في تصعيد دبلوماسي لم تشهده المنطقة العربية منذ مايقرب من أربعون عاما تقريبا قررت المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين بالإضافة إلى مصر قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، متهمين الدوحة ب"دعم الإرهاب"، وأغلقت الدول الأربع حدودها مع قطر، بما في ذلك الحدود البرية الوحيدة للإمارة الخليجية مع السعودية، وامتدت القرارات الخليجية لتشمل منع توريد بعض السلع، ومنع الطيران القطري من عبور الأجواء الجوية لدول المقاطعة. في الحقيقة أن البيان المشترك الذي خرج من دول المقاطعة الدبلوماسية ضد قطر رغم انه بيان خرج من كل دولة علي حدة .. يشبه كثيرا إعلان حرب علي دويلة نشرت الفوضي في المنطقة العربية مستخدمة المال " القذر " الذي يأتي إليهم دون عناء وأصبحت الدوحة تمثل شوكة في وسط المنطقة العربية كلها وأصبحت تهدد أمن واستقرار المنقطة العربية ومنطقة الخليج. وقد استغلت بعض القوى الإقليمية حالة الفرقة التي حدثت بالمنطقة العربية وعرضت نفسها علي قطر كبديل لدول المقاطعة الدبلوماسية مثل إيران التي تسعى للتوغل الفارسي أكثر في العمق الخليجي وتركيا التي مازالت تبحث عن دور حقيقي بالمنطقة العربية كلها وتعتقد أن البداية لابد ان تاتي من الخليج وتسعي جاهدة لاستغلال حالة الشتات التي تمر بها المنطقة العربية والخليج العربي، وإسرائيل التي تتوغل من الباب الخلفي الذي تركه ترامب مفتوحا لدخول الدولة العبرية لمنافسة ايرانوتركيا خاصة وان هذه الأطراف " إيران ، تركيا ، إسرائيل " يدركون جيدا أن الأزمة الحالية مختلفة عن كل الأزمات الخليجية – الخليجية السابقة والأزمات الخليجية – العربية، فالإجراءات التي اتخذتها الدول الخليجية الثلاث مع مصر، تضمنت قطع العلاقات الدبلوماسية وإغلاق المنافذ البحرية والبرية والجوية مع قطر في حصار شبه تام ومنع العبور في الأراضي والأجواء والمياه الإقليمية السعودية ومنع مواطني الدول من السفر لقطر وهو الأمر الذي جعل تركياوإيران وإسرائيل يتصارعون علي الفوز بالكعكة القطرية والتوغل اكثر فأكثر من منطقة الخليج العربي. الغريب في الأمر أن هذه القرارات اتخذت مجتمعة بعد زيارة الرئيس الأمريكي ترامب للمنطقة ومشاركته في قمة الرياض وإنشاء تحالف لمكافحة الإرهاب والتطرف وتأسيس مركز سُمي "اعتدال " لهذا الهدف، وحديث ترامب عن تعاون عربي – إسرائيلي أو خليجي – إسرائيلي، يعطي أبعادًا إضافية تكشف بشكل أو بآخر توقعات بإقدام هذه الدول بالقيام بمثل هذه الخطوات إضافة إلى تعليق نتنياهو فور قطع العلاقات مع الدوحة قائلا " هل اقتنع العرب بأن العدو الحقيقي لهم هي الدوحة وليس تل أبيب. يجب ألا نركز فقط علي الأزمة الخليجية العربية مع قطر ونترك مثل هذه التصريحات الخطيرة او التعليقات الملفتة للنظر التي أطلقها نتنياهو والتي تؤكد أن الدولة الصهيونية تسعي للمشاركة ولعب دور كبير مستغلة الأزمة لتدخل إسرائيل طرفا ثالثا في اللعبة السياسية بالمنطقة التي أصبحت مرتعا سياسيا لمن يريد أن يبحث عن دور وزعامة سياسية علي حساب الفرقة والتشتت