عرّفت دار الإفتاء الأُضْحِيَّة بأنها اسمٌ لما يُذكى -يذبح- تقربًا إلى الله تعالى في أيام النحر بشرائط مخصوصة، والتذكية -الذبح-: هي السبب الموصل لحِلِّ أكل الحيوان البري اختيارًا، فتشمل الذبح والنحر، بل تشمل العقر أيضًا، كما لو شرد ثورٌ أو بعير فطُعِنَ برمح أو نحوه مع التسمية ونية الأُضْحِيَّة. وقيل: هي السبيل الشرعية لبقاء طهارة الحيوان وحل أكله إن كان مأكولا ، وحل الانتفاع بجلده وشعره إن كان غير مأكول. وأضافت الإفتاء في فتوى لها، أن الأُضْحِيَّة في لغة العرب فيها أربع لغات: إضْحِيَّةٌ، وأُضْحِيَّةٌ والجمع أضاحي، وضَحِيَّةٌ على فعيلة والجمع ضحايا، وأَضْحَاةٌ والجمع أضحىً كما يقال: أرطاةٌ وأرْطىً. وبه سمي عيد الأضحى، أي الضحايا، وسميت الأضحية بذلك؛ لأنها تفعل في وقت الضحى، والذى يبدأ من بعد شروق شمس يوم النحر (العاشر من ذي الحجة). وليس من الأُضْحِيَّة ما يلى: ما يذكى استحبابا بنية العقيقة عن المولود. ما يُذَكَّى بنية الهدي، سواء كان ذلك استحبابا للمفرِد، أو وجوبا للمتمتع والقارن. ما يُذَكَّى وجوبا لترك واجب أو فعل محظور في نسك الحج أو العمرة. وأوضحت الدليل على مشروعية الأُضْحِيَّة بالكتاب والسنة القولية والفعلية، والإجماع: أما الكتاب فقد قال تعالى: «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ *فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ *إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ» (سورة الكوثر). وقال القرطبي في " تفسيره" (20/ 218): [أَيْ: أَقِمِ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ عَلَيْكَ، كَذَا رَوَاهُ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وتابعت: وَقَالَ قَتَادَةُ وَعَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ: «فَصَلِّ لِرَبِّكَ» صَلَاةَ الْعِيدِ وَيَوْمَ النَّحْرِ، «وَانْحَرْ» نُسُكَكَ. وَقَالَ أَنَسٌ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْحَرُ ثُمَّ يُصَلِّي، فَأُمِرَ أَنْ يُصَلِّيَ ثُمَّ يَنْحَر]. وقال ابن كثير في " تفسيره"(8/ 503):[قال تعالى: «قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ» [الأنعام: 162 ، 163] قال ابن عباس، وعطاء، ومجاهد، وعكرمة، والحسن: يعني بذلك نحر البُدْن ونحوها]. واستطردت: وأما السنة فقد روي في الباب العديد من الأحاديث الفعلية التي تبين فعله صلى الله عليه وسلم لها، كما رُويت أحاديث أخرى قولية في بيان فضلها والترغيب فيها والتنفير من تركها. وأما السنة النبوية الفعلية، فقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يضحي، وكان يتولى ذبح أضحيته بنفسه - صلى الله عليه وسلم- فمن ذلك: عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا» متفق عليه. واستكملت: وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ في سَوَادٍ وَيَبْرُكُ في سَوَادٍ وَيَنْظُرُ في سَوَادٍ، فَأُتِىَ بِهِ؛ لِيُضَحِّىَ بِهِ، فَقَالَ لَهَا : ((يَا عَائِشَةُ، هَلُمِّى الْمُدْيَةَ ))، ثُمَّ قَالَ: ((اشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ)) فَفَعَلَتْ، ثُمَّ أَخَذَهَا وَأَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ ثُمَّ ذَبَحَهُ، ثُمَّ قَالَ: ((بِاسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ))، ثُمَّ ضَحَّى بِهِ)). أخرجه مسلم في صحيحه. وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «بِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ يُضَحِّى» أخرجه الترمذي في سننه، وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وأما السنة النبوية القولية، فقد وردت أحاديث كثيرة في الأُضْحِيَّة، منها: عن البراء رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، من فعله فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل فإنما هو لحم قدمه لأهله، ليس من النسك في شيء» متفق عليه. وأردفت: وعَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه: «قَالَ خَطَبَنَا النبي صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ في يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّىَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّىَ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ في شَىْءٍ، فَقَامَ خَالِى أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أُصَلِّىَ وَعِنْدِى جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ، قَالَ: «اجْعَلْهَا مَكَانَهَا - أَوْ قَالَ: اذْبَحْهَا - وَلَنْ تَجْزِىَ جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك» أخرجه مسلم في صحيحه. واستدلت بما روي عن جُنْدَب بْن سُفْيَانَ رضي الله عنه: «قَالَ شَهِدْتُ الأَضْحَى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَعْدُ أَنْ صَلَّى وَفَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ سَلَّمَ فَإِذَا هُوَ يَرَى لَحْمَ أَضَاحِىَّ قَدْ ذُبِحَتْ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلاَتِهِ فَقَالَ: «مَنْ كَانَ ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّىَ - أَوْ نُصَلِّىَ - فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى وَمَنْ كَانَ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ». أخرجه البخاري ومسلم، واللفظ له، منبهة على أن المسلمين أجمعوا على مشروعية الأُضْحِيَّة.