ما يعتقدُه الإنسان هو حق أصيل لكُل فرد في هذا العالم. فمُنذُ القدم و الناس تتوارث ما يعتقدهُ الأهل. و كُلما ضاقت مساحة الحرية كُلما قل التفكير في هذا الاعتقاد أو تحليله موضوعياً أو حتي التفكير في ملائمة ذلك لطريقة الحياة التي يحياها الفرد. و يُصبح دائماً الخروج عن ما تعتقدهُ الجماعة درباً من الجنون و الجموح الذي قد يؤدي إلي نبذ ذاك الفرد و قد يصل الأمر في بعض المُجتمعات إلي إهدار الدم. و السؤال المُحير الآن هو لماذا ينزعج أو ينفعل أو يغضب و من ثم قد يستخدم العُنف أو حتي القتل شخص ما حين يختلف آخر معهُ ,كان سابقاً لهُ نفس المُعتقد.
ويدعي ذاك الغاضب من الاختلاف أنهُ يُريد مصلحة الشخص الآخر. و هُنا تبرُز قضية الحرية و هي دائماً الحل الأمثل في اعتقادي لمثل هذا الادعاء. فكُل شخص حُر فيما يعتقد مهما اختلف مع الآخرين، المُربك في تلك الحكاية هو انزعاج بل و غضب الآخرين. فمن الواضح أن هذا الاختلاف يُخيف البعض إذ يرون فيه تهديداً للسلطة التي يتمتعون بها. فأول المُتضررين من هذا الاختلاف هُم بعض رجال الدين و ذلك لأنهُم يرون في ذلك تهديداً لسلطاتهم.
والادعاءات الأخرى كثيرة. مثل معرفة مصلحتك أكثر منك و ذلك علي أساس إنك ستظل طفلاً مدي الحياة طالما بقوا هُم كباراً. و لن تعرف أبداً متي ستكبُر لأنهُ ليس بالإمكان أن تُصبح أنت و هُم كباراً في نفس الوقت.
و الادعاء الأكثر غرابة هو أنهُ يمتلك الحقيقة المطلقة و ذلك في حد ذاته هدم لفكرة البحث و التساؤل. فما يُعتبر مطلقاً أو من الثوابت لدي البعض ليس بالضرورة كذلك لدي الآخرين و من زمنِ لأخر أيضاً. تصور مثلاً وضع المرأة قبل مائة عام في مصر و قبل مائتي عام بأوربا. و أيضاً فكر في كثير من المعايير الأخلاقية علي مستوي العالم علي مدار التاريخ تجد أن النسبية و التغيير هُما الأكثر حدوثاً و تأثيراً.
هُنا يبرُز تساؤل منطقي، ما هو الحق المُطلق إذاً؟ الحقيقة التي لا تُناقش!! و الإجابة في رأيي إنه ما هو مُطلق هو مُطلق فقط في الوقت الآني لشخصِ ما. و قد يظل ذاك المُطلق مُطلقاً لهذا الشخص مدي الحياة أو قد يتغير إذا تغير الشخص. واحتمال تغيُر الشخص يعتمد بدرجة كبيرة علي درجة الحرية المتاحة في المجتمع الذي يعيش فيه و مدي التعرُض لخبرات متعددة. فكُلما زادت مساحة الحرية في مُجتمعِ ما كُلما زاد صدق الأفراد في التعبير عما يعتقدون فيه. و كُلما زاد القهر و المُطلق كُلما زاد النفاق و الرياء.
إذ كيف تطلُب من شخص أن يتبع طريقاً واحداً في الحياة، و إن لم يتبعه فعليه تحمُل عواقب ذلك. مثل ما كان يحدُث في أروبا في العصور الوسطي و يحدُث الآن في بعض بُلدان العالم.
فمثلاً قيام الهيئة الدينية في إيران بتحديد شكل تسريحة شعر الرجال و من يُخالف ذلك يُعاقب. و هذا العبث بالحرية الذي يجعل الإنسان غير قادر علي اختيار شكل تسريحة الشعر التي يرتاح لها و يجد هيئة دينية تُحدد لهُ ذلك!.. أليس هذا هو العبث ذاتهُ.
و قيام بعض الجماعات الدينية في أماكن مختلفة من العالم و علي وجه الخصوص المملكة العربيه السعودية بضرب من تجدهُ في أي مكان أثناء مواقيت الصلاة، أليس هذا أيضاً عبثاً بالحرية الشخصية، و هل يقبل الله صلاة من شخصِ هو مجبر عليها!؟. و آليس من القهر أن تُجبر المرأة في السعودية علي عدم القيادة. ثم يعفوا عن أحدي السيدات جلالة الملك حين قبض عليها متلبسة بالقيادة !! في أية دولة في هذا العالم في هذا القرن يقبض علي إنسان لإنهُ يقود أو تقود سيارة، و يعفو عنها الملك!.. لا يبدو لي أنه توجد جريمة كي يتم العفو أساساً.
أيضاً منع بيع المشروبات الروحية لأنها محرمة دينياً هو عبث بالحرية الدينية و الشخصية. فدينياً المعيار الحقيقي هو وجود الشئ ثُم إقرارك الشخصي أن لا تمسسهُ رغم إنهُ مُتاح. و تلك هي الحرية التي تفسح الطريق لمعرفة حقيقية والقرار النابع من القلب هو قرار حياة أما المُجبر علي فعل الشيء فهو في حالة موت مُحقق. فالحرية هي الحياة. و إن لم نحيا الآن فمتى إذاً! [email protected]