العالم يتحدث الآن عن وصول الإسلاميين إلى الحكم في أكثر من دولة عربية بعد سقوط أنظمة القمع والاستبداد وإجراء انتخابات حرة دفعت بالإسلاميين إلى دوائر الضوء.. انزعج العالم الغربي من هذه الأحداث وبعد أن كان يتحدث عن الثورات العربية بقدر كبير من التقدير والانبهار تغيرت لغة الحديث وبدت في الأفق أطياف صراعات وكوارث قادمة.. كانت حسابات الغرب كلها تستبعد ظهور التيارات الإسلامية في الأفق، خاصة مع الاطمئنان الشديد إلى نظم مستبدة وعملاء صدقوا في ولائهم وطبقات اجتماعية وسياسية من النخبة كانت ومازالت تصنع الديمقراطية التي تناسب هواها وكان من أهم شروطها ألا يسمح نظام سياسي بفتح الأبواب للإسلاميين تحت أي ظرف من الظروف.. لاشك أن المفاجأة كانت كبيرة على الجميع بمن فيهم الإسلاميون أنفسهم، فلا أعتقد أنهم تصوروا يوما أن يحققوا مثل هذه الإنجازات في الشارع العربي.. إن القضية الآن ليست ظهور الإخوان المسلمين والسلفيين في مصر بهذه القوة ولكن الأخطر أن هذه التيارات اكتسحت أكثر من دولة عربية وتتهيأ الآن للمزيد.. هناك طوق يبدو أنه يكتمل ليسقط في يد نظم إسلامية بدأ باكتساح الإخوان المسلمين للانتخابات في تونس من خلال فوز حزب النهضة ثم نجاح الثورة الليبية وقد أفصحت عن وجهها الإسلامي طوال فترة الصراع مع القذافي ثم جاء فوز الإسلاميين في المغرب وتشكيلهم للحكومة واختتم المسلسل أحداثه بالنجاح المذهل للإسلاميين من الإخوان والسلفيين في المرحلة الأولى من الانتخابات في مصر.. وعلى بعد مسافات قصيرة تستعد اليمن لاستقبال نفس الحدث ولن يكون بعيدا وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم في سوريا مع سقوط الأسد ودولة العلويين.. تبدو الأحداث سريعة ومتلاحقة ولكنها في الحقيقة كانت قد أرسلت أكثر من رسالة منذ سنوات مضت لم تستوعبها الأنظمة الحاكمة ولم تسع لفهمها أو التعامل معها بقدر من الحكمة لأن الجميع اختار أبشع أساليب العنف والاستبداد في هذه المواجهة.. منذ سنوات جاءت الرسالة الأولى من الجزائر حين اجتاحت جبهة الإنقاذ انتخابات المحليات في أرجاء الجزائر ورفضت السلطة العسكرية احترام إرادة الشعب فكانت الحرب الأهلية التي امتدت خمسة عشر عاما وسقط فيها أكثر من 150 ألف شهيد وعانت الجزائر كوارث كثيرة بسبب هذه الفترة الدموية في تاريخها الحديث.. جاءت الرسالة الثانية من الأرض المحتلة في فلسطين حين أجريت الانتخابات التشريعية بين فتح وحماس وفازت حماس بأغلبية ساحقة وتكاتف العالم العربي والأجنبي والإسرائيلي ضد حماس وانقسم الشارع الفلسطيني وأعلنت حماس استقلال غزة وأعلنت فتح دولة السلطة في رام الله ومازالت الكارثة تطل بكل آثارها على الشعب الفلسطيني.. كان فوز الإسلاميين في الجزائروفلسطين رسالة إلى الأنظمة المستبدة وبدلا من أن تتفهم هذه الأنظمة طبيعة المرحلة وما يحدث لشعوبها من تغيرات ازدادت قمعا وعنفا واستبدادا، وقد ساعدها على ذلك مناخ عالمي شديد القسوة أعلن الحرب على الإسلام والمسلمين بعد أحداث 11 سبتمبر وقادته أمريكا والغرب واستخدمت كل أساليب الدمار والقتل ضد الشعوب الإسلامية.. اندفعت القوات الأمريكية وحلفاؤها لتحتل العراق وتسقط عاصمة الرشيد تاج العواصم العربية ويسقط ملايين الشهداء من أبناء الشعب العراقي وتنهار الإرادة العربية بشعوبها وحكامها أمام الطاغوت الأمريكي.. وضاع نفط العراق وثرواته ودخل في صراعات دامية كانت الطائفية وقودها الدائم ومازال الشعب العراقي يدفع ثمن الجنون الغربي والتواطؤ العربي وتحولت المواجهة في العراق إلى حرب صليبية لم يتردد الرئيس الأمريكي بوش في أن يتحدث عنها صراحة وهو يحتفل بسقوط بغداد في يد القوات