اختلف العلماء فِي انْعِقَادِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا ارْتِبَاطَ بَيْنَهُمَا ، وَأَنَّ كُلَّ امْرئٍ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ، وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا مُنْعَقِدَةٌ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ وَفَرْعٌ عَلَيْهَا مُطْلَقًا فَكُلُّ خَلَلٍ حَصَلَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ يَسْرِي إلَى صَلَاةِ الْمَأْمُومِ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَد. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهَا مُنْعَقِدَةٌ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ، لَكِنْ إنَّمَا يَسْرِي النَّقْصُ إلَى صَلَاةِ الْمَأْمُومِ مَعَ عَدَمِ الْعُذْرِ مِنْهُمَا فَأَمَّا مَعَ الْعُذْرِ فَلَا يَسْرِي النَّقْصُ، فَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ يَعْتَقِدُ طَهَارَتَهُ فَهُوَ مَعْذُورٌ فِي الْإِمَامَةِ، وَالْمَأْمُومُ مَعْذُورٌ فِي الِائْتِمَامِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا. وَعَلَيْهِ يَتَنَزَّلُ مَا يُؤْثَرُ عَنْ الصَّحَابَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ أَوْسَطُ الْأَقْوَالِ. وذكر أحد العلماء أنه لا يلزم بطلان صلاة المأموم بمجرد بطلان صلاة الإمام ؛ لأن المأموم إذا أتى بصلاته ، بشروطها وأركانها وواجباتها لم يجز إبطالها إلا بدليل صحيح ، ويدل على ذلك ما رواه البخاري (694) وأحمد (8449) – واللفظ له - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (يُصَلُّونَ بكُمْ، فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ ولَهُم ، وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ). وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "قَالَ اِبْن الْمُنْذِر: هَذَا الْحَدِيث يَرُدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ صَلَاة الْإِمَام إِذَا فَسَدَتْ فَسَدَتْ صَلَاة مَنْ خَلْفَهُ". وأوضح الإمام السعدي رحمه الله أن "المأموم المعذور الذي لا يعلم حدث إمامه ولا نجاسته صلاته صحيحة ولو كان الإمام عالمًا بحدث نفسه ونجاسته؛ لأن لكل نفس ما كسبت، وعليها ما اكتسبت، والمأموم لم يحصل له من مبطلات الصلاة ومفسداتها شيء، فكيف يحكم ببطلان صلاته؟! بل الصواب أنها لا تبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة إمامه في كل صورة حتى ولو بطلت في أثناء الصلاة وخرج منها، فإن المأموم يبني على صلاته إما منفردًا ، أو يصلي بهم أحدهم بقية صلاتهم، وهو رواية قوية عن الإمام أحمد".