كعادة رجال الأزهر في كل مكان وزمان من سابق عهده إلى يوم الناس هذا، أن ينشروا الطمأنينة في نفوسنا، ويبعثوا بالأمل في أرواحنا، وأن يمسحوا بيد حانية على جروح النفس، فإذا كانت أبواب المساجد قد أغلقت اضطرارًا بسبب فيروس "كورونا" وفرغت من المصلين، الذين حرموا من إحياء ليالي رمضان في ساحاتها، وقلوبهم معلقة بها، فقد عزَّ على الأزهر وشيخه هذه الفرقة بين ضيوف الرحمن وبيوته. فجاء قرار شيخ الأزهر الشريف ببث صلاة العشاء والتراويح من الجامع الأزهر، بردًا وسلامًا على قلوب الموحدين، مع الالتزام بكافة الإجراءات الاحترازية التي حددتها الجهات المختصة. وإن كانت الصلاة من دون مصلين إلا الإمام وعدد من القائمين على شئون المسجد لا يتجاوزن عدد أصابع اليد، لكن هذا القرار جاء ليبث في نفوسنا الطمأنينة والسكينة، ليصل القلوب التي حرمت أجسادها أن تطأ المساجد، وتجعلنا نودع رمضان في حالة روحية بعيدة ولو قليلا عن حالة العزلة التي نعيشها، حتى لا يفارقنا رمضان ونحن محرمون من روحانياته. وإذا كانت "الأعمال بخواتيمها" وقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام على اغتنام العشر الأواخر من شهر رمضان، وإحياء لياليها، لما فيها من البركة والقدسية، كما أنه يتخللها ليلة رفيعة القدر عظيمة الشأن" فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ"، وفيها نزل القرآن الكريم على سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم " إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ"، فقد كان من الضروري بمكان أن يجد الناس علماءنا الأجلاء وقد تقدموا الصف ينشرون النور في محاولة لإخراج الناس من ضيق اليأس إلى فسحة الأمل. حلا لهذه الحالة التي يعيشها الناس من الفقد والافتقاد لخير زاد يحصلون عليه من ضيافة الرحمن، فأعاد الأزهر ورجاله المخلصون حالة الوصل بين القلوب والمساجد من خلال بث لصلاة التراويح والتهجد عبر شبكات الاتصال الاجتماعي لتنير بيوت الصائمين مع قلوبهم بنفحات شهر رمضان، وخيرًا قال العلماء " ما لا يدرك كله لا يترك كله". وجملة القول: إن الأمر كله بيد الله، يدبر الأمر كيف يشاء، لكن كل ما علينا هو اللجوء إلى الله والدعاء في خشوع وسكينة، مع الحذر والحيطة، والأخذ في الاعتبار إن الله سبحانه وتعالى ما خلقنا ليعذبنا، وما كان ليهلكنا. وخيرًا فعل فضيلة الإمام الأكبر بقراره الحكيم، الذي سارع إلى تنفيذه مجموعة من أبنائه الأزاهرة المخلصين، الذي فكوا قيود الحظر وضاعفوا على أسرهم جرعة القلق نتيجة تواجدهم خارج المنزل لساعات وساعات ليبثوا لنا الطمأنينة والسكينة في الليالي العشر.