بخطى سريعة، تصعد المعيدة الشابة درجات السلم المفضى إلى قاعة المداولة بمحكمة الأسرة بحلوان، قابضة بيدها على أوراق دعوى الطلاق للضرر التى أقامتها لتنهى بها زواجها الذى دام لعامين من رجل تمسك أمه بزمام أمره، فأينما توجهه يولى وجهه، يحب ماتحب، ويكره ماتكره ويطيعها حتى ولو كان فى معصية الخالق بحسب تعبيرها وتحدد له معالم حياته حتى مواعيد لقاءاته الحميمة مع زوجته هى من تضع جدولها. تبدأ الزوجة رواية تفاصيل حكايتها ل"صدى البلد" قائلة: "كان زواجنا زواجا تقليديا، يخضع لحسابات العقل والمنطق، وطبقا لتلك الحسابات الخالية من أى عاطفة كان زوجى عريس "لقطة" كما يقولون، وأى فتاة تحلم أن ترتبط بشخص فى مثل مواصفاته، فهو رجل ناجح فى عمله، ويجهز رسالة دكتوراه فى القانون، ميسور الحال، حسن الخلق والخلقة ومن أسرة مشهود لها بحسن السمعة وعراقة النسب". تبتسم الزوجة نصف ابتسامة وهى تواصل روايتها: "لكن بمجرد أن أغلق علينا باب الشقة القابعة فى بيت أمه حتى أدركت أننى كنت مخدوعة بمظاهر كاذبة، واصطدمت بغيرة حما ورجل يتركني بمفردي لينام في حضن والدته التي كانت تأبى أن يفارق ابنها "المدلل" حضنها، رجل يجرى الجبن والخضوع فى عروقه محل الدم، طول الوقت ينفذ أوامر أمه دون تفكير، ويسمح لها أن تتدخل فى أدق تفاصيل حياتنا، وتحدد لنا معالمها، ماذا نأكل؟، ومتى ننام؟، حتى مواعيد الجماع كانت هى من تتحكم فيها، وكثيرا ما كنت تستدعينى وتجلسنى أمامها كالمتهمة وتفتح لى تحقيق مطول وفى النهاية توصينى بألا اقترب من ابنها حفاظا على صحته، لدرجة أننى بدأت أشعر بأنها ضرتى وليست أم زوجى". تتسلل الكلمات ثقيلة من بين شفتي الزوجة وهى تتابع روايتها: "عامان مرا وأنا أحاول أن اخترق الحصار المحكم الذى تفرضه حماتى على حياتى، ولم أترك سبيلا إلا وسلكته حتى أجعل زوجى يكف عن إلقاء أسرار حياتنا الزوجية بين يدى والدته، فى البداية تحدث معه عن أن حياتنا لابد أن تكون ملكا لنا فقط وعلينا أن نعيشها دون تدخل من أحد لكنه صم آذانه، فطلبت منه أن ننتقل الى شقة أخرى بعيدا عن بيت أمه لعل حالنا يستقيم، لكنه رفض وتحجج بعدم قدرته على ترك والدته بمفردها، وعندما باءت كافة محاولاتى بالفشل ويأست من انصلاح حاله، قررت أن أهرب من هذا السجن الذى أعيش فيه واتركه لأمه كى تهنأ به وتدلله كيفما تشاء". تنهى الزوجة روايتها بنبرة مجروحة: "عدت إلى بيت أهلى وأنا أجر أذيال الخيبة وطلبت من زوجى أن يطلقنى وديا لكنه رفض تنفيذا لفرمان والدته، فتقدمت بطلب إلى مكتب تسوية المنازعات الأسرية بمحكمة الأسرة لتطليقى منه طلقة بائنة للضرر، وبعد فشل محاولات الصلح بيننا قررت أن أقيم دعواى بغية القضاء لى بطلباتى وتصحيح خطأى بتحمله لضعف شخصيته، فمن تتزوج من رجل يكون بين يدى أمه كالميت بين يدى مغسله، وينظر لامرأته باعتبارها زوجة على ورق لا كلمة لها ولا سلطان لن تفلح محاولاتها تغيره مهما حدث".