لم يكن التكهن بنتيجة الكثير من الانتخابات الرئاسية الإيرانية صعبا بقدر صعوبة الانتخابات المقبلة لكن الأيام القادمة ستحدد على الأقل من سيتنافس في الانتخابات المقررة في 14 يونيو والتي يبدأ التسجيل لها اليوم الثلاثاء وحتى يوم السبت. غير أن الشيء الأكيد هو أن الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي الذي يستحوذ على السلطة المطلقة منذ 24 عاما يريد تجنب الاحتجاجات الحاشدة التي شهدتها البلاد احتجاجا على نتائج انتخابات فاز فيها محمود أحمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية في 2009 وكذلك تفادي المزيد من الصراعات بين حلفاء الرئيس المنتهية ولايته وبين أنصاره المحافظين وهي أجواء اتسمت بها الفترة الثانية لأحمدي نجاد. وقال دبلوماسي غربي مقيم في طهران "القيادة الإيرانية متوترة جدا حتى إذا لم يكن هناك داع لذلك. كانت انتخابات 2009 إراقة كبيرة لماء وجه المؤسسة وهم قلقون من تكرار ذلك"، وأضاف "بدلا من وضع الثقة في الشعب.. وضعوا ثقتهم في كل أشكال الإجراءات الأمنية." وأعلن بعض المرشحين أنهم سيسجلون أسماءهم للجولة الأولى من السباق الانتخابي الذي يبدأ خلال ستة أسابيع. لكن كثيرين ممن يتمتعون بأقوى الفرص ما زالوا يتلكأون ويبحثون كافة الاحتمالات واضعين الرأي العام نصب أعينهم وأيضا مجلس صيانة الدستور الذي يمكن أن يرفض أي مرشح إلى حين نشر قائمة رسمية يوم 23 مايو ايار تقريبا. وفي ظل قمع الجماعات الإصلاحية بشكل كبير على مدى السنوت الأربع الماضية فإن الحملة الانتخابية قد لا تعكس جوانب كبيرة من الجدل الدائر بين الإيرانيين حول كيفية إنعاش الاقتصاد الذي يعاني من العقوبات الغربية أو حول السياسة الخارجية والبرنامج النووي الذي يثير قلقا دوليا. وقال الدبلوماسي المقيم في طهران "هناك افتقار للنقاش السياسي.. افتقار للحديث عن الضرائب أو الاقتصاد أو العلاقات مع الدول المجاورة." حصل أحمدي نجاد -الذي لا يمكنه ترشيح نفسه لفترة ثالثة- على 62 في المئة من الأصوات من الجولة الأولى للانتخابات التي نافسه فيها ثلاثة مرشحين عام 2009 مما أثار مزاعم بالتلاعب وأشعل أكبر احتجاجات منذ قيام الثورة الإسلامية التي أطاحت بالشاه عام 1979. وإذا لم يحصل أي مرشح على أكثر من 50 في المئة فإن جولة الإعادة تجري بعد أسبوع. ورغم أن القانون يحظر على احمدي نجاد (56 عاما) الترشح مرة أخرى فإن خصومه من المحافظين أمثاله الملتزمين بمقاومة أي تخفيف للمباديء المؤسسة للدولة الإسلامية يخشون أن يدعم مرشحا -ربما يكون مساعده المقرب اسفنديار رحيم مشائي- للاحتفاظ بنفوذه حتى رغم اعتراض خامنئي. قالت ياسمين عالم وهي خبيرة في النظام الانتخابي الإيراني "على النقيض من الجيل الأول من النخبة الثورية التي التزمت بالقواعد فإن مجموعة احمدي نجاد كانت تتحرك دوما ضد خطوط النظام الحمراء بل وتتحدى أحيانا سلطة الزعيم الأعلى.، وأضافت التي تقيم في الولاياتالمتحدة "الطموح يتقدم عندهم على الولاء لمباديء النظام." ويرى محللون ودبلوماسيون أن خامنئي يعول على تحالف موال له يضم مستشاره علي أكبر ولايتي وحليفا آخر هو غلام علي حداد عادل ورئيس بلدية طهران محمد باقر قاليباف على أمل الفوز في انتخابات سلسة سريعة، لكن لم يتم الإعلان بعد عن المرشح النهائي لهذا التحالف في مؤشر على أنهم ما زالوا يبحثون تفاصيل السباق. كما لا تزال نوايا رؤساء سابقين مثل هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي غير واضحة. وكلاهما عازفان فيما يبدو عن الترشح ما لم يحصلا على مباركة خامنئي لكنهما لم يستبعدا في الوقت نفسه مسألة الترشح. ونقلت وكالة مهر للانباء عن رفسنجاني قوله "لن أدخل السباق دون موافقته... فلو أثارت الظروف صراعات ونزاعات بيني وبين الزعيم فسنخسر جميعا." كان رفسنجاني رئيسا للبلاد خلال الفترة من 1989 إلى 1997 وخلفه خاتمي حتى عام 2005. ولا يزال خاتمي يتمتع بشعبية كبيرة خاصة بين أبناء الطبقات الوسطى التي ليس لها مرجعية دينية والناخبين من جيل الشباب. وقال مستشار لوسائل التواصل الاجتماعي في طهران يعمل في حملة إصلاحية "خاتمي هو من يحظى قطعا بأكبر شعبية... الجميع ينتظر رده. فريق عمل قاليباف وولايتي يتصلون بمكتبه باستمرار لمعرفة ما إذا كان سيرشح نفسه." وتم تهميش كل من رفسنجاني وخاتمي منذ عام 2009 كما أن ارتباطهما بالزعيمين الإصلاحيين مير حسين موسوي ومهدي خروبي -اللذين خسرا الانتخابات أمام احمدي نجاد في 2009 وفرضت عليهما الإقامة الجبرية في المنزل لأكثر من عامين- أثار انتقادات شديدة من المحافظين. كما يعتزم هوشانك أمير أحمدي -وهو أكاديمي يعيش في الولاياتالمتحدة- المشاركة في الانتخابات للدعوة إلى الإصلاح الاقتصادي وإنهاء المواجهة مع واشنطن لكنه قال إن المسؤولين حاولوا إثناءه عن الترشح. وقال لرويترز في نيوجيرزي حيث يعمل استاذا للعلوم السياسية في جامعة رتجرز "كنت في طهران قبل اسبوعين وطلبوا مني أن أبقى بعيدا."أضاف "قالوا إن سلامتي في خطر. إنهم متوترون فعلا وهذا يدهشني."