داخل إحدى قاعات الجلسات بمحكمة الأسرة بمصر الجديدة، جلست "راندا" صاحبة ال37 ربيعا فى ركن بعيد ، تطأطىء رأسها المثقل بالهموم، وتطوق جسدها الممتلىء بشال أسود اللون مطرز بخيوط فضية من الأطراف، لتبدو وكأنها تحتضن قلبها الموجوع، وتمنيه بقرب الخلاص من قهر 15 عاما ، قضتها مع زوج تمسك شقيقته "العانس"- بحسب روايتها - بزمام أمره، فأينما توجهه يولى وجهه، وما تأمره به ينفذه حتى ولو كان فى معصية الخالق ، بفضل دعوى الطلاق للضرر التى أقامتها ضده بعد اكتشافها اتهامه فى 7 قضايا نصب وسرقة. تقول الزوجة الثلاثيينة فى بداية حديثها:"لم أعلم بحقيقة زوجى إلا بعد أن تمت مراسم الزفاف، كنت لازال فى أوائل العشرينيات من عمرى حينما تقدم لخطبتى، أما هو فكان فى منتصف الأربعينيات، لكن ماله والشركة التى ادعى امتلاكها جعلت أهلى يغضون البصر عن فارق السن الكبير بينى وبينه، ويسلموننى له على طبق من فضة دون أن يتقصوا أثره أو يتحروا عن سيرته أو حتى يتأكدوا من صدق إدعاءاته، واهمين بأنه الرجل المنقذ الذى سيريح جسدى المنهك من الفقر، لكنه كان سبب شقائى، وعلى يده ذقت صنوف العذاب وواجهت شبح الموت، ودخل المال الحرام الى بيتى". تواصل الزوجة الثلاثينية روايتها بنبرة منكسرة:"وبعد أشهر معدودة من الزواج، تلقيت أول صدمة، حيث اكتشفت أن الشركة التى أدعى زوجى المحترم امتلاكها ماهى إلا ستار لإخفاء عمليات نصبه على العالمين، لم أعرف وقتها ماذا أفعل؟!، هل أطلب الطلاق وأنا لازلت عروس لم تزول نقوش حنة زفافها من يديها؟!، وماذا عن أهلى الذين تنفسوا الصعداء لأنهم تخلصوا منى أخيرا!، وبعد تفكير طويل وصراع بين الرحيل والبقاء إلى جوار رجل، ذاقت روحه طعم الحرام ، حسمت أمرى، وآثرت أن أخفي حقيقة زوجى فى نفسى، وحدثتها بأنها يكفيها بيت مستقل تستظل بجدرانه ويسترها، ما أصعب أن تقبل المرأة بحياة أسست منذ بدايتها على كذب وخداع، وأن ترضى باوضاع شاذة خوفا من السنة الناس التى لن ترحمها اذا ماوصمت بعار الطلاق، وأعينهم الشامتة فى خيبتها، وأيديهم الناهشة فى عرضها". تلوح على وجه الزوجة الثلاثيينة ابتسامة حزينة تزيده حسنا وهى تقول:"مرت الحياة معه ثقيلة وزادتها ثقلا شقيقته الخمسينية "العانس"، التى كانت تتدخل فى أدق تفاصيل حياتنا، ماذا نأكل؟، وماذا نشرب؟!، ومتى نلتقى؟!، نعم كانت هى من تحدد مواعيد لقاءاتنا الحميمة، ولا يمكن لزوجى أن يجتمع معى دون إذن منها، وكان لزاما عليه أن قدم لها تقريرا مفصلا بعد كل لقاء حميمى، وأحيانا كان يتركني بمفردي لينام في حضنها". تحافظ الزوجة الثلاثينية على ابتسامتها الحزينة وهى تسرد ماتبقى من حكايتها البائسة :" كان يبدوأمامها كالطفل المرتبك، يحب ما تحبه ويكره ما تكره، وكان يلقى مايجنيه من مال بين يديها، تمنحه لمن تريد وتمنعه عمن تريد ، كان تعلقه بها مرضى، وكانت هى تعتبره رجلها الذى لم يمنحها القدر إياه، ليس ذلك فحسب بل كانت تختار له عشيقاته، ظنا منها أنها بذلك ستكسرنى، لا أعرف ماسر عدائها لى؟!، ربما لأننى الوحيدة التى تزوجها شقيقها ، وهى معتادة على أن النساء فى حياته عابرات سبيل، يقضى مع كل واحدة منهن ليلة ثم يتركها". وبصوت مجروح تتابع:"أصابتنى أفعال زوجى بالبرود والإشمئزاز، وبت لا أبالى بعدد عشيقاته الذى تجاوز ال50، بل وصل بى الحال أننى صرت اختار له أنا الأخرى من يرافق، ولا أنزعج عندما يرينى رسائلهن الإباحية أو صورهن وهن فى أحضانه ، فلم يعد يربطنى به سوى ورقة زواج و3 أطفال ، حتى الفراش هجره بناء على تعليمات اخته بعد نشوب خلاف بينى وبينها، قبل أن تقنعه بالرحيل عنى نهائيا، وبيع شقة الزوجية، وتشريدى أنا وأطفالى، ولولا أننى تمكنت من سرقة العقد منه لكنت الآن نزيلة على أحد الأرصفة". تنهى الزوجة الثلاثينية حكايتها:"ترك زوجى البيت وكف عن الإنفاق علي أنا والصغار، فطرقت أبواب محكمة الأسرة، وأقمت ضده دعوى نفقة صغار وزوجية، وقبلت أن أظل زوجة له رغم توقى للخلاص منه كى احتفظ ب100 جنيه قيمة نفقتى الشهرية، لعلها تعيننى على تربية أطفالى وتسديد ديونى وإيجار البيت ومصروفات المدارس، لكن بعد اكتشافى سابقة اتهام زوجى فى 7 قضايا سرقة ونصب وصدور أحكام بالحبس ضده، أثناء محاولة تنفيذ الحكم الصادر لصالحى فى دعوى تبديد قائمة منقولاتى الزوجية أقمت قضية طلاق للضرر".