صَحَحَ الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، اعتقادًا خاطئًا بين الناس، منوهًا بأن بعضهم يظن أن الوصول إلى سن الأربعين عامًا هو نهاية العُمر والصحة والهمم العالية، مؤكدًا أنهم يفهمون فهمًا خاطئًا. واستشهد «الجندي» خلال تقديمه برنامج «لعلهم يفقهون» المذاع على فضائية «dmc»، بقول الله تعالى في سورة الأحقاف: «حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ». وأضاف عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية: «أن عمر الأربعين هو بداية الحياة، والأعمار في الحياة مجرد أرقام، متابعا: الله ينظر إلى الأعمال. شرح دعاء «رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ» قال تعالى على لسان نبي الله سليمان عليه -السلام-: «رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ» (الأحقاف:14). فبدأ اللَّه تعالى بالوصية لمن كان سببًا في وجوده في هذه الحياة الدنيا بعد اللَّه عز وجل بالإحسان إليهما، وبرِّهما، قال تعالى: «وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي» أي تناهى عقله، وكمل فهمه وحلمه، ففيه بيان أن العبد إذا بلغ أربعين سنة أن يجدد التوبة للَّه تعالى. «أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ»: يا ربي وفقني أن أشكر نعمك التي لا تُحصى عليّ من نعم الدنيا، والدين الذي هو أعظم النعم التي أسبغتها عليّ، فكم من محروم منها. تضمّن هذا السؤال التوفيق للعمل بالطاعات، واجتناب المحرّمات. «وَعَلَى وَالِدَيَّ»: أدرج ذكر والديه تكثيرًا للنعم، والنعم على الوالدين نعم على أولادهم؛ لأنهم لابد أن ينالهم شيئًا منها، ومن أسبابها وآثارها، خصوصًا نعم الدين، فسأل ربه التوفيق للقيام بشكر نعمته الدينية والدنيوية. «وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ»: وألهمني ووفقني أن أعمل صالحًا ترضاه في المستقبل، فجمع بين أنواع الشكر المطلوبة: شكرها باللسان، بالثناء والذكر، المستلزم للشكر بالجنان، وأردفه الشكر بالأركان، وهو القيام بصالح الأعمال عنده جل وعلا عليه وعلى والديه. وقوله: «صَالِحًا تَرْضَاهُ»: فتقييده ب(ترضاه) يدلّ أنه ليس كل عمل صالحٍ في الظاهر يرضاه اللَّه تعالى، بل لا بدّ أن يوفّق إلى الأعمال والأقوال الموجبة لرضاه جل وعلا، من صدق الإخلاص، وحسن العبادة في المتابعة . «وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي»: أي واجعل الصلاح ساريًا في ذريتي، راسخًا فيهم، متمكنين منه، ولذلك عُدِّي ب(في)([3])، وفيه إشارة إلى أن صلاح الآباء يورث صلاح الأبناء . تضمن هذا السؤال كمال السعادة البشرية المرجوة في الدنيا والآخرة: 1- أن يوقفه للشكر على النعم الدنيوية والشرعية. 2- أن يوفقه بالطاعة المرضية عنده جل وعلا التي تكون بالمتابعة والإخلاص. 3- أن يصلح له ذريته على صراط اللَّه تعالى المستقيم. 4- التوفيق إلى التعبد بمقتضيات صفاته، وآثارها، ومنها صفة الرضا في قوله: «صَالِحًا تَرْضَاهُ». قوله: «إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِين»: ختم هذا الدعاء بتجديد التوبة، والاستسلام للَّه تعالى في أمره ونهيه، قال ابن كثير رحمه اللَّه تعالى: «هذا فيه إرشاد لمن بلغ أربعين سنة أن يجدد التوبة والإنابة إلى اللَّه عز وجل ويعزم عليها». الفوائد: 1- أهمية هذه الدعوة؛ فإنها تكررت مرتين في كتاب اللَّه تعالى: مرة على لسان سليمان عليه السلام ومرّة هنا على لسان الصالحين من عباده تعالى. 2- أهمّية سؤال اللَّه عز وجل التوفيق إلى الشكر؛ لقوله: «رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ». 3- أن نعم اللَّه تعالى على العبد، وعلى الخلق لا تُحصى، كما أفاد قوله: «نِعْمَتَكَ» مفرد مضاف يفيد العموم. 4- أن نعمة الإسلام هي أعظم النعم من اللَّه سبحانه وتعالى التي ينبغي للعبد استشعارها، وحمده تعالى عليها سرًا وعلانية. 5- إن أحق من يُشْكَر بعد اللَّه تعالى الوالدين لقوله: «أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ». 6- أهمية سؤال اللَّه تعالى التوفيق إلى أحسن الأعمال لقوله: «تَرْضَاهُ» 7- ينبغي مراقبة اللَّه تعالى في الأعمال، وأن تكون خالصةً لوجهه عز وجل «وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ». 8- إثبات صفة (الرِّضَا) لله تعالى، وهي صفة فعلية تتعلق بمشيئتة وإرادته. 9- ينبغي للداعي أن يبذل ما في وسعه بالتقرب إلى اللَّه تعالى بالأعمال، والأقوال، والأخلاق التي تقتضي رضاه تعالى؛ لأن رضاه صفة فعلية، والصفات الفعلية تتعلق بمشيئته متى وُجد سبب الرضا وُجد الرضا . 10- ينبغي للداعي أن يسأل اللَّه على الدوام إصلاح ذريته؛ لأن النفع يعود عليهم جميعًا، بل وعلى المؤمنين. 11- أهمية التوسل بالعمل الصالح، وكلّما كثّره العبد كان أرجى في الإجابة، كما في قوله تعالى: «إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ»، «وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِين». 12- إن التوبة من الذنوب من أعظم أسباب قبول الدعاء: «إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ». 13-«إن إشهاد الإنسان على نفسه بالإيمان، أو بالإسلام، وما أشبه ذلك، لا يُعدّ من الرياء، ولا سيما في الاتباع»، بل يدلّ على الإقرار لله تعالى، والخضوع والتذلل له، وهذا من أعظم أنواع التوسل بالعمل الصالح؛ لأن الإسلام هو الاستسلام في ظاهر العبد، وباطنه لله رب العالمين. 14- ينبغي للعبد أن يجدد توبته، وإنابته إلى اللَّه خاصة إذا كمل أربعين عامًا. 15- ينبغي للداعي أن يكون له حظ كبير في أدعيته لوالديه، ولذريته؛ فإن هذا النفع يعود عليه، وعليهم جميعًا في الصلاح في الدنيا، والأنس والاجتماع بعضهم مع بعض في جنات النعيم .