من عجب أن يخرج المتحدث الرسمي لجماعة الإخوان غير الشرعية، فيقول إن "المظاهرات ضد النظام خروج على الشرعية، وأنها حرث في البحر".. فلا أظن أن تصريح كهذا يدل على شيء أكثر من حالة عمى القلب الذي تعاني منه تلك الجماعة، بالإضافة إلى ما يتمتعون به من تبجح نادر يؤكد عدم شرعية النظام الذي يحمي جماعة غير قانونية، ويشركها في الحكم، أو بالأصح يجعلها تحكم من الباطن، بينما يتنحى هو عمليا عن دوره الذي أقسم أمام الشعب على القيام به. فتلك الجماعة التي لم تنجح حتى الآن في شيء غير إشاعة الكراهية في المجتمع وتقسيمه وتفتيته، لم توقف لحظة ماكينة استفزاز الشباب ودفعه دفعا للعناد وممارسة العنف، حتى يكون حرثه في جسد الدولة والنظام وليس في البحر كما تقول الجماعة. كما لم تتوقف أيضا ماكينة التبريرات لكل أخطائها، وماكينة الأكاذيب المفضوحة التي لا تكلُّ ولا تملُّ من إنتاج الباطل دون خجل، ظنا منها أن الكذب سينجيها، وأن مبرراتها الواهية ستخيل على أحد غير جوقة أعضائها، المقتنعين سلفا بما يفعله كهنتها. فهم يفهمون بالأمر،ويصدقون بالأمر، ويصفقون بالأمر، ويهتفون بالأمر، ويؤمنون بالأمر، ويكفرون بالأمر. بينما واقعيا يرى بقية الناس كل يوم سوءاتهم، ويعيشون فشلهم لحظة بلحظة، فيما يسيرون هم إلى هدفهم الوحيد، وهو السيطرة على الدولة ومقدراتها، ليس لصالح الشعب أو الوطن، وإنما لصالح هدف خفي لا نعلمه، وبالتالي لا يمكن أن نثق فيه. حيث لا يعلم أحد من أين يأتون بالمال، وما هي طبيعة علاقاتهم الخارجية بالأجهزة والأنظمة والاستخبارات، ولا لأي هدف تسير، وأي صفقات تعقد، وأي اتفاقات تدبر، وهل هي لصالح الوطن والشعب أم ضدهما؟ فكل هذه التساؤلات مشروعة، ولا إجابة لها، وكل المخاوف منطقية، وكل الشكوك واقعية، ولا يجرؤ أحد منهم على الدفاع بمنطق عن تلك الجماعة، وهي في حقيقتها جماعة سرية باطنية ترفض الخضوع للقانون، وتعمل خارج إطاره الشرعي، فما الذي يدعونا لنصدق أنهم لا يمارسون أنشطة إجرامية، أو لا يعملون ضد الوطن؟ فهل يكفي أن يثق البعض في وطنيتهم أو التزامهم الديني؟ فماذا عن الآخرين الذين لا يثقون في ذلك؟ أليس العمل في ظل القانون هو ما يجعل الجميع يقتنع بشرعية عملهم، على الأقل المعلن؟ ولكن ذلك لم يحدث حتى الآن، وهو ما يجعلهم في محل ريبة من نشاطهم وأهدافهم ونواياهم وانتماءاتهم وهويتهم الحقيقية. ولم يتوقف تبجح تلك الجماعة الخارجة عن القانون عند الحديث عن الشرعية والمشروعية فقط، بل أنها تطالعنا دائما بالحديث نيابة عن الرئيس باعتباره مندوبهم في قصر الرئاسة، وليس رئيس دولة، ويتحدثون عن شباب "البلاك بلوك" الذين ملأوهم رعبا بوجههم الخفي، باعتبارهم مجموعات غير قانونية، ولم يخجل أعضاء تلك الجماعة أثناء حديثهم هذا، من كونهم أيضا جماعة غير قانونية، ولكن مكشوفة الوجه. فإذا كان شباب "البلاك بلوك" يمارسون العنف أثناء المظاهرات بإلقاء الحجارة وزجاجات المولوتوف فإن ميليشيات الأخوان أيضا متهمة بارتكاب جرائم الاعتداء على الثوار وقتلهم، وتهريب الأموال والأسلحة، والتواطؤ مع المنظمات الإرهابية في سيناء ومرسى مطروح، من أجل دعمهم في وجه معارضيهم، وحمل الأسلحة غير المرخصة، وذلك من خلال قضايا معلنة، منها قضية حارس خيرت الشاطر، وقضية أحد ميليشيات أبو اسماعيل الذين أرغموا النيابة على إطلاق سراحه.. إذًا فهم يمتلكون ميليشيات منظمة، وربما مسلحة، تغتال الشباب الناشطين في معارضتهم، وليس مصادفة أن يكون كل الشاب الذي قُتِلوا خلال الأسابيع والأشهر الأخيرة هم من مديري الصفحات المعارضة للأخوان على الفيسبوك، ومن الناشطين ميدانيا في معارضة نظامهم الفاشل. فليس العجب فقط من حديث جماعة غير قانونية عن احترام القانون، بل أن العجب العجاب في أن يستهلك الأخوان كل هذا الوقت في اختلاق مبررات فشلهم، من مؤامرات داخلية، إلى مؤامرات خارجية، إلى مخطط خطف الرئيس، إلى تعطيل المظاهرات لعجلة التقدم، إلى تصيد القوى السياسية للأخطاء، وتنفيذ مخططات خارجية لم نر منها شيئا حتى الآن. بينما لم تضع تلك الجماعة احتمالا واحدا بأنهم ربما أخطأوا وسوف يصححون الخطأ، أو أنهم عاجزون ويطالبون الشعب بمساعدتهم، أو أنهم فاشلون لا يملكون رؤية ولا هدفا ولا وسيلة لإدارة البلاد.. ولكنهم طوال الوقت يعتمدون أسلوب "غشيم ومتعافي" في إدارة المشهد السياسي والاقتصادي المتهاوي، هذا إذا أحسنا الظن بأن ما يحدث ليس مخططا لإسقاط الدولة، وهم أحد أدواته الرئيسية.