سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
حقوق الإنسان بعد كورونا.. أيمن نصري: ضرورة ترتيب الأولويات لضمان سلامة وصحة مواطني دول العالم.. داليا زيادة: الخطاب الحقوقي سيشهد توازنا كبيرا في الفترة المقبلة
* أيمن نصري: الصين استطاعت التعامل مع كورونا بمنظومة إلكترونية متطورة * داليا زيادة: سيتم إعادة التوازن للخطاب الحقوقي في العالم بعد أزمة كورونا
أثبت فيروس كورونا المستجد أو ما يعرف باسم كوفيد 19 أن حماية صحة الناس وسلامتهم أمر بالغ الأهمية، ومما لا شك أنه مع انتهاء تلك الازمة ستبدأ دول العالم في التفكير بإعادة ترتيبها لأوليات حقوق الإنسان، وبالتالي سيتم التركيز في الخطاب الحقوقي بالعالم كله على الحقوق المدنية والسياسية.
وفي هذا السياق، أكد الحقوقي أيمن نصري، رئيس المنتدي العربي الأوروبي للحوار وحقوق الإنسان بجنيف، أن هناك ثوابت حقوقية لا يمكن أن تتغير طبقا لاتفاقيات وضوابط دولية توافق عليها معظم دول الأعضاء بالأمم المتحدة، أهمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 ديسمبر 1948 والذي يعتبر الدليل المستخدم لحماية وصيانة حقوق الإنسان بما فيها الحقوق الصحية، وهي أحد أهم أركان العمل الحقوقي العالمي والتي تهدف إلي حماية الحق في الحياة لكل البشر. وقال نصري إن تجربة جائحة كورونا أثبتت أن المعايير والضوابط الحقوقية المتعارف عليها هي نظرية ويصعب تطبيقها في الواقع ولم تستطيع أن تقدم الحماية المطلوبة من تفشي الوباء، وهو ما ظهر واضحا في الضعف والقصور الواضح بأداء منظمة الصحة العالمية إحدى أهم المؤسسات التابعة للأمم المتحدة والمنوطة بإدارة الأزمة عالميا، والتي عانت من تخبط واضح وهجوم من بعض الدول الكبيرة التي تضررت بشكل كبير من الوباء. وأوضح أنه برغم أن الصين هي مصدر الجائحة، إلا أنها استطاعت أن تواجه الفيروس من خلال منظومة إلكترونية متطورة واتخاذ إجراءات صارمة مع المواطنين دون المساس بحقوقهم المدنية لضمان السيطرة على نسبة المصابين، وهو ما اعتبره البعض انتهاكا وتجاوزا لحقوق الإنسان طبقا للمعايير والضوابط الدولية، لكن التجربة أثبتت أن مثل هذه الظروف الاستثنائية تحتاج إلى تعامل حازم وصارم لضمان السيطرة على الموقف، خصوصا في بعض الدول التي تعاني من صعوبة في تغيير ثقافة مواطنيها لتتناسب مع الإجراءات المتبعة لمواجهة تفشي الوفاء لضمان عدم خروج الموقف عن السيطرة. وأضاف أنه على الجانب المقابل، نجد أداء دول الاتحاد الأوروبي، وهي الأكثر تضررا من جائحة كورونا وذلك نظرا لتعاملها مع الأزمة بتهاون وبسياسة رد الفعل والتأخر في اتخاذ القرارات، وهو ما ساهم في تفاقم الأزمة وأظهر ضعف المنظومة الصحية العامة التي افتقدت إلي الإمكانيات وتسليم زمام الأمور إلى القطاع الخاص، وهو الأمر الذي أضر بالمواطن البسيط وأفقده أبسط حقوقه وهو الحق في العلاج والحياة. وشدد نصري على أن هناك تغيرات كثيرة سوف تحدث دون شك على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والحقوقي والصحي، ليكون هناك اهتمام كبير بتعزيز الحقوق الصحية والاجتماعية. وأعرب عن اعتقاده أنه سيتم إعادة ترتيب الأولويات لضمان سلامة وصحة مواطني دول العالم، من خلال اتخاذ إجراءات وقائية أكثر صرامة في التعامل مع الدول التي هي بيئة خصبة لظهور جيل جديد من الفيروسات المتطورة من خلال