شهد العالم على مر تاريخه العديد من الأمراض والأوبئة المزمنة التي حصدت أرواح الآلاف وغيرت تاريخ الإنسانية بطرق غير متوقعة، ولعل أغرب تلك الأمراض على الإطلاق كان ما عُرف باسم "وباء الرقص" أو "طاعون الرقص". وربما لم يسمع الكثيرون عن مثل ذلك الوباء من قبل، إلا أنه في يوليو عام 1518 ضرب ذلك الوباء الغامض مدينة "ستراسبورج" التي كانت آنذاك جزءا من الإمبراطورية الرومانية المقدسة وهي الآن تقع في فرنسا وأصاب 400 شخص، وكان ذلك الوباء عبارة عن حالة من الهستيريا الجماعية دفعت المصابين بها إلى الرقص لعدة أيام بدون توقف حتى أن الأمر وصل إلى قيام البعض بالرقص لمدة تصل إلى شهر. وبدأ انتشار المرض عندما شرعت سيدة تدعى "تروفيا" في يوم 14 يوليو لذلك العام، في الرقص بدون توقف في أحد شوارع مدينة "ستراسبورج"، بالرغم من عدم وجود موسيقى، واستمرت في الرقص لمدة تتراوح ما بين 4 إلى 6 أيام، وخلال أسبوع انضم لها 34 شخص آخرين، وخلال شهر أصيب نحو 400 شخص بذلك الوباء، وكان أغلبهم من النساء. وفي نهاية المطاف، لقي بعض هؤلاء الأشخاص مصرعهم إثر إصابتهم بأزمات قلبية أو سكتات دماغية أو بسبب الإجهاد؛ وأفاد تقرير بأنه خلال فترة تسبب ذلك الوباء في مصرع نحو 15 شخص يوميا. ووفقا لموقع "Mental Floss"، فإن المصابين بالمرض بدوا "غير واعين"، ونادرا ما كانوا يتوقفون عن الرقص لتناول الطعام أو للحصول على قدر من الراحة؛ واستبعد الأطباء المحليون أن يكون ذلك المرض ناتجا عن أسباب "خارقة للطبيعة"، وأشاروا إلى أن "وباء الرقص" هو "مرض طبيعي" ناتج عما وصفوه ب"الدم الحار". واعتقد الأطباء أن أفضل طريقة لعلاج المرض تتمثل في التشجيع على المزيد من الرقص كي يتخلص المرضى من ذلك "الهذيان" من خلاله، فقامت السلطات بافتتاح قاعتين للرقص وتشييد مسرح خشبي، وذلك اعتقادا منهم بأن المصابين بالمرض سيتعافون إذا رقصوا بشكل متواصل ليلا ونهارا، ولزيادة فعالية ذلك العلاج، دفعت السلطات الموسيقيين لكي يستمر الراقصون والراقصات في الرقص. وأشار الموقع إلى أن تلك الخطة لم تحقق نجاحا كبيرا، إذ أنها شجعت مزيدا من الأشخاص على الرقص، مضيفا أن المرض استمر حتى شهر سبتمبر، وبعدها توقف فجأة وبشكل غامض كما بدأ تماما. وتوجد العديد من النظريات بشأن سبب ذلك الوباء الغامض، فالبعض يعتقد أنه انتشر بسبب التسمم الغذائي الناجم عن فطر الإرجوت، الذي كان كان موجودا بالحبوب الغذائية كالقمح أو الشعير الرطب؛ إلا أن المؤرخ "جون والر" شخص ذلك المرض على أنه "حالة هذيان جماعي ناتجة عن الإجهاد".