يواجهه العالم العديد من التحديات المجتمعية الرهيبة، والتي تتطلب قفزات جريئة وخلاقة لمواجهتها، ولن يتم ذلك إلا من خلال خلق بيئة يزدهر بها الابتكار المفتوح، ويدعمه التعاون الحيوي والمتكامل بين الصناعات والمؤسسات والحكومة والمجتمع العلمي، ومن أجل ذلك الهدف الإستراتيجي والحاسم، نقدم لكم الجزء الثاني من سلسلة المقالات تحت عنوان ريادة الدول في مؤشر الإبتكار العالمي، والتي تمثل قراءة للتقارير السنوية للمؤشر، والصادرة من المنظمة العالمية للملكية الفكرية (وايبو) التابعة للأمم المتحدة، وذلك نظرا لما تمثله هذه التقارير من أهمية في فهم أعمق لمفهوم الإبتكار، وكيفية تحفيز الأنشطة الإبتكارية وقياسها، حيث عرضنا في الجزء الاول تعريف الإبتكار وأهميته في التنمية الإقتصادية والبشرية، وإليكم الجزء الثاني: الجزء الثاني: تعريف بمؤشر الإبتكار العالمي وأهميته، وكيف يعمل على قياس وتقييم أداء الدول. بدأ مؤشر الإبتكار العالمي منذ عام 2007 من خلال تقديم المقاييس والأدوات اللازمة للاستفادة بشكل أفضل من ثراء الابتكار في المجتمعات وتجاوز مقاييس الابتكار التقليدية مثل عدد المقالات البحثية ومستوى الإنفاق على البحوث والتطوير، حيث يعد منذ ذلك الحين مرجعًا رائدًا لقياس وتحسين أداء الابتكار في الدول، ومعيارًا عالميًا يساعد الحكومات ورجال الأعمال والصناعة والعلماء والباحثين على تقييم تقدم ابتكاراتهم على أساس سنوي، وفهم أفضل لكيفية تحفيز النشاط الابتكاري الذي يقود التنمية الاقتصادية والبشرية، وبناء وتوجيه سياسات الإبتكار وتقييم أداءها وإبراز الممارسات الجيدة التي تعزز الابتكار، حيث يخلق مؤشر الابتكار العالمي بيئة تخضع فيها عوامل الابتكار للتقييم المستمر. ينظر مؤشر الإبتكار العالمي إلى سياسات الابتكار الفعالة من أجل التنمية، ويظهر لواضعي سياسات الاقتصاد الناشئ طرقًا جديدة يمكن من خلالها تعزيز الابتكار وتحفيز النمو من خلال البناء على نقاط القوة المحلية وضمان تطوير بيئة ابتكار وطنية سليمة، وتعزيز فرص الابتكار المحلية مع التغلب على نقاط الضعف الخاصة بكل بلد، حيث تسعى البلدان ذات الدخل المرتفع والبلدان النامية على حد سواء إلى النمو المدفوع بالابتكار من خلال انتهاج استراتيجيات مختلفة، فتعمل بعض البلدان بنجاح على تحسين قدرتها على الابتكار، بينما لا يزال البعض الآخر يتقدم بصعوبة. ويوفر مؤشر الإبتكار العالمي أداة رئيسية وقاعدة بيانات غنية بالمقاييس التفصيلية حول أداء الابتكار على مستوى 131 دولة حول العالم، ويقدم ملف مفصل لكل دولة متضمنا البيانات والترتيب ونقاط القوة والضعف وفرص التحسين، ومؤشرات لمعلومات استراتيجية توضح أين تكمن أكبر تحديات الابتكار، من خلال 80 مؤشرًا من أكثر من 30 مصدرًا دوليًا عامًا وخاصًا، بدءًا من القياسات التقليدية مثل الإنفاق المحلي على البحوث والتطوير وطلبات براءات الاختراع والعلامات التجارية الدولية إلى المؤشرات الأحدث مثل الإبداع عبر الإنترنت بما في ذلك إنشاء تطبيقات الهاتف المحمول، وصافي صادرات التصنيع عالي التقنية، بالإضافة إلي مؤشرات الاستقرار السياسي والسلامة، وفاعلية الحكومة وجودة السياسات، وتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، ونشر المعرفة، وصادرات وورادت خدمات تكنولوجيا المعلومات والسلع الإبداعية والتكنولوجية، ومدفوعات الملكية الفكرية، وكفاءة القوى العاملة، والإنفاق على التعليم والبنية التحتية، وإنشاء وتطور الأعمال الجديدة، وعدد طلبات البراءات