انطلقت فعاليات الدورة 49 للمهرجان الوطني للفنون الشعبية في مراكش، عبر كرنفال موسيقي مُبهر، شاركت فيه فرق شعبية من حول العالم، بأهازيجها ورقصاتها المُعبّرة عن التنوع الفني والإثني الذي يمتاز به المغرب؛ من الصحراء، والجبل، والسهول، والذي لا يزال يحتفظ بتقاليده الموسيقية العريقة، وما يُسمّى بالتراث الّلامادي المعروف بتنوعّه وعراقته المغربية. وتشارك في المهرجان 30 فرقة موسيقية وطنية ودولية،من بينها فرقٌ مغربية متنوّعة (650 مشاركًا مغربيًا)، سلكَت شارع محمد الخامس، وصولًا إلى القصر البديع، حيث بدأ هناك، حفل الافتتاح بمشاركة وزير الثقافة والاتصال المغربي محمد الأعرجي، وكبار وشخصيات ثقافية وفنّيةوكبار المسؤولين. وأكد الأعرج أن هذه الفعالية هي ضمان استمرار المهرجان الذي انطلق منذ العام 1960، وقد أخذت وزارة الثقافة والاتصال على عاتقها بالتشاور مع جمعية الأطلس الكبير والسلطات والفاعلين المحليين، مسؤولية الإشراف على هذه التظاهرة. وذلك نظرًا لما لها من إشعاع وطني ودولي، وما تشكّله من تجمع هائل لمختلف التعابير الفنّية الشعبية المغربية الأصيلة، تُقدَّم فيه الفنون على المنصة الوطنية ويُقدَّم فيه الموروث الفني المغربي للعالم بمضامين الغنى والتنوع وبقيم التعايش وعفوية الاختلاف الدالة على عمق ثقافة السلم والاستقرار في الوجدان الوطني. يذكر أن فعاليات إفتتاح المهرجان أقيمت في "قصر البديع" وساحة" جامع الفنا" الشهيرة، "باب دكالة" و"ساحة الحارثي" و"قصر الثقافة"، وكان تفاعل الجمهور وخصوصًا في الساحات العامة مباشرة مع الفرق، من دون حواجز،كما حدث مع عروض الفرقة الصينية، عندما نزل أحد المشاركين، ليتقاسم مع الجمهور، التحيات والمصافحة والصور. وقدّمت الفرقة الصينية، فعالياتها في جو منظّم لتوزيع الأدوار بين المشاركين، فضلًا عن استخدامها الآلات الشعبية التقليدية التي حملتها معها، وهي آلات سحرية، جميلة ومتينة، تحتوي على لغز خاصّ كصناعة، وكوظيفية، حيث تتداخل الوظيفية الموسيقية مع الشكل، تيمّنًا بالأسرار الكثيرة التي تكتنف الحضارة الصينية العريقة. ويُعدّ قصر البديع أحد المعالم التاريخية في مدينة مراكش، ويعود تأسيسه إلى القرن السادس عشر في العام 1578، من طرف الملك السعدي، أحمد المنصور الذهبي أحد ملوك الدولة السعدية التي حكمت المغرب، وذلك بعد انتصاره على البرتغاليين في معركة "وادي المخازن". ويشتهر قصر البديع، بالزخارف الكثيرة والمتنوّعة، ومن هنا يُعتقد أن تسميته جاءت "بالبديع" حيث تعني الكلمة بالمغربية الدارجة "قصر الخزف" إذ يغطي جدرانه السيراميك التقليدي، وهناك رأي في تسميته بالبديع، حيث يعود إلى أسماء الله الحسنى. ويُلاحظ المتابع لفعاليات المهرجان تنوّع التراث الموسيقي، بقدر التنوّع الجغرافي المعروف في المغرب، والأهمّ من ذلك، المحافظة عليه، بل وتعزيزه وتطويره بما يلائم الذوق العصري، إذ تمّ تحديث بعض الآلات الموسيقية، الدفوف مثلًا، كي تكون أسهل استعمالًا، لكن بقيت بعض الآلات الموسيقية كما هي تقليدية، ومن واقع البيئة المحلية. وقد توافق ذلك، مع الملابس المغربية الزاهية الخاصّة بالرجال والنساء معًا، فضلًا عن الحلي التي ارتدتها المُشاركات، في جوّ موسيقي حميمي تقليدي. والجدير ذكره، أن الأزياء المغربية الشهيرة عالميًا(القفطان) والحلي والقلائد التقليدية، ما تزال تُبهر السيّاح، الذين يقتنونها بكل فخر واعتزاز. من جهة ثانية، يحاول المغرب المحافظة على الصناعة التقليدية بأنواعها المختلفة، وتصديرها كواجهة حضارية للبلد، من خلال مؤسّسات تُعنى بذلك، فما زالت النقوش والزخارف المغربية والنافورات تزيّن فن العمارة في بعض الدول العربية، بل وحتى في الدول الأوربية، كأثاث وسجاد ونقوش، لهذا يعدّ المغرب، وارثًا وحافظًا للحضارة الأندلسية.