اتجاه الدولة المصرية لدعم العمالة غير المنتظمة "محمود" في جوهره ومعناه، لاسيما في ظل الظروف الاستثنائية الفجائية التي تمر بها مصر والعالم أجمع، والتي دفعت بانحسار كل شيء "الحركة والعمل" وتباطؤ حركة الاقتصاد. وفي وقت دفعت فيه تلك الظروف الاستثنائية أكثر من 80 دولة لطلب المساعدة الطارئة من صندوق النقد الدولي، بحسب تصريحات مؤخرة ل"كريستالينا جورجييفا" مديرة صندوق النقد الدولي، بعد أن اجتاحت جائحة كوفيد -19 أغلب دول العالم، ودفعت الاقتصاد العالمي إلى الانكماش وهو ما يتطلب تمويلًا هائلًا لمساعدة الدول النامية، تسير مصر في منحى آخر. اتجاه مصر ليس فقط محاصرة وباء فيروس كورونا المستجد، واتخاذ إجراءات احترازية استباقية، للحفاظ على صحة المواطنين، وإنما التفكير في أمورهم المعيشية والاقتصادية، لاسيما الأسر الفقيرة ومن رحمها العمالة غير المنتظمة، من خلال دعم مادي تقدمه الحكومة لمساعدة تلك الفئات لتوفير حد مقبول من الأمور المعيشية حتى نخرج من تلك الظروف الاستثنائية. ومع "التوقف المفاجئ" للاقتصاد العالمي، تبلغ تقديرات صندوق النقد الدولي للاحتياجات المالية الإجمالية للأسواق الناشئة بنحو2.5 تريليون دولار، وهو رقم لو تعلمون عظيم، وهو أمر ينبغي أن نتخذ الحيطة من حالة الانكماش التي سيتعرض لها الاقتصاد العالمي خلال هذه الفترة، وستمتد ، لاقدر الله، حالة استمرار تفشي وباء فيروس كورونا. ومن ثم باتت منظومة الحماية الاجتماعية، هي حائط الصد لحماية الأسر الأكثر احتياجًا، لكنه في ضوء هذه الإحصاءات المتسارعة في الانخفاض، أضحى ضروريًا أن تظهر المسئولية الاجتماعية من الشركات الكبرى تجاه المجتمعات لدعمها ومساندتها بكل ما تحتاج لتوفير سبل معيشة جيد خلال هذه الفترة. في أوروبا، بدأت كثير من الشركات في الاتجاه في هذا المنحى الضروري، خاصة بعد تفشي وباء كورونا بشكل كبير وأضحت تعاني من مناطق كثيرة موبوءة، وباتت أعمال الخير تتسع لحل المعضلة التي قد يواجهها سكانها، ناهيك عن الدعوات بضرورة تقديم المساعدات للمستشفيات بأقصى سرعة. وفي أمريكا، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، دعا إلى ضرورة أن تشارك شركات السيارات الأمريكية في دعم الدولة لتوفير نحو 100 أل جهاز تنفسي في غضون 100 يوم للحيلولة دون تفشي الوباء ومحاولة لتقديم عناية طبية فائقة للمصابين في بلد تجاوز عدد الإصابات فيه لما يزيد عن 100 ألف حالة، وكذلك مساعدة المجتمع الأمريكي. في مصر، الأمور بدت أكثر استقرارًا وهناك حالة من الاتزان في اتخاذ الإجراءات الوقائية، من قبل الدولة، وهو ما أسهم في الحد من انتشار الفيروس بصورة كبيرة، بل إن توقعات منظمة الصحة العالمية تسير نحو أن مصر من الدول القليلة من بين دول العالم التي لديها القدرة على السيطرة على فيروس كورونا المستجد، وأن نظام مراقبة الوباء القوي وجهود تتبع الحالات أثبتت فعاليتها في السيطرة على حالات متفرقة ومجموعات من الحالات قبل أن تتمكن من الانتشار. لكن مع الاتجاه في السبيل لمنع انتشار فيروس كورونا، كانت تسعى مصر إلى توفير معيشة جيدة لأبنائها من المواطنين، وبعثت عبر قيادتها السياسية رسالة طمأنينة بأن المخزون من السلع الإستراتيجية يكفي مصر طويلًا وأنه لا داعي للتكالب على المتاجر لتخزينها، وكذلك بدأت وزارة التضامن الاجتماعي في عمل حصر للعمالة غير المنتظمة لتوفير مبالغ مالية لإعانتهم على ظروفهم المعيشية خلال فترة التوقف عن العمل، وهي إجراءات غاية في الأهمية وتوحي بأننا لا نسير اعتباطًا وإنما عبر رؤية بعيدة المدى، منظمة ومرتبة وقادرة على مواجهة الظروف في أقسى صورها، وكورونا كان دليلًا واضحا على ذلك. ومنذ أيام، ظهرت بوادر طيبة من قبل عدد من الفنانين والإعلاميين ورجال الأعمال من أصحاب الشركات، من أجل الإسهام في الوقوف بجوار الأسر الفقيرة ودعمها، لكن الأمر أضحى في حاجة للعمل بصورة أكثر تنظيمًا، وتحت سقف الدولة، والتعاون مع مؤسساتها، حتى نضمن وصول الدعم لمستحقيه، وحتى لا تسقط عددًا من الأسر وسط هذا الزحام الكبير. ونرى أنه بات ضروريًا أنه في ضوء هذه الظروف، أن العمل أحادي الجانب يمثل أنانية كبيرة من قبل القائم به، فالاتحاد بين الجميع من أحزاب سياسية ومنظمات المجتمع المدني ورجال الأعمال والشركات المختلفة بالتعاون مع أجهزة الدولة، أمر مُلح وضروري، فلسنا في وقت يستدعي إبراز الذات بل العمل من أجل حماية بني وطننا الغالي، من الأسر الفقيرة التي تستدعي أن ندعمها بكل ما نملك. حفظ الله مصر وشعبها وجيشها وقيادتها السياسية.