قال الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف: إن مراتب الصيام ليست على درجة واحدة ، فأولها صوم العوام وهو الإمساك عن الطعام والشراب وشهوة الفرج من أذان الفجر إلى أذان المغرب ، ومن أدى ذلك فقد أدى الفريضة التي عليه . وأضاف جمعة أن المرتبة الثانية فهي مرتبة الخواص وهي إمساك الجوارح عن المعاصي : إمساك العين عن النظر إلى ما حرم الله ، وإمساك الأذن عن سماع ما يغضب الله ، وإمساك اللسان عن الغيبة والنميمة ، وهكذا في سائر الجوارح ، ذلك أنَّ امرأتينِ صامتَا على عهْدِ رسولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) ، فجلسَتْ إحداهما إلى الأُخرى، فجعَلَتا تأْكُلانِ لُحومَ النَّاسِ، فجاء رجُلٌ إلى رسولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) ، فقال: يا رسولَ اللهِ، إنَّ هاهنا امرأتينِ صامَتَا، وقد كادَتا أنْ تموتَا مِن العطشِ، فأعرَضَ عنه رسولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) -أو سكَتَ-، ثمَّ جاءه بعدَ ذلك -أحسَبُه قال: في الظَّهيرةِ- فقال: يا رسولَ اللهِ، إنَّهما واللهِ لقد ماتَتا، أو كادَتا أنْ تموتَا، فقال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ائتُوني بهما، فجاءتا، فدعا بعُسٍّ، أو قدَحٍ، فقال لإحداهما قِي ، فقاءت مِن قَيحٍ ودَمٍ وصديدٍ، حتَّى قاءت نِصفَ القدَحِ ، وقال للأُخرى : قِي ، فقاءت مِن قَيحٍ ودَمٍ وصَديدٍ، حتَّى ملأتِ القدَحَ. ثمَّ قال رسولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ) : إنَّ هاتينِ صامتَا عمَّا أحَلَّ اللهُ لهما، وأفطَرَتا على ما حرَّمَ اللهُ عليهما؛ جلسَتْ إحداهما إلى الأُخرى، فجعَلَتا تأكُلانِ لُحومَ النَّاسِ (مسند أحمد) . ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : "من لم يدَعْ قولَ الزُّورِ والعملَ بِهِ ، فليسَ للَّهِ حاجةٌ بأن يدَعَ طعامَهُ وشرابَهُ" (صحيح البخاري) ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : "رُبَّ صائمٍ حظُّهُ مِن صيامِهِ الجوعُ والعطَشُ، وربَّ قائمٍ حظُّهُ من قيامِهِ السَّهرُ" (صحيح ابن ماجه) . وأوضح وزير الأوقاف أن المرتبة الثالثة فهو صوم خواص الخواص ، وهي التي تقوم على كف الجوارح والقلب والاجتهاد في الطاعة ، كما عبر عنها الإمام أبو حامد الغزالي في إحيائه حين قال : هي كف القلب عن الهمم الدنية والشواغل الدنيوية والإقبال على الله (عز وجل) بالكلية ، فهي تقوم على إخلاص النية وحسن القصد والاجتهاد في الطاعة ، وهي التي تسمو بصاحبها إلى درجة تحقق التقوى التي هي الخوف من الجليل ، والعمل بالتنزيل ، والرضا بالقليل ، والاستعداد ليوم الرحيل ، وأن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك . وتابع: عرف الصالحون لهذا الشهر مكانته ، فكان بعضهم يسأل الله (عز وجل) ستة أشهر أن يبلغه رمضان ، وخمسة أشهر بعده أن يتقبله منه ، لأن من لم يغتنم شهر المغفرة فمتى يغتنم الخير ، فعند قدوم رمضان "يُنَادِي مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ .