المتحف المصري الكبير.. سردية وطن    مستشار ترامب: استهداف المدنيين المتعمد في الفاشر مروع وغير مقبول    نبيل فهمي: سعيد بخطة وقف إطلاق النار في غزة.. وغير متفائل بتنفيذها    أحمد هاشم يكتب: مصر تنقذ اتفاق السلام    ارتفاع أرباح إيرباص بنسبة 46% خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2025    مصطفى محمد يسجل في خسارة نانت أمام موناكو في الدوري الفرنسي    بايرن ميونخ يسحق كولن برباعية ويتأهل بثقة إلى ثمن نهائي كأس ألمانيا    توروب يعطي الضوء الأخضر لرحيل نجم الأهلي.. مدحت شلبي يكشف    مدمن مخدرات يشعل النيران في شقته وزوجته وأبنائه.. والتحريات: الحريق جنائي    رسميًا.. موعد بداية فصل الشتاء 2025 في مصر وانخفاض درجات الحرارة (تفاصيل)    دنيا سمير غانم تنعى المصورين ماجد هلال وكيرلس صلاح وتدعو لهما بالرحمة    الفتة المصرية ب طشة الثوم.. طبق واحد يجمع العائلة (ب نص كيلو لحمة)    محمد علي السيد يكتب: التجريدة المغربية الثانية.. مصر73    قرار عاجل من «التعليم» بشأن معلمي الحصة خريجي الشريعة وأصول الدين (تفاصيل)    اللواء سمير فرج: مصر تعمل على تثبيت الهدنة ودعم جهود إعادة الإعمار وترفض تهجير الفلسطينيين من غزة    وكيل لاعبين: النظام المتبع فى الزمالك يسهل فسخ العقود من طرف واحد    تشالهان أوجلو يقود إنتر للانتصار بثلاثية زيادة جراح فيورنتينا    موعد صرف المعاشات لشهر نوفمبر فى أسيوط    التحفظ على جثة المصور كيرلس صلاح بمستشفى القنطرة شرق العام ب الإسماعيلية    محامي شهود الإثبات: الأيام القادمة ستكشف مفاجآت أكبر في القضية التي هزت الإسماعيلية    ترامب: كوريا الجنوبية ستدفع 350 مليار دولار مقابل خفض الرسوم الجمركية    ليس لهم أي انتماء سياسي، حماس ترسل إلى مصر قائمة من 45 شخصية مستقلة لتولي إدارة غزة    «ورد وشوكولاتة».. محمد فراج وزينة بطلا أشهر جريمة قتل    فاهمة الحياة كويس.. أهم 3 أبراج حكيمة وعاقلة ترى ما بعد الحدث    أمريكا.. إدانة نائب قائد شرطة بولاية إلينوي بقتل امرأة من ذوي البشرة السمراء    وكيل صحة شمال سيناء يتفقد عيادات التأمين الصحي بالعريش    هيئة الغذاء والدواء الأمريكية تأمر بتسريع تطوير أدوية حيوية أرخص    ترامب: تصريحات بيل جيتس تظهر أننا انتصرنا على "خدعة المناخ"    بيراميدز يواجه التأمين الإثيوبي في مهمة حسم التأهل لدور المجموعات الإفريقي    مصطفى محمد يسجل في هزيمة نانت أمام موناكو بالدوري الفرنسي    تحرير 977 مخالفة مرورية في حملات أمنية على شوارع قنا لاعادة الانضباط    أبراج وشها مكشوف.. 5 أبراج مبتعرفش تمسك لسانها    علي صوتك بالغنا، افتتاحية نارية لمدربي "The Voice" في موسمه السادس (فيديو)    الحبس شهر وغرامة 100 ألف جنيه عقوبة دخول المناطق الأثرية بدون ترخيص    تصاعد اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية.. وهجوم على قرية "برقا"    كواليس العثور على جثة شاب مشنوقا داخل شقته بأوسيم    5 ساعات حذِرة.. بيان مهم ل الأرصاد بشأن حالة الطقس اليوم: ترقبوا الطرق    من تأمين المصنع إلى الإتجار بالمخدرات.. 10 سنوات خلف القضبان لاتجاره في السموم والسلاح بشبرا    النيابة الإدارية تُعاين موقع حريق مخبز بمنطقة الشيخ هارون بمدينة أسوان    متهمين جدد.. تطور جديد في واقعة قتل أطفال اللبيني ووالدتهم    بالصور.. تكريم أبطال جودة الخدمة الصحية بسوهاج بعد اعتماد وحدات الرعاية الأولية من GAHAR    أسعار الذهب فى أسيوط الخميس 30102025    أخبار × 24 ساعة.. مدبولى: افتتاح المتحف المصرى الكبير يناسب مكانة مصر    الشرقية تتزين بالأعلام واللافتات استعدادًا لافتتاح المتحف المصري الكبير    حارس بتروجت: كنا نطمع في الفوز على الأهلي    ارتفاع