الأمريكية.. واستمر مسلسل العدوان واحتلت أمريكا وحلفاؤها أفغانستان بدعوى القبض على بن لادن رغم أن أمريكا كانت قادرة على الوصول إليه في أي وقت دون غزو أو احتلال.. وعلى جانب آخر كان الفلسطينيون في غزة يدفعون ثمن اختيارهم أمام الغزو الإسرائيلي المتوحش لغزة وتدمير كل شيء فيها أمام صمت عربي مريب ومهين.. كان الغريب في الأمر أن أنظمة القمع العربية المستبدة وقفت أمام كل هذه الأحداث ولم تفعل شيئا واكتفت بالإدانة بل إن الكثير من قوات الاحتلال الأجنبية خرجت من قواعد عسكرية في عواصم عربية وهنا كانت بداية ثورة الغضب في الشعوب العربية تجاه حكامها العملاء ومؤسساتها المتواطئة وأحوالها المعيشية المتدنية.. ومع الغزو العسكري والاحتلال السياسي والفكري والحضاري للشعوب العربية من الغرب ظهرت أزمة الهوية العربية التي ترسخت تماما أمام واقع سياسي وفكري وعسكري وصل إلى أسوأ وأحط درجاته.. كانت هذه الشعوب قد عاشت حلما شامخا في ظل مشروع كبير هو القومية العربية ولكن هذا الحلم سرعان ما ترنح أمام مؤامرات دولية ومحلية كثيرة وأصبح مجرد طيف عابر في خيال قلة من أصحاب الفكر والرؤى ثم أخذ مكانا بعيدا واختفى.. دارت الشعوب العربية مرة أخرى في دوامات إقليمية سريعة لم تصمد طويلا وذابت أمام موجات الإحباط والانكسار والتبعية.. وفي هذا السياق غاب دور الكيان الأكبر في العالم العربي وهو دور مصر وظهرت قوى كثيرة من العرب أنفسهم تحاول الانقضاض علي هذا الدور ثم كانت العلاقات المريبة مع الكيان الصهيوني سواء كانت علنية كما حدث مع الأردن ومصر أو سرية كما حدث مع معظم الدول العربية الأخرى.. ووجدت أمريكا وربيبتها إسرائيل الفرصة سانحة تماما لاحتواء هذه الوليمة الضخمة بكل ما فيها من البشر والموارد.. ولاشك أن الشعوب الإسلامية أمام حكام مستبدين ونظم عالمية غاية في الإرهاب لم تجد أمامها غير أن تعود إلى هويتها الأولى وهى آخر ما يبقى للإنسان حين تسقط أمامه كل مصادر الحماية واليقين.. كان الإسلام العقيدة هو طريق العودة إلى الذات واختار أصحاب العقائد الأخرى العودة إلى جذورهم ومعتقداتهم سواء كانوا من الأقباط أو المسلمين الذين انقسموا ما بين السنة والشيعة وبقية المذاهب الأخرى.. ومع نهب ثروات هذه الشعوب سواء من القوى الأجنبية المحتلة أو النظم العتيقة المستبدة، ازداد الفقراء فقرا وازداد السفهاء واللصوص غنى وكانت العودة للدين هى المنقذ من الضلال - على حد قول الإمام الغزالي - رحمه الله... في هذه التربة ووسط هذا المناخ كانت العودة إلى الدين هى الحل واقتربت هذه العودة في أحيان كثيرة من أطراف المواقف، فكانت لعنة التعصب التي شجعتها بعض الأنظمة العربية التي رأت في الدين وسيلة من وسائل القمع وتوريث الحكم وفرض وصايتها على الشعوب، وهنا أيضا اتسعت دائرة القمع والانتقام من التيارات الإسلامية وساعد على ذلك مناخ عالمي أغمض عينه عن جرائم إنسانية ارتكبتها حكومات مستبدة ضد هذه التيارات واختفت لغة الحوار وغابت سماحة الأديان ووجد مئات الآلاف من الإسلاميين أنفسهم في السجون والمعتقلات ومات الآلاف منهم دون أن تصل إليهم أيادي العدالة.. كان الخطأ الأكبر أن هناك فئات اجتماعية وفكرية شاركت في هذه الجرائم حماية لمصالحها وخوفا من صعود هذه التيارات التي تهدد هذه المصالح، كما أن بعض هذه الفئات ارتبط بعلاقات مشبوهة مع دوائر أجنبية ووقع الإسلاميون فريسة جبهات ثلاث: مناخ عالمي متوحش، وأنظمة حاكمة مستبدة.. وفئات اجتماعية وسياسية متواطئة.. وهنا دارت المعركة التي استمرت سنوات طويلة سقط فيها ملايين الضحايا والشهداء ما بين احتلال مغتصب وغزوات دمرت كل شيء ونظم حكم قمعية ومناخ ثقافي وفكري مريض