لازالت قوارب المهاجرين السريين أو من يسمونهم بال "حراقة"، تركب الأمواج وتقطع مجاهل البحر المتوسط إلى الضفة الأخرى، حاملة معها آمال وأحلام شباب في مقتبل العمر وفي عمر الزهور، تتجاسر على عباب اليم، وأمواجه المهلكة وأخطاره الناسفة . تكدس من المبحرين على قوارب الموت، ألواح تتهادى على أمواج كالجبال حاملة أضعاف أحمالها من فتية اقوياء أدارت ظهرها لكل شيء علها تتنتهي في سفرها هذا بيشترى عمل هنا أو هناك في شبه الجزيرة الإيبرية، باعتبارها أقرب من غيرها من دول أوربا إلى الشواطئ المجهولة من اوربامن العالم الاخر ... رحلة تفتقد إلى أبسط مقومات الرحلة العادية، فليس فيها وداع للأهل خشية الوقوع في قبضة حراس السواحل، وليس فيها تذكرة للرجوع لأنه آخر ما يفكر فيه هؤلاء البؤساء.. إنها ببساطة رحلة من مجهول إلى مجهول، ومن يأس إلى أمل يتأرجح بين الممكن والمستحيل . أمل لم تكن الأهوال العظام التي تحف به لتفت من عضده، ولا وحدات الحراس والقيود المرابطة على طول الشريط الحدودي، من اولة إلى الى اخرة، لتقف أمام زحفه الهادر .. ولا كل هذه الجثث التي يلفظها البحر، بين اللحظة والاخرى لسيّئي الحظ من هاته الأفواج البائسة من المغامرين .. ما كانت كل هذه المثبطات لتوقف زحفه البشري المستمر، والنزيف الذي لا يتوقف لأمواج اليائسين من مستقبل لا يُلمح فيه بصيص من نور ، ومن واقع مزري لا من شباب لا يعوضون يرجعون الى اهلهم حاملين اروحهم من خارج جسادهم بعد رحة الموت الاتية والذهبة الى المجهول وبرغم الفشل المتكرار الاوانهم مازل بيحاولون اتسال الان متى تنتهى هذة الماسة التى تزهب العقول.