الأخضر عالميًا.. سعر الدولار مقابل الجنيه اليوم الخميس بغد قرار الفيدرالي    المالية: حققنا 20 إصلاحا فى مجال التسهيلات الضريبية    مواقيت الصلاة فى أسيوط اليوم الخميس 30102025    رسميًا.. أسعار استخراج جواز سفر مستعجل 2025 بعد قرار زيادة الرسوم الأخير (تفاصيل)    مطروح تستعد ل فصل الشتاء ب 86 مخرا للسيول    جامعة المنيا: فوز فريق بحثي بكلية الصيدلة بمشروع بحثي ممول من الاتحاد الأوروبي    ختام البرنامج التدريبي بجامعة المنيا لتعزيز معايير الرعاية المتمركزة حول المريض    سوهاج تكرّم 400 من الكوادر الطبية والإدارية تقديرًا لجهودهم    هل يجوز للزوجة التصدق من مال البيت دون علم زوجها؟.. أمين الفتوى يجيب    الشيخ خالد الجندي: الغني الحقيقي هو من يملك الرضا لا المال    انطلاق الاختبارات التمهيدية للمرشحين من الخارج في المسابقة العالمية للقرآن الكريم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29-10-2025 في محافظة الأقصر    محاكمة صحفية لوزير الحربية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معنى حديث أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا .. المفتي يجيب
نشر في صدى البلد يوم 25 - 11 - 2020

يتساءل الكثيرون عن المقصود بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ..»، وهل الحديث صحيح؟، ويحرف المتطرفون والإرهابيون معنى هذا الحديث، لتبرير إجرامهم باسم الدين.
والحديث السابق روي عن أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي نَفْسَهُ وَمَالَهُ، إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ» هذا الحديث متفق عليه، رواه الإمامان البخاري ومسلم في "صحيحيهما"، واللفظ هنا للبخاري من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، كما رواه أصحاب "السُّنَن"، والإمام أحمد أيضًا في "مسنده"؛ ويُعدُّ هذا الحديث من الأحاديث المتواترة عند علماء الحديث، وكما هو معلوم من قواعدهم أن "التواتر يفيد القطعيَّة في الثبوت".
ويجب عن الأسئلة التي تشغل الأذهان حول هذا الحديث، الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، قائلًا: «ولكي يُفهم المعنى الصحيح لهذا الحديث الشريف؛ لا بد من استدعاء أدوات فهمه؛ من وقوفٍ على دلالات معاني ألفاظه، وفقًا لمعهود كلام العرب ومقتضى أساليبهم البيانيَّة، وردّ متشابه هذه الدلالات إلى محكمات الدين وثوابته القطعيَّة».
بداية تجدر الإشارة إلى أن الأمرَ الواردَ في الحديث الشريف صادرٌ من الله عز وجل إلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ قال العلامة بدر الدين العيني في "عمدة القاري" عن معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم «أُمِرْتُ»: [لا آمِر للرسول صلى الله عليه وآله وسلم غير الله تعالى، وَالتَّقْدِير: أمرنِي الله تعالى].
وبنحو ذلك ذهب العلامة الطوفي الصرصري في "التعيين في شرح الأربعين"، فقال: [قوله: «أُمِرْتُ»: أي: أمرني الله تعالى؛ إذ ليس فوق رتبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من يأمره إلا الله عزَّ وجلَّ].
والجَديرُ بالملاحظة أن الأمرَ بالقتال لم يرد بصيغة (أمرتم) أو (أمرنا) أو (أمركم)، بل جاء بصيغة «أُمِرْتُ»؛ مما يدل على أن الأمر من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم جاء على جهة الخصوص، دون غيره من أمته؛ لعدم قيام الدَّليل والقرينة عليه، يشهد لذلك من كتاب الله عز وجل ما أشار إليه ابن الزبير الغرناطي في "ملاك التأويل"، فقال: [قوله تعالى: ﴿وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الزمر: 12]؛ أمر خاص به، ولا يشركه فيه غيره، ونظير هذا قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ﴾ [الأنعام: 14].
