مؤتمر حاشد لدعم مرشحي القائمة الوطنية في انتخابات النواب بالقنطرة غرب الإسماعيلية (صور)    روبيو يعلن تحقيق تقدم بشأن مشروع قرار مجلس الأمن حول غزة    مجلس النواب الأمريكي يقر مشروع قانون إنهاء الإغلاق الحكومي ويحوّله للرئيس ترامب للتوقيع    محمد رمضان يشارك جمهوره بأقوال والده الراحل: ما تمسحش دمعة عينك غير إيدك    نرمين الفقي: أحرص على دعم المهرجانات المصرية.. وأتمنى المشاركة في الأعمال الاستعراضية والغنائية    الحمصاني: المواطن المصري محور التنمية.. واستثمارات كبيرة في الرعاية الصحية    فائدة تصل ل 21.25%.. تفاصيل أعلى شهادات البنك الأهلي المصري    عباس شراقي: تجارب توربينات سد النهضة غير مكتملة    الولايات المتحدة تُنهي سك عملة "السنت" رسميًا بعد أكثر من قرنين من التداول    استخراج الشهادات بالمحافظات.. تسهيلات «التجنيد والتعبئة» تربط أصحاب الهمم بالوطن    أمطار تضرب بقوة هذه الأماكن.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس خلال الساعات المقبلة    قانون يكرّس الدولة البوليسية .."الإجراءات الجنائية": تقنين القمع باسم العدالة وبدائل شكلية للحبس الاحتياطي    حبس المتهمين بسرقة معدات تصوير من شركة في عابدين    نجم الزمالك السابق: «لو مكان مرتجي هقول ل زيزو عيب».. وأيمن عبدالعزيز يرد: «ميقدرش يعمل كده»    مؤتمر المناخ COP30.. العالم يجتمع في قلب «الأمازون» لإنقاذ كوكب الأرض    احسب إجازاتك.. تعرف على موعد العطلات الدينية والرسمية في 2026    من «رأس الحكمة» إلى «علم الروم».. مصر قبلة الاستثمار    «لو أنت ذكي ولمّاح».. اعثر على الشبح في 6 ثوانِ    حبس المتهم بقتل زوجته فى المنوفية بسبب خلافات زوجية    القيادة المركزية الأمريكية: نفذنا 22 عملية أمنية ضد "داعش" طوال الشهر الماضي    إعلام: زيلينسكي وأجهزة مكافحة الفساد الأوكرانية على شفا الحرب    التفاف على توصيات الأمم المتحدة .. السيسي يصدّق على قانون الإجراءات الجنائية الجديد    بعد ظهور السلوكيات المرفوضة فى المتحف الكبير.. كيف تحمى دول العالم متاحفها؟    أبوريدة: متفائل بمنتخب مصر فى أمم أفريقيا والوقت لا يسمح بوديات بعد نيجيريا    فرصة مميزة للمعلمين 2025.. التقديم الآن علي اعتماد المراكز التدريبية لدى الأكاديمية المهنية    قفزة في سعر الذهب اليوم.. وعيار 21 الآن في السودان ببداية تعاملات الخميس 13 نوفمبر 2025    سعر الفراخ البيضاء والبلدي وكرتونة البيض بالأسواق اليوم الخميس 13 نوفمبر 2025    سحب منخفضة ومتوسطة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الخميس 13 نوفمبر 2025    بدء نوة المكنسة بالإسكندرية.. أمطار متوسطة ورعدية تضرب عدة مناطق    قرارات جديدة بشأن مصرع وإصابة 7 في حادث منشأة القناطر    مرور الإسكندرية يواصل حملاته لضبط المخالفات بجميع أنحاء المحافظة    الاحتلال الإسرائيلي يشن سلسلة اقتحامات وعمليات نسف في الضفة الغربية وقطاع غزة    وزير الإسكان: بدء التسجيل عبر منصة "مصر العقارية" لطرح 25 ألف وحدة سكنية    المستشار بنداري: أشكر وسائل الإعلام على صدق تغطية انتخابات نواب 2025    بتروجت: اتفاق ثلاثي مع الزمالك وحمدان لانتقاله في يناير ولكن.. وحقيقة عرض الأهلي    الإنتاج