الرداء الأسود في انتظارك ب"المعصرة"، لسان حال حوائط وأهالي شارع عبدالرحمن الذي ودع بالأمس القريب شهيدين من أفراد الشرطة المصرية، أمينى الشرطة الشهيد أحمد غريب، والشهيد أحمد مرزوق. اتشحت نهايات الشارع بالسواد، وضم سرادق عزاء من بدايته حتي نهايته، حيث أغلقت السرادق نهاية الشارع، وكان في إستقبالنا والد الشهيد، رجل "صعيدي" ارتسمت علي ملامحه علامات الجنوب الدافئة، يرتدي جلبابا وعيناه تمتلئ بالدموع. قدمت "صدى البلد" واجب العزاء في الشهيد لأهل منزله، وكانت كلمات والداه ك"الأعيرة النارية" في الآذان، مرددا: حسبي الله ونعم الوكيل، قادر علي كل شيء. وقص والد الشهيد علينا لحظات النهاية، قبيل استشهاد الابن الغالي بساعات قليلة، قائلا:" قبل رحيله إلي عمله بساعتين، اطمأن علي وسألني عن العلاج الخاص بي، وعندما اكدت له أنني امتلك علاجي، تأكد بنفسه وقام بفتح الثلاجة ووجد أن العلاج ينقص شريطي أدوية، فقال لي :"هجبهملك وانا جاي يابا"، ثم استأذن مني أن يذهب إلي النوم ساعة قبل عمله. وتابع الأب المكلوم، لم أكن أعلم بأنه يودعني، ويودع المنزل، ولكن الله قادر علي كل شيء، وفي تمام الثانية عشرة ونصف صباح الأحد، تلقيت مكالمة هاتفية من أحد أقاربنا بمدينة حلوان، قائلا لي:"تعرض أحمد لحادثة بسيطة منذ قليل وتعرض لكدمات"، فأعتقد الأب أن الحادثة متعلقة بالدراجة النارية الخاصة به. وأضاف، اسرعت بالذهاب ومعي والدته إلي مستشفي النصر بحلوان، وبمنتصف الطريق تقابلنا مع بعض الأكمنة التي أكدت أن هناك صعوبة في الوصول إلي الشارع الغربي بحلوان نظرا لوجود حادث امني كبير، فعادت والدته للمعصرة، واستكملت مسيرتي حتي قسم شرطة حلوان، وعندما دخلت إلي ديوان القسم تلقيت خبر استشهاد ولدي وسندي في الحياة. وتعود شقيقة الشهيد، بدموع مختبئة، بالحديث لما قبل استشهاده، رأيته ونظرت في عينيه ولم اكن لدي علم أو ادني احساس انها النظرة الأخيرة لأخي، ولكنني افتخر كوني شقيقة بطل استشهد فداء لتراب الوطن. وعلي يمين الغرفة الصغيرة، داخل منزل الشهيد، وجدنا "سريرا" تجلس عليه الأم المكلومة، وعينيها في حياة أخري، وبدأت حديثها بأنها لم تلق نظرة الوداع علي نجلها، حيث منعها من رؤيته قبل ذهابه إلي مقر عمله تواجدها بمنزل شقيقته الأخري لزيارة أطفالها كونها توفيت منذ فترة صغيرة. وأضافت الأم، شعرت بقبضة داخل قلبي عندما تم منعنا من الوصول إلي مقر الحادث بالشارع الغربي، وعندما عدت إلي المنزل، شعرت أنها النهاية، وقبل تلقي خبر استشهاده كنت أشعر أنني فقدت حواسي ونظري وأن فلذة كبدي قد حدث له مكروه .