وإذا كان الأمر بالقتال قد توجه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم على جهة الخصوص؛ فإنما توجه إليه من حيث كونه صلى الله عليه وآله وسلم إمامًا، لا من حيث كونه نبيًّا ولا رسولًا؛ أوضح ذلك المعنى الإمام القرافي في "الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام"، فقال: [وأما تصرفه صلى الله عليه وآله وسلم بالإمامة فهو وَصفٌ زائد على النبوة والرسالة والفتيا والقضاء؛ لأن الإمَامَ هو الذي فُوضت إليه السياسة العامة في الخلائق، وضبط معاقد المصالح، ودرء المفاسد، وقمع الجناة، وقتل الطغاة.. إلى غير ذلك مما هو من هذا الجنس].
إذًا: فالأمر بهذا القتال خاص بالإمام ولي الأمر؛ بدلالة قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «أُمِرْتُ»، ومن ثَمَّ؛ فقد تقرر في الشرع الحنيف أنه لا يجوز لأحدٍ الجهاد إلا تحت راية ولي أمر الوقت الحاضر؛ أشار إلى ذلك المعنى الإمام القرافي في "الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام" (1/ 108)، فقال: [فما فعله عليه السلام بطريق الإمامة؛ كقسمة الغنائم، وتفريق أموال بيت المال على المصالح، وإقامة الحدود، وترتيب الجيوش، وقتال البغاة.. ونحو ذلك: فلا يجوز لأحدٍ الإقدام عليه، إلا بإذن إمام الوقت الحاضر؛ لأنه صلى الله عليه وآله وسلم إنما فعله بطريق الإمامة، وما استبُيِح إلا بإذنه، فكان ذلك شرعًا مقررًا؛ لقوله تعالى: ﴿وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [الأعراف: 158].
وبنظرةٍ فَاحصةٍ على دلالة التعبير بكلمة «أقاتل» الواردة في البيان النبوي الشريف والتي تعني رد ومقاومة العدوان؛ يتبين أنها وردت على وزن "أفاعل" من المفاعلة، التي تدل على مشاركة في الفعل بين طرفين: أحدهما، المبدوء بالقتال ويُسمى (مُقَاتِلًا) لدى نهوضه للمقاومة والدفاع، والآخر البادئ بالعدوان، وفي هذه الحالة يُسمَّى (قاتلًا). وعلى هذا، فهناك فرق كبير في المعنى بين التعبير بكلمة "أقاتل" التي تشير إلى الدفاع والمقاومة ردًّا للعدوان، وبين لفظة "أقتل" التي تعني البدء بالعدوان والمبادرة بالهجوم بقصد القتل؛ لذلك عَدَلَ البيان النبوي الشريف عن التعبير بها؛ وهذا الفرق الشاسع بين المعنيين لا يخفى على إدراك العربي الفصيح؛ وقد نبَّه على هذا المعنى اللغوي الدقيق بين اللفظين العلامة بدر الدين العيني في "عمدة القاري" (1/ 180-181) فقال: [المأمور به هو الْقِتَال، ولا يلزم من إباحة الْقِتَال إباحة الْقَتْل؛ لأن باب المفاعلة يستلزم وقوع الفعل من الجانبين، ولا كذلك الْقَتْل فافهم] .
ولقد تجلت دقة التعبير والتناسق بين الألفاظ في البَيانِ القرآني الحكيم حين عَبَّر بكلمة ﴿وَقَاتِلُوا﴾ التي لا يأتي التعبير بها إلا في حالة وجود عدوان ينبغي دفعه ومقاومته، وهو المُشَار إليه في قوله تعالى: ﴿يُقَاتِلُونَكُمْ﴾؛ كما جاء في قول الله عز وجل: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة: 190]؛ ليدل ذلك على أن الأمر للمسلمين بالقتال جاء مشروطًا بعدوان المشركين من أهل القتال، وجاء الأمر بالنهي عن الاعتداء؛ ليدل على أن قتال من لم يُقَاتِلْنا عدوانٌ ومجاوزة للحد.
وبناء على هذا: يصحّ على أصل ومعهود كلام العرب للقائل أن يقول: (لأُقاتِلن من اعتدى على مالي)؛ حيث إن مقاتلته لهم إنما تأتي بعد توجههم إليه بالعدوان؛ ولا يصح له أن يقول: (لأَقتُلَن من اعتدى على مالي)؛ لأنه في حالته هذه لا يكون قاتلًا معتديًا، بل مقاومًا ومدافعًا رادًّا لعدوان من اعتدى عليه، كذلك يصحّ على هذا الأصل أن يُفهَم من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أُمِرْتُ أَن أُقَاتِل..» معنى المقاومة والمدافعة لرد المعتدي لا قتله، ولا يصحّ أن يُفهَم منه معنى التعدي أو العدوان؛ لأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يقل (أُمِرتُ أن أقتل).