إجراءات صحية ووقائية في التنقل والسفر، خصوصا مع وجود نظريات طبية تعزز من إمكانية تفشي مثل هذه النوعية من الأوبئة في المستقبل القريب. وتابع: "لابد من إعادة النظر في التعامل مع الملف الحقوقي لبعض دول المنطقة التي تعاملت بشكل جيد مع الأزمة، واستطاعت أن تحمي مواطنيها في ظل إمكانيات محدودة وسخرت كل إمكانياتها لحماية مواطنيها برغم الهجوم الكبير على هذه الدول من بعض المنظمات الحقوقية الدولية، والتي طالما سعت إلى تشويه السمعة وتسييس ملف حقوق الإنسان". من جانبها، أكدت داليا زيادة، مدير المركز المصرى للدراسات الديمقراطية الحرة، أن الصدمات المتلاحقة التي يواجهها العالم جراء أزمة فيروس كورونا، دفعت الحكومات للتركيز على المستوى المحلي في كل دولة، كما دفعت الدول على مستوى النظام العالمي الشامل إلى مرحلة ترتيب أولويات. وأكدت داليا زيادة، في تصريح ل"صدى البلد"، أن قضايا حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية هي من ضمن الأمور التي ستتعرض لإعادة ترتيب، وربما أيضًا تعديلات على مفاهيمها وأهميتها في الحفاظ على استقرار النظام العالمي وأمن وسلامة الشعوب. وأوضحت أن هناك شيئًا كبيرًا سيتغير في توازنات السياسة العالمية، ومراكز القوة بها، بعد خروجنا من أزمة كورونا، وبالتالي لن تتغير القيم العالمية المثلى، ولكن ما سيحدث حتمًا هو إعادة التوازن للخطاب الحقوقي العالمي، بمعنى انه في العقدين الأخيرين تركز الخطاب الحقوقي في العالم كله على الحقوق المدنية والسياسية ولكن هذا سيتغير. وقالت إنه نظرًا للتقلبات السياسية الكبيرة التي رأيناها تحدث في كل أرجاء العالم من أول حقبة الربيع الأوروبي ومرورًا بحقبة الربيع العربي ومؤخرًا سلسلة الثورات التي وقعت في أمريكا اللاتينية، كانت القضايا المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ومنها الحق في الصحة مثلًا، تأتي دائمًا في المرتبة الثانية ولا تلقى نفس الاهتمام الإعلامي الواسع، وكان دائمًا يتم التعامل معها كقضايا داخلية تخص كل دولة بشكل منفرد، ولا تشغل الرأي العام العالمي، وبالتأكيد بعد الصدمات الكبيرة التي أحدثتها كورونا في مجال الرعاية الصحية، والهزة المرعبة التي أحدثتها في الاقتصاد خصوصًا على مستوى قطاع الأعمال الخاص سوف يتغير هذا الأمر. وأكدت أن العالم سينشغل بإصلاح هذه البنود قبل أن يعود للانشغال بالحقوق المدنية والسياسية مرة أخرى، ومن المتوقع أن تتغير الطريقة التي سيعبر بها المواطنون عن أنفسهم في نطاق العمل السياسي، بحيث سيكون استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي مقدما على استخدام الوسائل التقليدية مثل الاحتجاجات في الشارع أو التجمعات الحزبية أو الحركية بشكلها التقليدي، وربما تتراجع بعض الحكومات الأكثر التزامًا بمفاهيم الحرية الفردية والمجتمع المفتوح والسوق الحرة عن ممارسة هذه القيم لضمان وإعطاء الأولوية لسلامة المجتمع والمصلحة العامة قبل حرية الفرد ومصلحته. وأضافت أن أزمة كورونا، حتى وإن كانت لن تغير كثيرًا في شكل وتفاعلات العلاقات بين الدول داخل النظام العالمي، إلا أنها حتمًا ستؤثر على ما تعودناه بشأن العلاقات بين الحكومات والمواطنين ومساحة تدخل الدولة في تقرير حياة الأفراد، وبالتالي ستتأثر قيم حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية بكل ذلك.