الحربي يلتقي أسوان في الجولة ال 12 بدوري المحترفين    محمد صبحي يطالب أدمن صفحته بإحياء ذكرى زواجه ال52    فيفي عبده تبارك ل مي عز الدين زواجها.. والأخيرة ترد: «الله يبارك فيكي يا ماما»    انطلاق معسكر فيفا لحكام الدوري الممتاز بمشروع الهدف 15 نوفمبر    يقضي على ذاكرتك.. أهم أضرار استخدام الشاشات لفترات طويلة    عقار تجريبي جديد من نوفارتيس يُظهر فعالية واعدة ضد الملاريا    ممثل المجموعة العربية بصندوق النقد الدولي: مصر لا تحتاج لتحريك سعر الوقود لمدة عام    النيابة العامة تخصص جزء من رسوم خدماتها الرقمية لصالح مستشفى سرطان الأطفال    إسرائيل تُفرج عن 4 أسرى فلسطينيين من غزة بعد عامين    إذا قالت صدقت.. كيف تتمسك مصر بملفات أمنها القومي وحماية استقرار المنطقة؟.. من سرت والجفرة خط أحمر إلى إفشال محاولات تفكيك السودان وتهجير أهالي غزة .. دور القاهرة حاسم في ضبط التوازنات الإقليمية    تعرف على ملاعب يورو 2028 بعد إعلان اللجنة المنظمة رسميا    خبير لوائح: قرارات لجنة الانضباط «تهريج».. ولا يوجد نص يعاقب زيزو    محمود فوزي ل"من مصر": قانون الإجراءات الجنائية زوّد بدائل الحبس الاحتياطي    تأكيد لليوم السابع.. اتحاد الكرة يعلن حرية انتقال اللاعبين الهواة بدون قيود    حيثيات حبس البلوجر «سوزي الأردنية»: «الحرية لا تعني الانفلات»    «يتميز بالانضباط التكتيكي».. نجم الأهلي السابق يتغنى ب طاهر محمد طاهر    قد يؤدي إلى العمى.. أعراض وأسباب التراكوما بعد القضاء على المرض في مصر    مقرمش جدا من بره.. أفضل طريقة لقلي السمك بدون نقطة زيت    قصر صلاة الظهر مع الفجر أثناء السفر؟.. أمين الفتوى يجيب    رئيس الإدارة المركزية لمنطقة شمال سيناء يتفقد مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن الكريم بالعريش    انطلاق اختبارات «مدرسة التلاوة المصرية» بالأزهر لاكتشاف جيل جديد من قراء القرآن    «لو الطلاق بائن».. «من حقك تعرف» هل يحق للرجل إرث زوجته حال وفاتها في فترة العدة؟    دعاء الفجر | اللهم ارزق كل مهموم بالفرج واشفِ مرضانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عائشة بنت أبي بكر.. أحب زوجات الرسول..نزلت براءتها من السماء في حادثة الإفك
نشر في صدى البلد يوم 13 - 04 - 2021

اختصَّ الله -سبحانه وتعالى- زوجات النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بمنزلة رفيعة، ومكانة عظيمة من بين نساء المؤمنين، وفي ذلك قال الله تعالى: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ)؛ وذلك لقُربِهنَّ من الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، نظرًا لفضلهنَّ وخدمتهنَّ للإسلام، ونُصرتهنَّ للدعوة الإسلاميَّة، واتِّصافهنَّ بصفات جليلة، وتحليهنَّ بمناقب جميلة جعلت منهنَّ قدوةً وأسوةً حسنةً لنساء المسلمين من بعدهم؛ لذا عرَّفهم القرآن الكريم بأنَّهنَّ أُمّهات المؤمنين، وقد قال الله تعالى:(النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَىٰ أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا)، ومن بين أمَّهات المؤمنين، وأجلِّهنَّ مكانةً وأكثرهنَّ قدرًا أمّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصّدِّيق رضي الله عنهما.