وقد أورد العلامة كمال الدين بن حَمْزَة الحُسَيْني في "البيان والتعريف" سبب ورود الحديث الشريف، فقال: [قال القرطبي: هذا قاله في حالة قِتَاله لأهل الأوثان، الذين لا يقرون بالتوحيد].
اقرأ أيضًا:
علي جمعة يوضح معنى حديث «أمرت أن أقاتل الناس حتى يَشْهَدُوا أَن لا إِلَه إلَّا اللهُ»
ولقد أدرك تلك المعاني الدقيقة بين اللفظين علماء وفقهاء الإسلام المحققون ورسخت في وعيهم؛ ومن ثمَّ رتبوا على أساسها، وأساس فهمهم الصحيح للحديث الشريف أحكامًا فقهية، تتعلق بمسألة حكم قتل تارك الصلاة عمدًا؛ وقد بيَّن ذلك الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (1/ 77، ط. دار المعرفة)، فقال: [وعلى هذا، ففي الاستدلال بهذا الحديث على قتل تارك الصلاة نظر؛ للفرق بين صيغة "أقاتل" و"أقتل" والله أعلم؛ وقد أطنب ابن دقيق العيد في "شرح العمدة" في الإنكار على من استدل بهذا الحديث على ذلك، وقال: لا يلزم من إباحة المقاتلة إباحة القتل؛ لأن المقاتلة مفاعلة تستلزم وقع القتال من الجانبين، ولا كذلك القتل؛ وحكى البيهقي عن الشافعي أنه قال: ليس القتال من القتل بسبيل؛ فقد يحلّ قتال الرجل ولا يحل قتله].
فإذا ما انتقلنا إلى معنى كلمة «النَّاسَ» التي وردت في الحديث النبوي الشريف، والتي استُشْكِل معناها على فهوم الكثير، ممن لا دراية له بلغة العرب، ولا أدوات فهم أساليبها؛ نجد أن لغة القرآن الكريم التي جاءت على أصلِ وَمعهودِ كلام العرب وأساليبهم البيانيَّة والبلاغيَّة، تطلق كلمة "الناس"، وتُعبِّر بها عن بعض الناس قَلَّ عددهم أو كثُر، وقد تُعَبِّر بها عن واحد منهم فقط؛ من ذلك قول الله عز وجل: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران: 173]، قال الإمام البيضاوي في "أنوار التنزيل" (2/ 49، ط. دار إحياء التراث العربي): [﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ﴾، يعني: الرَّكب الذين استقبلوهم من عبد قيس، أو نعيم بن مسعود الأشجعي؛ وأطلق عليه الناس لأنه من جنسهم، كما يقال: فلان يركب الخيل، وما لَه إلا فرس واحد. و﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ﴾ يعني أبا سفيان وأصحابه] اه. ومن ثمَّ فإن إطلاق لفظ الناس هنا يُعدُّ من الخطاب العام الذي يراد به الخصوص.
وهذا الأسلوب يندرج في علوم القرآن تحت ما يُعرف بالعام الذي أُريد به الخاص؛ ولهذا الأسلوب نظائر كثيرة وردت في آي الذكر الحكيم؛ من ذلك قول الله تعالى: ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى﴾ [آل عمران: 39]، والذي عليه جمهرة المفسرين أن المقصود بالملائكة في الآية الكريمة هو سيدنا جبريل عليه السلام؛ قال العلامة ابن عطية في "المحرر الوجيز": [ذكر جمهور المفسرين: أن المنادي المخبر إنما كان جبريل وحده، وهذا هو العرف في الوحي إلى الأنبياء].
وعلى هذا الأساس، وعلى أصل لسان العرب ومعهود خطابهم؛ تأتي كلمة «النَّاس» الواردة في الحديث النبوي الشريف من قبيل العام الذي أُريد به الخاص، حيث بينت السنة النبوية المطهرة ذاتها المقصود بالناس في هذا الحديث، وأكدت أنهم هم المشركون دون غيرهم، وذلك في الرواية الصحيحة التي أخرجها الإمام النسائي في "سننه"، كتاب (تحريم الدم)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ»؛ فكلمة المشركين هنا مفسرة لكلمة «النَّاس» في رواية الحديث الذي نحن بصدده.
