا اللقاء الذي تم في دار الدفاع الجوى، تعددت لقاءاتي إما منفرداً أو بصحبة عدد محدود من الزملاء مع اللواء السيسي في فندق "تريومف" وفي مقر المخابرات الحربية بالقيادة المشتركة، وزادت معها قناعتي التي وقرت في وجداني منذ اللحظة الأولى. التقيته مرات عديدة في مقابلات خاصة وأخرى صحفية بمقر الأمانة العامة لوزارة الدفاع حينما أصبح قائداً عاماً، ثم في فندق الماسة حينما كان مرشحاً للرئاسة عام 2014 ، ثم في مقر رئاسة الجمهورية بقصر "الاتحادية" بعدما أصبح رئيساً للجمهورية اعتباراً من 8 يونيو 2014.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.