عائِشة بنت أبي بكر التيميَّة القُرَشِيّة (توفيت سنة 58 ه/678م) ثالث زوجات الرسول محمد وإحدى أمهات المؤمنين، والتي لم يتزوج امرأة بكرًا غيرها، وهي بنت الخليفة الأول للنبي محمد أبو بكر بن أبي قحافة، وقد تزوجها النبي محمد بعد غزوة بدر في شوال سنة 2 ه، وكانت من بين النساء اللواتي خرجن يوم أحد لسقاية الجرحى، اتُهمت عائشة في حادثة الإفك، إلى أن برّأها الوحي بآيات قرآنية نزلت في ذلك وفق مُعتقد أهل السُنَّة والجماعة بشكل خاص، كان لملازمة عائشة للنبي محمد دورها في نقل الكثير من أحكام الدين الإسلامي والأحاديث النبوية، حتى قال الحاكم في المستدرك: «إنَّ رُبْعَ أَحْكَامَ الشَّرِيعَةِ نُقِلَت عَن السَّيِّدَة عَائِشَة.»، وكان أكابر الصحابة يسألونها فيما استشكل عليهم، فقد قال أبو موسى الأشعري: «مَا أُشكلَ عَلَيْنَا أَصْحَاب رَسُوْل الْلَّه حَدِيثٌ قَطُّ فَسَأَلْنَا عَائِشَةَ، إلَّا وَجَدْنَا عِنْدَهَا مِنْهُ عِلْمًا»، وكانت من الفصاحة والبلاغة ما جعل الأحنف بن قيس يقول: «سَمِعْتُ خُطْبَةَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهم وَالْخُلَفَاءِ هَلُمَّ جَرًا إِلَى يَوْمِي هَذَا ، فَمَا سَمِعْتُ الْكَلامَ مِنْ فَمِ مَخْلُوقٍ ، أَفْخَمَ ، وَلا أَحْسَنَ مِنْهُ مِنْ فِي عَائِشَةَ رضي الله عنها».
نسَب أمّ المؤمنين عائشة
هي أمُّ المؤمنين عائشة بنت الخليفة أبي بكر الصِّديق رضي الله عنهما، خليفة رسول الله الأوّل، وهو عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التميميّ، وأمُّها هي أمُّ رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أذينة الكنانيّة.
زواج السيدة عائشة بالنبيّ
قبل الهجرة بسنتين وبعد وفاة خديجة بنت خويلد، جاءت خولة بنت حكيم إلى النبي محمد تسأله أن يتزوج، فسألها: «وَمَن؟»، قالت: «إِنْ شِئْتَ بِكْرًا، وَإِنْ شِئْتَ ثَيِّبًا»، فقال: «وَمَنِ البِكْرُ وَمَنِ الثَّيِّب؟» فذكرت له البكر عائشة والثيب سودة بنت زمعة، فقال: «فَاذْكُرِيْهِمَا عَلَيّ.» فذهبت خولة إلى أم رومان بنت عامر أم عائشة، وذكرت لها الأمر، فقالت: «اِنْتَظِرِي فَإِنَّ أَبَا بَكْرَ آتٍ». وكان المطعم بن عدي قد ذكرها على ابنه، فأتى أبو بكر المطعم، فقال: «مَا تَقُوْلُ فِي أَمْرِ هَذِهِ الجَارِيَةِ؟» فسأل المطعم زوجته، فقالت لأبي بكر: «لَعَلَّنَا إِن أَنْكَحْنَا هَذَا الفَتَى إِلَيْكَ تُصِيْبَهُ وَتُدخِلَهُ فِي دِيْنِكَ الَذي أَنتَ عَلَيْهِ»، فرأى أبو بكر في ذلك إبراءً لذمته من خطبة المطعم لعائشة، وقال لخولة: «قُولِي لِرَسُولِ الله فَلْيَأْتِ»، فجاء النبي محمد وخطبها.
