يشير عقرب الساعة الى السابعة صباحا، تستيقظ "منار" كعادتها، ترتب منزلها المتواضع، وتحضر طعام الفطور لطفلها البالغ من العمر خمس سنوات قبل ان ينطلق الى روضة الأطفال الرابضة فى آخر الشارع، تودع السيدة العشرينية الصغير من شرفة حجرتها، وتنتظر حتى يغيب عن ناظريها ثم تهرع لتلتقط ملابسها الانيقة لتلحق بجلسة التسوية الخاصة بدعوى الخلع التى اقامتها بمحكمة الأسرة بمصر الجديدة ضد زوجها المسجون 7 سنوات بتهمة القتل الخطأ - حسب روايتها- بعد عشرة دامت لاكثر من 7 سنوات. يستقر عقرب الساعات عند التاسعة مع صعود الزوجة العشرينية درجات السلم الرخامى المفضى لمكاتب تسوية المنازعات الأسرية بالمحكمة، تسقط "منار" بجسدها النحيل على أول كرسى معدنى يقابلها، ويستقر الى جوارها اخيها الصغير وصديقتها العشرينية، تسحب الهواء حتى يعلو صدرها، معلنة حالة الاستنفار القصوى بجميع حواسها، فى انتظار المثول أمام اعضاء مكتب التسوية لتعدد لهم أسباب طلبها للخلع، وبعد ساعات تبدأ الجلسة. " زوجى تاجر مخدرات وقاتل" بهذه الكلمات الممزوجة بالمرار والقهر بدأت الزوجة العشرينية رواية تفاصيل حكايتها لاعضاء مكتب تسوية المنازعات الأسرية، وبصوت يرتعش من الالم ووجه تعلوه ابتسامة تخفى وراءها حزن دفين على سنوات ضاعت مع رجل بلا قلب- حسب قولها- تتابع:" لم اعلم بحقيقته الا بعد أن تمت مراسم الزفاف، كنت لا أزال فى السابعة عشر من عمرى حينما تقدم لخطبتى، كان يكبرنى باثنى عشر عاما، لكن ماله وشركة التسويق العقارى التى أدعى امتلاكها جعلت أهلى يغضون البصر عن فارق السن الكبير بينى وبين عريس الغفلة، ويسلموننى له على طبق من فضة دون ان يتقصوا آثره او يتحروا عن سيرته او حتى يتأكدوا من صدق ادعاءاته، واهمين بأنه الرجل المنقذ الذى سيريح جسدى المنهك من عناء العمل فى المحال ومراكز التجميل، لكنه كان سبب شقائى، وعلى يده ذقت صنوف العذاب وواجهت شبح الموت، ودخل المال الحرام الى بيتى". تتحامل الزوجة العشرينية على آلامها وتكمل روايتها الى اعضاء مكتب التسوية والحزن يطبع بصماته على ملامح وجهها الخمرى:" بعد أشهر معدودة من الزواج اكتشفت أن شركة التسويق العقارى التى ادعى زوجى المحترم امتلاكها ماهى الا ستارا لإخفاء تجارته للمخدرات، وانه يمتلك سجلا اجراميا لا نهاية لسطوره، لم أعرف وقتها ماذا افعل، هل أطلب الطلاق وأنا لازلت عروس لم تزول نقوش حنة زفافها من يديها، ما اصعب ان تقبل بحياة اسست منذ بدايتها على كذب وخداع، وأن ترضى بأوضاع شاذة خوفا من ألسنة الناس التى لن ترحمك اذا ماوصمتى بعار الطلاق، وأعينهم الشامتة فى خيبتك، وايديهم الناهشة فى عرضك، ما أقسى أن تعيش الى جوار رجل، ذاقت روحه طعم الحرام، هدانى تفكيرى الى أن أبحث عن عمل أعيش منه بشرف بعيد عن المال الحرام الذى يجنيه رجلى من بيعه الحشيش ". ينتفض جسد الزوجة الثلاثينية وتترقرق الدموع فى عينيها فى مشهد يشى بدنو سقوطها وهى تختتم روايتها:" مرت الايام كئيبة وثقيلة، كنت اتمنى الموت فى كل لحظة وادعو الله القدير أن يقبض روحى كى ارتاح من الصفعات واللكمات والركلات الموجهه الى جسدى الضئيل بسبب وبدون سبب، لكنى كنت اتراجع واستغفره حينما تتجسد ملامح ابنى أمام ناظرى، زاد زوجى فى جبروته وطغيانه، لدرجة انه كاد أن يزهق روحى فى احدى وصلات تعذيبه لى، لكن هذة المرة حررت ضده محضر واتهمته بالشروع فى قتلى، وصدر بالفعل حكم بسجنه، ثم قبض عليه بجريمة أخرى وهى حيازة سلاح نارى، وتبين أنه قتل أحد الاشخاص أثناء ثورة 25 يناير بعد مشاجرة نشبت بينهما وصادر بحقه حكما غيابيا بالسجن 7 سنوات، ورغم مافعله بى وكذبه على لم اتخل عنه احتراما للعيش والملح والعشرة، بعت شقة الزوجية لأرسل له مالا فى محبسه واسدد اتعاب المحامين، عامين وانا اعيش فى هذا المرار، تعبت ولم أعد اتحمل، طلبت منه الطلاق لكنه رفض، فلجأت الى محكمة الاسرة طالبة الخلع ".