الذي تعاني منه المنطقة العربية كلها بعد ثورة يناير، وبالتالي فإن مثلث إسرائيل- تركيا- ايران يبحث كل منهم علي زعامة بالمنطقة وإن كان الواقع يؤكد أن الدولة العبرية الأقرب بعد المباركات التي تركها ترامب لزعماء المنطقة وإعطاءه ضوء أخضر تتحرك علي أثره تل أبيب بخطوات محسوبة خشية كشف مخططها الأخطر بالطبع نظرا لحالة العداء الموروث منذ زرع شوكة الدولة الصهيونية في المنطقة ، لكننا يجب أن نقتنع عندما نفكر جيدا ونحكم العقل في التفكير الهادئ بان الأطراف الثلاثة " إسرائيل ، تركياايران لهم أجندات واضحة ومن حق الجميع البحث عن إثبات الذات. الموقف مهيأ الآن لدخول الأجندة التركية في المنطقة العربية علي طريقة الذئب الذي يحاول الصلح بين الأغنام مرتديا ثوب الفضيلة والوجاهة المزيفة التي غالبا ستكشف سريعا علي أيدي الدولة المصرية التي تنظر للأمور بعقلانية وتعلم جيدا ما يدار من مخططات بالمنطقة العربية كلها من خلال أجهزة استخباراتية تعمل بكفاءة عالية وحققت نجاحا كبيرا جعل الجميع يقتنع تماما بأن الدولة المصرية بعد ثورة يونيو تختلف تماما عن دولة ما قبل يونيو. - يستغل أردوغان أو الدولة التركية العلاقة المتميزة بين الطرفين واقصد هنا "قطر ودول الخليج ، وتقارب مواقفهما من مختلف ملفات المنطقة، والتنسيق شبه التام في عدد من القضايا، وتوقيع اتفاقية تعاون عسکري صناعي دفاعي بين الدوحةأنقرة في عام 2015، لكن حتما تصطدم الأحلام التركية بالعناد المصري الذي يحد بشكل كبير من الأطماع التركية بالمنطقة، لكن ربما يبحث أردوغان هذه المرة عن تهدئة الأوضاع لأنه يبحث عن الاستقرار والهدوء وتخفيف حدة الأزمات وزيادة الأصدقاء وتقليل الخصوم وفق المعلن، خاصة وأنه نجح في تحسين علاقات بلاده المتوترة مع كل من روسيا والإمارات والكيان الصهيوني ومازالت البوصلة التركية تحيل إلى أولوية مكافحة الكيان الموازي في الداخل والمشروع الانفصالي الكردي في سوريا خارجيًا. - اما الأجندة الإيرانية معلومة ومكشوفة للجميع وتلعب علي وتر الخدمات البديلة، بعد ان وافقت على فتح مجالها الجوي للطائرات القطرية، حيث أعلنت هيئة الطيران المدنى الإيرانية موافقتها على طلب منظمة الدولية للطيران المدنى والدوحة بفتح مجالها الجوى أمام الناقلات الجوية القطرية، وذلك عقب القطيعة العربية لدولة قطر، وحظر الدول العربية هبوط الطائرات القطرية فى مطاراتها، و منحت هيئة الطيران الإيرانية تصاريح عبور الخطوط الجوية القطرية من مجالها الجوى، وأنه قد تم تطبيق القرار منذ فجر الأربعاء في محاولة للاصطياد في المياه العكرة مستغلة الظروف المحيطة بالأزمة أو أزمة القطيعة كما يطلقون عليها. - الأجندة الصهيونية واضحة للجميع وتعتبر الدولة العبرية الطرف الوحيد المستفيد من الفوضى التي حدثت خلال السبع سنوات الماضية ومازالت تلعب أدوار مركبة وتشارك قطر في زعزعة أمن واستقرار المنطقة العربية بدليل ان كل مصابي تنظيم داعش الإرهابي يتم علاجهم بمستشفيات تل أبيب ويتم مد مقاتلي هذه التنظيم بالمعلومات والسلاح بالتوافق مع الإرادة التركية تحت