هاجرت عائشة إلى المدينة بعد هجرة النبي محمد بصحبة طلحة بن عبيد الله وأخيها عبد الله وأمها أم رومان وأختها أسماء، وزيد بن حارثة وأبي رافع مولى النبي محمد وابنتي النبي محمد أم كلثوم وفاطمة وسودة بنت زمعة وأم أيمن وابنهاأسامة بن زيد. وبنى النبي محمد بعائشة بعد غزوة بدر في شوال 2 ه، فكانت عائشة تقول: «تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ فِي شَوَّالٍ وَبَنَى بِي فِي شَوَّالٍ فَأَيُّ نِسَاءِ رَسُولَ اللَّه كَانَت أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّي» وتروي عائشة قصة يوم زواجها، قائلة: «قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَوُعِكْتُ شَهْرًا فَوَفَى شَعْرِي جُمَيْمَةً فَأَتَتْنِي أُمُّ رُومَانَ وَأَنَا عَلَى أُرْجُوحَةٍ وَمَعِي صَوَاحِبِي فَصَرَخَتْ بِي فَأَتَيْتُهَا وَمَا أَدْرِي مَا تُرِيدُ بِي فَأَخَذَتْ بِيَدِي فَأَوْقَفَتْنِي عَلَى الْبَابِ فَقُلْتُ هَهْ هَهْ حَتَّى ذَهَبَ نَفَسِي فَأَدْخَلَتْنِي بَيْتًا فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقُلْنَ عَلَى الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِنَّ فَغَسَلْنَ رَأْسِي وَأَصْلَحْنَنِي فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا وَرَسُولُ اللَّهِ ضُحًى فَأَسْلَمْنَنِي إِلَيْهِ». وقد وصفت عائشة جهاز حجرتها فقالت: «قَالَتْ:إِنَّمَا كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ الَّذِي يَنَامُ عَلَيْهِ أَدَمًا حَشْوُهُ لِيفٌ».
وتروي عائشة حديثًا عن النبي محمد أنه رأى في منامه جبريل، وقد جاء بها في ثوب من حرير، وقال له: «هَذِهِ امْرَأَتِك»، فرد النبي بقوله: «إنْ يَكُن هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ يُمضِهِ»، وفي حديث آخر أن جبريل قال: «هَذِهِ زَوْجَتُكَ فِي الدُنيَا وَالآخِرَة».
عِلم عائشة بنت أبي بكر
بلغت السيدة عائشة -رضي الله عنها- مرتبةً رفيعةً في العلم، فكانت من أفقه نساء المسلمين وأكثرهنَّ علمًا، فقد كانت من المُكثرين لرواية الحديث، وروى عنها كذلك كثير من كبار التابعين.
جهاد عائشة رضي الله عنها
شاركت السيدة عائشة في بعض الغزوات كغيرها من أمّهات المؤمنين والصحابيّات رضي الله عنهنَّ، ففي غزوة أُحُد شاركت عائشة -رضي الله عنها- في ملء قِرَب الماء لجنود جيش المسلمين،وقد حدَّث أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن ذلك، فقال: (ولقد رأيتُ عائشةَ بنتَ أبي بكرٍ وأمَّ سُلَيمٍ، وإنّهما لمُشَمِّرَتانِ، أرَى خَدَمَ سوقِهما، تُنْقِزَانِ القِرَبَ على مُتُونِهما، تُفرِغانِه في أفواهِ القومِ، ثمّ تَرجِعانِ فتَملآنِها، ثمّ تَجيئانِ فتُفرِغانِه في أفواهِ القومِ).
مواقف من سيرة السيّدة عائشة
زخرت حياة السيدة عائشة -رضي الله عنها- وحفلت أيّامها بعدّة مواقف بارزة، كانت فيها خير مثَل للسَّلف الصّالح المؤمن، وأحسن قدوة للتابعين من بعدها نساءً ورجالًا، ولعلَّ من أبرز هذه المواقف ما يأتي:
حادثة الإفك
هي حادثة من أعظم وأصعب الحوادث التي مرَّت بها أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، حيث إنَّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- كان إذا همَّ بالخروج إلى غزوة من غزواته أجرى قرعةً بين زوجاته ليُحدِّد زوجةً واحدةً تُرافقه في الخروج إلى تلك الغزوة، وفي إحدى غزواته رسَت القرعة على عائشة -رضي الله عنها- وكان ذلك بعد نزول آيات الحِجاب، فكانت عائشة -رضي الله عنها- مُحتجِبةً، وحُمِلت في طريق السَّير على هودجها، وبعد أن أنجز النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ما خرج لأجله، عاد ومن معه من المسلمين إلى المدينة المنوّرة، وأناخوا الرَّكب في طريق عودتهم للرّاحة، واختلت السيّدة عائشة -رضي