على مقهى الطلبة في الزقازيق، تعرف الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور، الذي تحل اليوم ذكرى ميلاده، على الفنان عبد الحليم حافظ، ومرسى جميل عزيز، وفي نفس المكان طلب «عبد الحليم حافظ»، من «صلاح» أغنية يتقدم بها للإذاعة ويلحنها له كمال الطويل لتخرج قصيدة «لقاء». وعقب تخرج «عبد الصبور» من كلية الآداب جامعة القاهرة قسم اللغة العربية، ودع بعدها الشعر التقليدى ليبدأ السير في طريق جديد تمامًا تحمل فيه القصيدة بصمته الخاصة، وزرع الألغام في غابة الشعر التقليدي الذي كان قد وقع في أسر التكرار والصنعة فعل ذلك للبناء وليس للهدم، فأصبح فارسا في مضمار الشعر الحديث، وأحد أهم رواد حركة الشعر الحر العربي ومن رموز الحداثة العربية المتأثرة بالفكر الغربي، وواحدًا من الشعراء العرب القلائل الذين أضافوا مساهمة بارزة في التأليف المسرحي، خاصة في مسرحيته «مأساة الحلاج». استطاع «عبد الصبور»، أن يصنع مجدًا للقصيدة، وبدأ ينشر أشعاره في الصحف واستفاضت شهرته بعد نشره قصيدته «شنق زهران»، خاصة بعد صدور ديوانه الأول «الناس في بلادي»، إذ كرسه بين رواد الشعر الحر مع نازك الملائكة وبدر شاكر السياب وسرعان ما وظف صلاح عبد الصبور هذا النمط الشعري الجديد في المسرح فأعاد الروح وبقوة في المسرح الشعري الذي خبا وهجه في العالم العربي منذ وفاة أحمد شوقي عام 1932، وتميز مشروعه المسرحي بنبرة سياسية ناقدة لكنها لم تسقط في الانحيازات والانتماءات الحزبية. ثأثر إبداع «عبد الصبور»، بالعديد من المصادر، من شعر الصعاليك إلى شعر الحكمة العربي، مرورًا بسيَر وأفكار بعض أعلام الصوفيين العرب مثل الحلاج وبشر الحافي، الذين استخدمهما كأقنعة لأفكاره وتصوراته في بعض القصائد والمسرحيات، واستفاد من منجزات الشعر الرمزي الفرنسي والألماني، والشعر الفلسفي الإنجليزي. وكتب الكثيرين في العلاقة بين "جريمة قتل في الكاتدرائية لإليوت ومأساة الحلاج لعبد الصبور"، لم يُضِع عبد الصبور فرصة إقامته بالهند مستشارا ثقافيًا لسفارة بلاده، بل أفاد خلالها من كنوز الفلسفات الهندية ومن ثقافات الهند المتعددة وكذلك كتابات كافكا السوداوية، هذا إلي جانب تأثره بكتاب مسرح العبث. وحمل شعره سمات الحزن والسأم والألم وقراءة الذكرى واستلهام الموروث الصوفي، واستخدام بعض الشخصيات التاريخية في إنتاج القصيدة، ومن أبرز أعماله في ذلك: "مذكرات بشر الحافي" و" مأساة الحلاج" و" ليلى والمجنون"، كما اتسم شعره من جانب آخر باستلهام الحدث الواقعي، كما في ديوانه: " الناس في بلادي " ومن أبرز الدراسات التي كتبت عن أعماله، ما كتبه الناقد الدكتور عز الدين إسماعيل في كتابه: " الشعر العربي المعاصر: قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية " و" الجحيم الأرضي " للناقد الدكتور محمد بدوي، ومن أبرز من درسوا مسرحياته الشعرية الناقد الدكتور وليد منير في : المسرح الشعري عند صلاح عبد الصبور". تقلد عبد الصبور عددا من المناصب، وعمل بالتدريس وبالصحافة وبوزارة الثقافة، وكان آخر منصب تقلده رئاسة الهيئة المصرية العامة للكتاب، وساهم في تأسيس مجلة فصول للنقد الأدبي، فضلا عن تأثيره في كل التيارات الشعرية العربية الحداثية. في 13 أغسطس عام 1981 رحل الشاعر صلاح عبد الصبور إثر تعرضه إلى نوبة قلبية حادة أودت بحياته، بعد مشاجرة كلامية ساخنة مع الفنان الراحل بهجت عثمان، في منزل صديقه الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، تاركًا إثرًا شعريًا ومسرحيًا أثر في أجيال متعددة من الشعراء في مصر والبلدان العربية، خاصة ما يسمى بجيل السبعينيات، وجيل الثمانينيات في مصر. وقد حازت أعماله الشعرية والمسرحية قدرا كبيرا من اهتمام الباحثين والدارسين، ولم تخل أية دراسة نقدية تتناول الشعر الحر من الإشارة إلى أشعاره ودواوينه.