إشراف أردوغان الذي اعترف في خطاب مسجل له بأنه يشرف بالفعل علي تأسيس الشرق الاوسط الجديد. - لكن قراءة واقعية للدول الثلاث التي تسعي للحصول علي تأشيرة الموافقة علي لعب دور الوسيط بين قطر ودول المقاطعة فإن هذا المثلث غير مرغوب فيه وأن محاولات الصلح أو عرض الصلح لن ينجح خاصة وأن هناك دولا أكثر قبولا وعقلانية في عرض الموضوع بكامله مثل الكويت التي تبرعت الأسرة الحاكمة فيه علي السعي سريعا لتهدئة الأمور ولم تنتظر موافقة أحد الأطراف وهذا الأمر يدل علي أن الكويت تسعى بالفعل لرأب الصدع الذي حدث بالمنطقة العربية بجانب أن المملكة الكويتية تستخدم سياسة الوسطية المغلفة بالوطنية العربية وليس لها أي مصالح سوي التوافق العربي العربي ولا تريد دخول غرباء داخل المنزل الذي تصدع فجأة بسبب أفعال صبيانية من الأسرة الحاكمة في قطر، كما أن محاولة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الوساطة بين قطر ودول الخليج لحل الأزمة لن تنجح لقدرات أنقرة المحدودة في الشأن العربي، وان الوساطة الكويتية يمكنها ان تخرج قطر من تورطها من خلال تشديدها على ضرورة استمرار الحوار في المنطقة كي يتم حل الأزمة بالطرق السلمية والتركيز علي منطقة الشرق الأوسط التي تعاني من أزمات كبيرة ومعقدة سياسيا. - في النهاية أرى أن الأوضاع في المنطقة العربية تزداد تأزما في ظل تعنت الأسرة الحاكمة في قطر وتسببت في مقتل وتشريد وزعزعة أمن واستقرار دول التي من المفترض جدلا أن تشاركها في العروبة والإسلام لكن هذه الأسرة تخلت عن مبادئها الإسلامية والعربية والإنسانية وتجردت من كل معاني الإنسانية وارتمت في أحضان أعداء الأمة العربية والإسلامية معتقدة أنها ستستمر في حمايتها، ولكن ما يحدث في القريب العاجل عكس ذلك تماما، وأتوقع ان ينهار حكم الأسرة القطرية لإنقاذ الشعب القطري الشقيق من براهن وديكتاتورية تميم ووالده ووالدته التي تمسك بزمام الأمور في إدارة الملف الإرهابي لدويلة إرهابية أكثر من إبنها الحاكم للبلاد. - المطلوب من الدوحة هذه المرة لتجاوز الأزمة أكبر بكثير من أن تتحمله وتستطيع تقديمه، ليس فقط لأن الأسلوب المتبع يبتغي التركيع والإذلال وإفقاد السيادة وهو ما لا تستطيعه أي دولة، ولكن أيضًا لأنه يُفقد الدوحة كامل أوراق قوتها الناعمة التي استثمرت بها لعشرات السنين وأمّنت لها – مع عوامل أخرى في مقدمتها القاعدة الأمريكية على أراضيها – شيئًا من التوازن مع كل من الرياض وأبو ظبي، كما أن الأزمة ليست خليجية – خليجية بالكامل أو خليجية عربية، كما يعتقد البعض بل هو مسار دولي – إقليمي ينفذ بأدوات عربية – خليجية، تحت عنوان مكافحة الإرهاب والتطرف ومواجهة داعمي "المنظمات الإرهابية" وهو ما قد يدخل تركيا في الدائرة واقصد دائرة الاتهام لتصبح بعد ذلك من دولة ساعية للصلح إلي شريكة في الإرهاب، وهو الأمر المتوقع خلال الايام القليلة القادمة وليس الشهور لأن الأمور تسير بسرعة وتسير عكس أحلام وأطماع تركياوإيران وتصب في صالح إسرائيل الكيان الوحيد المستفيد من كل ما يحدث حاليا ولو بصفة مؤقتة.