وذهب الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" إلى أن كلمة الناس هي: [من العام الذي أريد به الخاص؛ فيكون المراد بالناس في قوله: «أُقَاتِلُ النَّاسَ»، أي: المشركين.. ويدل عليه رواية النسائي بلفظ: «أُمٍرْتُ أن أقاتلَ المُشْرِكِينَ»].
وبذلك تكون الألف واللام في كلمة "الناس" للعهد وليس للجنس؛ حيث تشير إلى ناس معهودين مخصوصين هم مشركو مكة، ولا تشير إلى مطلق جنس الناس كما في قوله تعالى: ﴿قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ 0لنَّاسِ﴾ [الناس: 1].
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام أن المراد بالمشركين هنا ليس مطلق المشركين، وإنما صنف منهم لهم صفات مخصوصة أوجبت قتالهم، هي: المحاربة والعدوان والمعاندة ومنع الدعوة إلى الإسلام، فهم قوم معتدون محاربون ناكثون للعهود، حاربوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم تسعة أعوام في المدينة، وغزوه في عقر داره مرتين، يريدون استئصاله وأصحابه، وكما وصفهم الله عز وجل: ﴿لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ﴾ [التوبة: 10].
من هنا يتبين أن السبب المبيح لقتال هذا الصنف المخصوص من المشركين هو كونهم محاربين ومعتدين، وليس لكونهم كافرين؛ وقد ذهب الجمهور إلى أن وصف القتال منهم، والصدّ عن سبيل الله، ومنعهم من إظهار دين الإسلام، هو المبيح لقتالهم، فمن قاتل يقاتل، ومن سالم لا يقاتل؛ يدل على ذلك قول الله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾[ الممتحنة: 8]؛ وقد أشار إلى ذلك القاضي العلامة عبد الكريم الجرافي في "ذخائر علماء اليمن": [اختلف العلماء في سبب قتال الكفار، هل سببه مقتالتهم للمسلمين، وصدهم لهم عن الدين، ودفع شرهم وضرهم عن الموحدين؟ أو سببه مجرد كفرهم، سواء خيف ضرهم وشرهم أو لا؟ على قولين للعلماء: منهم من ذهب إلى الثاني، وهو الشافعي، وهم الأقل، ومنهم من ذهب إلى الأول، وهو مالك وأحمد وأبو حنيفة، وقد حكى القولين في المسألة الموزعي في كتابه "أحكام القرآن"؛ وليس المراد المقاتلة بالفعل، بل متى كان الكافر من أهل القتال الذين يخيفون أهل الإيمان، ومن شأنه أن يُقَاتِل فإنه يحلّ قتله؛ ولذا فإنها لا تقتل المرأة ولا الشيخ الفاني غير ذي الرأي ولا المكفوف؛ لأن القتال للمسلمين ليس من شأنهم، وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وآله وسلم مر في بعض مغازيه على امرأة مقتولة فقال: «مَا كَانَت هَذِهِ لتُقَاتِل»؛ فنبَّه على أن علة من يُقتَل كونه ممن يُقاتِل].
وبناء على دلالات المعاني الصحيحة المعتبرة لألفاظ الحديث الشريف، واستنادًا لقواطع وثوابت نصوص الشريعة الغراء؛ يستقيم الفهم لمعنى الحديث الشريف؛ ولقد أيَّد الواقع هذا الفهم، فالذي يستقرئ سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مقاتلته للمعتدين من أهل الشرك، يتأكد له سمو رحمته ونبل أخلاقه مع أعدائه.
وليس أدلّ على ذلك من عفوه الشامل عن مشركي مكة حين مكنه الله عز وجل وأظهره عليهم، وقد لاقى وآله وأصحابه منهم ما لاقوا من تعذيب وتقتيل ونكث للعهود؛ فلو كان الأمر الوارد في الحديث الشريف مقصودًا به قتلهم أو إجبارهم على الدخول في الإسلام؛ لسارع النبي صلى الله عليه وآله وسلم لتنفيذ ما أُمِر به! لكن التاريخ سجل لنا بحروف من نور مقالته المشهورة الخالدة: «اذهَبُوا فَأَنتُم الطُّلقَاء»، فلم يقتلهم ولم يكرههم على الدخول في الإسلام؛ فما لبثوا بعد أن غزت قلوبهم عظيم أخلاقه، إلا وقد دخلوا في دين الله تعالى أفواجًا، وقد خلَّد القرآن الكريم هذا الحدث في قول الله عز وجل: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ۞ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا ۞ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾ [النصر: 1-3]، وعلى نهج هذا الفهم سار على هدْيِه القويم صلى الله عليه وآله وسلم خلفاؤه الراشدون، وعلماء أمته الوارثون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.