الدولية والنشر العلمي كمؤشر لكثافة النشاط الإبتكاري، وأيضا حالة تمويل الابتكار من خلال التحقيق في تطور آليات التمويل لرواد الأعمال والمبتكرين الآخرين. كما يقدم منهجية حساب مدققة لكل تصنيف من مؤشرات (الإبتكار، والمخرجات، والمدخلات) وتحليل العوامل التي تؤثر على التغييرات السنوية في التصنيف، مثل تأثير التباطؤ الاقتصادي الناجم عن أزمة إنتشار فيروس كورونا، بالإضافة لعرض أحدث إتجاهات الإبتكار العالمية. كما يكشف المؤشر دور العامل البشري الذي يعتبر الشرارة الرئيسية للابتكار، وكيف أن العامل البشري يحدد بصورة جزئية من سيظل في قمة ريادة الإبتكار في العالم، حيث يُظهر المؤشر أن المواطنين الأفضل تعليماً في الدول ذات الدخل المرتفع أكثر نجاحًا في الاستفادة من الآليات المتوفرة لدفع الابتكار، وكيف أن تقدم البلدان في مستوى تطور الابتكار يجعل جودة مواهبها في العلوم والهندسة وأيضًا في الأعمال والإدارة أكثر أهمية وتأثيراً، وأن بعض الاقتصادات الناشئة الكبيرة تقدم أداء ابتكاريًا متباينًا من حيث التعليم كجزء من تكوين رأس المال البشري، مما جعل دولة الصين تحتل المركز الأول بين البلدان ذات الدخل المتوسط، من خلال بذل جهودًا واضحة للحفاظ على جودة مواردها البشرية وتحسينها من خلال التعليم والتعلم مدى الحياة. كما يلقي المؤشر الضوء على الجوانب المختلفة لرأس المال البشري المطلوب لتحقيق الابتكار، بما في ذلك العمالة الماهرة؛ والعلاقة الوثيقة بين رأس المال البشري والمالي والتكنولوجي؛ والإستعانه بذوي الخبرات والمتعلمين تعليما جيدا، وجذب والاحتفاظ بالموهوبين، والتأكيد على الاهتمام المتزايد الذي تبديه الشركات والحكومات حاليا في تحديد وتنشيط الأفراد والفرق المبدعة والقادرة على تحفيز الإبتكار والتي يمكنها الإستثمار بنجاح في التكنولوجيا والمساعدة في سد الفجوة بين البحوث والنجاح التجاري، إذا تم توفير المناخ المناسب لهم. ويمكن للدول التي تتصدر الترتيب الإقليمي في المؤشر أن تكون بمثابة نماذج لسياسات الابتكار الجيدة بشرط توافر مؤسسات قوية تساعد على تحفيز مستويات أعلى من التنمية المدفوعة بالابتكار، ويعتبر تقرير مؤشر الابتكار العالمي بمثابة حافز للبلدان على التعلم من بعضها البعض والعمل المشترك على خلق بيئة تمكينية تعزز الإبتكار المفتوح والفعال. بالإضافة لقيام المؤشر بتصنيف قدرات ونتائج الابتكار لدول العالم، فإنه يوفر أيضًا رؤية واسعة وقيمة للابتكار تنطبق على الدول المتقدمة والنامية، خاصة في ظل إستمرار إزدياد الفجوة في القدرة الإبتكارية بينهم، وضعف معدلات نمو البحوث والتطوير لدى الدول النامية على المستويين الحكومي والخاص، ويمثل هذا المؤشر جزءاً هاماً من الجهود المبذولة لسد فجوة الابتكار بمساعدة الدول النامية على فهم نقاط القوة والضعف في الابتكار لديها ووضع سياسات ومقاييس مناسبة، وهذا هو هدف مؤشر الإبتكار العالمي لأكثر من أربعة عشر عاماً وحتى الآن، من أجل خلق مسار نمو غني بالوظائف وقوي ومستدام ومتوازن، وإدراكاً بأن الجهود المبذولة لزيادة الازدهار يجب أن تعتمد على الابتكار والإبداع لتحقيق معدلات النمو المطلوبة، فضلاً عن ضرورة توفير نظام قوي للملكية الفكرية لحماية هذه المخرجات وجذب الإستثمارات الخارجية، الأمر الذي يجعل الإبتكار أولوية وطنية من أجل التنمية والقدرة التنافسية عالمياً، والتخطيط الحكومي السليم للابتكار أمر بالغ الأهمية لتحقيق النجاح، وتحويل الابتكار إلى محرك حقيقي للنمو المستدام. وللحديث بقية،