الله عنها- لقضاء بعض شأنها، فلمَّا انتهت وعادت إلى مكان المسلمين، تفقَّدت عُنُقها فإذا بها قد فقدت قلادةً لها كانت ترتديها، فعادت إلى حيث كانت لتلتمسها، وحمل الرِّجال هودجها وسارت القافلة دون أن يشعروا بأنَّ عائشة -رضي الله عنها- ليست في هودجها، فقد كانت حديثة السِّن خفيفة الوزن، فلمَّا عادت إلى الموضع الذي أناخ فيه المسملون لم تجدهم، فجلست في مكانها حتّى يعودوا إلى أخذها، ثمّ غلبها النُّعاس فنامت، فكان من وراء الجيش الصحابيّ صفوان بن المعطل السلميّ، فشَهِد خيال إنسان فاقترب فإذا هي السيدة عائشة، فأناخ لها راحلتَه فركِبت دون أن يكلِّمها أو تكلّمه.وعندما وصل صفوان وعائشة إلى المدينة المنوَّرة أشاع زعيم المُنافِقين عبد الله بن أبي سلول شائعةً تمسُّ شرف السيّدة عائشة رضي الله عنها، وشاعت كذبته على الألسُن، وبلغ ذلك الرّسولَ -صلّى الله عليه وسلّم- ولكن لم يصل ذلك إلى السيِّدة عائشة، حيث كانت مريضةً، فلمَّا صحَّ جسدها وخرجت برفقة أمّ مسطح، فتعثّرت أمّ مسطح أثناء سيرها في الطريق، فقالت: (تَعِس مسطح)، فنهرَتها السيدة عائشة وتعجَّبت من قولها، فأجابتها أمّ مسطح: (أوَلَم تسمعي ما قال؟)، فأخبرتها أنَّه من جُملة مَن يتحدَّث بالإفك عنها، فعَلِمت عائشة -رضي الله عنها- بالخبر، وحزِنت وزاد مرضُها، وكان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لا يُكلِّمها ولا يتحدَّث معها، فاستأذنت منه أن تذهب إلى بيت أمّها وأبيها، فذهبت واستمرَّ مرضها وتواصل بكاؤها، وفوّضت أمرها إلى الله أن يبرِئها ممَّا يُشاع عنها، وبقيت عند أهلها حتّى نزلت براءتُها من الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، فأثبت الله براءتها من حادثة الإفك، وأقرَّ عينها بذلك.
حادثة الفِتنة
كان لأمِّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- موقف جليل من الفِتنة التي حدثت بين الصّحابة بعد وفاة عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- وتولّي عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- الخلافة، فقد ارتأت وجوب القَصاص من قتَلة عثمان رضي الله عنه، والتزمت بيتها بعد واقعة الجمل، ولم تُشارك إلّا في المشورة والنُّصح، وأشهر ما جاء من نُصحِها ما وجَّهته إلى معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- حين سألها نُصحَها وطلب منها أن توصيه، فقالت له: (سلامٌ عليكَ، أمَّا بعدُ، فإنِّي سمعتُ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- يقول: منِ التمَسَ رِضا اللهِ بسخطِ النَّاسِ كفاهُ اللهُ مَؤونةَ النَّاسِ، ومنِ التمسَ رضا النَّاسِ بسخطِ اللهِ وَكَّلََهُ اللهُ إلى النَّاسِ، والسَّلامُ عليكَ).
بعد وفاة النبي محمد
بعد وفاة النبي محمد واختيار أبي بكر خليفة للمسلمين، لزمت عائشة حجرتها، ولما أراد أزواج النبي أن يرسلن عثمان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهن من النبي محمد، استنكرت عائشة وقالت لهن: «أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ». ولم تطل خلافة أبي بكر، فحضرته الوفاة بعد سنتين وثلاثة أشهر وعشر ليال من خلافته. وقد أشرفت عائشة على مرض أبيها، فكانت تعزي نفسها ببيت شعر قائلة:
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يومًا وضاق بها الصدر
فنهاها أبو بكر عن ذلك وأمرها بتلاوة القرآن، وقال لها: « لا تَقُولِي هَكَذَا يَا بُنَيَّةُ، وَلَكِنْ قُولِي وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ »، فعادت وأنشدت:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ربيع اليتامى عصمة الأرامل
فقال أبو بكر: «ذَاكَ رَسُوْلُ الله». وقد أوصى أبو بكر عائشة أن يدفن بجوار النبي محمد، فلما توفي حفر له في حجرة عائشة، وجُعل رأسه عند كتفي النبي محمد.