استباح حرية الرأي والحوار وكان أقرب للإرهاب والتعصب منه إلى الرؤي الصحيحة.. ومع انطلاق مواكب الثورات في العالم العربي بدأ الزلزال من تونس وسرعان ما اندفع إلى مصر ثم اليمن ثم ليبيا ليأخذ مكانه في سوريا، وخلال شهور قليلة اختفت من الساحة أربعة رءوس مستبدة من مصر وليبيا وتونس واليمن وأفاق الغرب على واقع عربي وإسلامي جديد، خاصة حين أدرك أن القوى الإسلامية كانت وراء نجاح هذه الثورات وكانت شريكا فاعلا فيها وهنا اتضح أن هناك تيارات إسلامية واضحة وصريحة لم تحاول إخفاء هويتها أو التستر عليها وبدأت رحلة الشعوب في الاختيار فكان فوز النهضة في تونس وعودة الغنوشي للسلطة ثم كانت المرحلة الأولى من الانتخابات في مصر وفوز الإخوان المسلمين والسلفيين ثم كان اكتساح الإسلاميين للشارع السياسي في المغرب وتشكيل الحكومة ثم اغتيال القذافي وهروب علي صالح وحصار الأسد.. إن هذا يعني أننا أمام واقع سياسي جديد ليس في مصر وحدها ولكن الواضح أن هناك تيارا إسلاميا كاسحا اجتاح المنطقة كلها رغم اختلاف ألوانه وتوجهاته ومصادره وأن على الشعوب العربية أن تستوعب التجربة وتتعامل معها كنقطة بداية نحو تجربة ديمقراطية حقيقية وعلى القوي العلمانية والليبرالية والأحزاب المختلفة أن تقبل النتيجة وأن تستعد لمواجهات أخرى في ظل مناخ جديد يؤمن بالتعددية والرأي الآخر، فلا توجد ديمقراطية حسب الأهواء والرغبات والمصالح لفئة دون أخرى وعلى الجميع أن يقبل النتيجة، من فازوا ومن لم يفوزوا، وأن يكون ذلك بداية مرحلة جديدة تشهد صياغة واقع سياسي وفكري وثقافي يحترم حقوق الإنسان ويؤمن بحق الشعوب في اختيار مصيرها بعيدا عن أدوات القمع والبطش والاستبداد وإقصاء الآخر.. وإذا كان هناك فريق قد فاز في هذه الجولة أمام إرادة شعبية، فإن النتيجة سوف تحكمها مواجهة حقيقية لقضايا المجتمع وأزماته، خاصة أن العبء ثقيل جدا وأن المسئوليات جسيمة وأن المستقبل يحتاج إلي فكرنا جميعا بإختلاف مواقفنا واتجاهاتنا وان الانقسامات في هذه اللحظة التاريخية يمكن أن تهدد الحاضر والمستقبل معا.. إن القوى الإسلامية لم تطرح حتى الآن مواقفها وبرامجها نحو المستقبل وربما كان السبب في ذلك أنها تعيش نشوة الانتصار ولكن جاء الوقت لتكشف عن أهدافها.. إن فوز الإسلاميين ليس نهاية العالم كما يتصور البعض والفائز اليوم يمكن أن يخسر غدا وهذه هى مزايا الديمقراطية: أنه لا يوجد حاكم كتم على أنفاس شعبه ثلاثين عاما كما حدث عندنا.. إن السؤال الآن.. ما مستقبل مصر في ظل هذه التحديات؟.. وما صورة الإسلام السياسي القادم وما دور النخبة وما مصيرها؟..
.. ويبقى الشعر عودوا إلى مصر ماء النيل يكفينا منذ ارتحلتم وحزن النهر يدمينا أين النخيل التي كانت تظللنا ويرتمي غصنها شوقا ويسقينا ؟ أين الطيور التي كانت تعانقنا وينتشي صوتها عشقا ويشجينا؟ أين الربوع التي ضمت مواجعنا وأرقت عينها سهدا لتحمينا ؟ أين المياه التي كانت تسامرنا كالخمر تسري فتشجينا أغانينتا ؟ أين المواويل؟.. كم كانت تشاطرنا حزن الليالي وفي دفء تواسينا أين الزمان الذي عشناه أغنية فعانق الدهر في ود أمانينا هل هانت الأرض أم هانت عزائمنا أم أصبح الحلم أكفانا تغطينا جئنا لليلى.. وقلنا إن في يدها سر الحياة فدست سمها فينا في حضن ليلى رأينا الموت يسكننا ما أتعس العمر.. كيف الموت يحيينا كل الجراح التي أدمت جوانحنا ومزقت شملنا كانت بأيدينا عودوا إلى مصر فالطوفان يتبعكم وصرخة الغدر نار في مآقينا منذ اتجهنا إلي الدولار نعبده ضاقت بنا الأرض واسودت ليالينا لن ينبت النفط أشجارا تظللنا ولن تصير حقول القار.. ياسمينا عودوا إلى مصر فالدولار ضيعنا إن شاء يضحكنا.. إن شاء يبكينا