كنت من الذين فوجئوا بثورة يناير, ولكنني لم أفاجأ بنتائجها, ولا كنت ممن يشعرون بالندم والفجيعة والذنب قبل الثورة أو بعدها, فالأمر في الآخر هو حركة التاريخ التي هي أكبر من كل الأفراد والجماعات. وما يهمنا الآن هو إنقاذ الوطن من أمرين: الانقسام الذي يقود إلي مواجهات وعنف; والانهيار الاقتصادي الذي يمكن أن يقود إلي ما هو أسوأ. هذه لحظة لإنقاذ الوطن من المحنتين, ولا يمكن أن يتم ذلك ما لم نواجههما ونحن ندور في فلك ما جري في معركة الدستور والاستفتاء وما سبقهما, وما لحقهما من نتائج. الاستمرار في هذا الفلك سوف يعني من ناحية تعميق الانقسام, ومن ناحية أخري التضحية بالوطن بتعميق أسوأ أزمة اقتصادية عاشها حتي الآن, وربما زادت علي تلك التي عاشتها اليونان ودول أخري خلال الفترة السابقة. في مثل هذه الاختبارات التاريخية الكبري فإن قيادات الأمة تلتقي علي هدف واحد هو إنقاذ الوطن, ولا يكون ذلك من خلال حوار بين عشرات الأطراف فمثل ذلك لا يليق بمؤتمر يتبادل فيه الناس الآراء, وربما تسجيل المواقف, ولا بأس من ممارسة السياسة والبحث عن الشعبية. ولكن الحوار السياسي الذي تكون له نتيجة قوامها برنامج وطني لعبور مرحلة من أدق مراحل التاريخ الوطني, فإن ذلك يتطلب أطرافا محدودة تمثل اللاعبين الأساسيين في الساحة. وفي التقدير أن هناك طرفين حاليا يمكن الاحتكام لهما في خروج البلاد من عنق الزجاجة التي وصلت إليه: الحكم وفي المقدمة منه رئيس الجمهورية الذي هو من ناحية رئيس كل المصريين, ومن ناحية أخري يفترض أنه مؤيد من أقوي جماعة سياسية في مصر المعاصرة, وهي الإخوان المسلمون. وجبهة الإنقاذ الوطني التي باتت عنوان المعارضة المصرية وفيها التيار الشعبي وأحزاب الوفد والمؤتمر والدستور ومصر القوية. أعلم أن هناك جماعات كثيرة أخري, وائتلافات من كل نوع وقدر, وحركات لها جمهور ومؤيدون, ولكن هذه عليها أن تنسق مع الطرفين الأساسيين حتي يكون هناك نقاش هادئ ومثمر حول مجموعة من القضايا الأساسية. وبصراحة فإن الحوار, أو في الحقيقة المفاوضات بين قطبي الانقسام المصري لا يمكن أن تحدث, فضلا عن أن تنجح في الوقت الذي تجري فيه المظاهرات والمسيرات والاعتصامات وسقوط للشهداء والجرحي حتي يذهب رئيس الجمهورية من القصر الجمهوري إلي قصر القبة; ويدخل أعضاء المحكمة الدستورية العليا إلي مبناهم عالي المقام من الأبواب الخلفية. مثل ذلك عار علي الجميع لا بد أن توقف مع بدء عملية الإنقاذ!. نقلا عن الاهرام اليومى