بعد وفاة أبي بكر
كرّست عائشة حياتها لنشر الدين الإسلامي، فكانت تروي الحديث وتفتي في أمور الدين، وكان عمر ثم عثمان يرسلان إليها فيسألانها. ولما طُعن عمر، أرسل ابنه عبد الله ليستأذن عائشة في أن يدفن إلى جوار النبي محمد وأبي بكر. فقالت عائشة: «قَدْ كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي وَلأُوثِرَنَّهُ الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي». فعاد عبد الله بالخبر إلى أبيه، فقال: «الْحَمْدُ لِلَّهِ، مَا كَانَ شَيْءٌ أَهَمَّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ، فَإِذَا أَنَا قُبِضْتُ فَاحْمِلُونِي، ثُمَّ سَلِّمْ، وَقُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ فَإِنْ أَذِنَتْ لِي فَأَدْخِلُونِي وَإِنْ رَدَّتْنِي فَرُدُّونِي إِلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ».
وبعد وفاته، عاد عبد الله فاستأذن عائشة، فأذنت له، فكان عمر ثالث ثلاثة دفنوا في حجرتها.
وفي عهد عثمان، حجّ عثمان بأمهات المؤمنين وفيهم عائشة، فأكرم منزلتهن فجعل عبد الرحمن بن عوف على مقدمة قاطرتهن، وسعيد بن زيد على مؤخرة القاطرة. وظلت عائشة على علاقة طيبة بعثمان حتى مقتله، فكانت من أوائل من طالب بدمه والقصاص من قتلته والثائرين عليه. كانت عائشة في مكة وقت مقتله، وبلغها الخبر في طريق عودتها للمدينة، فقفلت راجعة إلى مكة، واجتمع الناس إليها فقالت: «يا أيها الناس إن الغوغاء من أهل الأمصار وأهل المياه وعبيد أهل المدينة اجتمعوا أن عاب الغوغاء على هذا المقتول بالأمس الإرب واستعمال من حدثت سنه. وقد استعمل أسنانهم قبله، ومواضع من مواضع الحمى حماها لهم وهي أمور قد سبق بها لا يصلح غيرها، فتابعهم ونزع لهم عنها استصلاحا لهم. فلما لم يجدوا حجة ولا عذرًا خلجوا وبادوا بالعدوان ونبا فعلهم عن قولهم فسفكوا الدم الحرام، واستحلوا البلد الحرام وأخذوا المال الحرام، واستحلوا الشهر الحرام. والله لإصبع عثمان خير من طباق الأرض أمثالهم فنجاة من اجتماعكم عليهم حتى ينكل بهم غيرهم ويشرد من بعدهم. ووالله لو أن الذي اعتدوا به عليه كان ذنبًا لخلص منه كما يخلص الذهب من خبثه أو الثوب من درنه إذ ماصوه كما يماص الثوب بالماء».
كانت عائشة ترى بمظلومية عثمان في دعوى الثائرين عليه، خاصة وهي التي روت حديث وصية النبي محمد لعثمان لكي لا يتنازل عن الخلافة إن وليها مهما طلبوا منه ذلك، فقد روى النعمان بن بشير عن عائشة أنها قالت: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: يَا عُثْمَانُ إِنْ وَلَّاكَ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ يَوْمًا، فَأَرَادَكَ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تَخْلَعَ قَمِيصَكَ الَّذِي قَمَّصَكَ اللَّهُ، فَلَا تَخْلَعْهُ، يَقُولُ: ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ»، قال النعمان فقلت لعائشة: «مَا مَنَعَكِ أَنْ تُعْلِمِي النَّاسَ بِهَذَا؟»، قالت: «أُنْسِيتُهُ وَاللَّهِ». بل وغضبت عائشة من أخيها محمد لما كان له من دور في حصار عثمان.
وفاتها
بعد موقعة الجمل، عادت عائشة فلزمت بيتها حتى حضرتها الوفاة في ليلة الثلاثاء 17 رمضان 57 ه وقيل 58 ه وقيل 59 ه، وصلى عليها أبو هريرة بعد صلاة الوتر، ونزل في قبرها عبد الله وعروة ابنا الزبير بن العوام من أختها أسماء بنت أبي بكر والقاسم وعبد الله ابني محمد بن أبي بكر، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر، ودفنت في البقيع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.