تلاحقت الأحداث والحوادث فى مصر خلال الفترة الوجيزة الماضية، فمن أزمة نقابة الصحفيين مع وزارة الداخلية إلى عمليات الاغتيال التى تلاحق عناصر البلد الأمنية والعسكرية سواء فى سيناء أو بقلب القاهرة، وانتهاء بسلسلة الحرائق التى اشتعلت بصورة متتالية فى أكثر من مكان داخل القاهرة وتسببت فى خسائر بشرية ومالية فادحة. لتزداد بيننا نحن المصريين تلك الحالة العجيبة التى أفرزتها السنوات الخمس الماضية من تبادل للاتهامات وتوجيه السباب والشتائم، والحط من شأن من يخالفنا الرأى والتوجه، ومحاولة إذلاله وتركيعه والنيل من كرامته وهيبته، ومعايرته بعله فيه إذا وجدت، حتى وصل بنا الأمر إلى تخوين بعضنا البعض ، والتعامل بمبدأ من ليس معى فهو ضدى. وتحولنا بوعى أو بدون إلى جلادين يجلد بعضنا بعض بكل قسوة ودون رحمة ، تحولنا فى كل قضية من القضايا إلى سياسيين ومحللين ووكلاء نيابة وقضاة ، وأنقسمنا إلى فريقين ، يكره أحدهما الآخر ، ويراه عدوا له ينازعه فى مصالحه وحياته ومستقبلة بل وفى وطنه. أصبحنا لا نطيق أن نسمع لبعضنا، أن نحاول، مجرد محاولة أن نفهم، وأن ندرك الحقائق، أن نقول رأينا ومايختلج فى صدورنا باسلوب متحضر راق ، وأن نمنح الآخر نفس المساحة من حرية التعبير. أصبحنا نرفض حتى إعطاء الفرصة للآخرين ليعبروا عن رأيهم، ليوضحوا لنا أسبابهم، بل تحول همنا الأكبر من محاولة إصلاح المجتمع، والعمل على المشاركة فى عملية التغيير التى نسعى جميعها إلى إحداثها فى بلدنا، إلى التركيز على إسكات أى يصوت يخالفنا الرأى أو التوجه، فنحن، ونحن فقط، على حق. نحن أصحاب الرؤية الصحيحة والرأى الصواب والصوت العالى، ومن يرى غير ذلك فالتهم جاهزة ومعدة مسبقا، فالمختلف معى لن يخرج عن اثنين، إما أخوانى أوعميل خائن للوطن، وكلاهما يجب أن يدمرا. جميعنا بلا أستثناء أصبحنا آلهة يجب أن يتبعنا المريدون ويسيروا وراءنا معصوبي الأعين دون نقاش أو حوار أو حتى تفكير، وما دون ذلك فهم كفار يجب القضاء عليهم والتخلص منهم. حالة الاستقطاب والتربص التى نعيشها كمصريين لن تحل مشكلة ، ولن تؤمن وطن، ولن تجعلنا أبطالا، لكنها للأسف الشديد ستغذى شجرة الكراهية والحقد فى نفوسنا تجاه الآخر، وستجذبنا جميعا شعبا ودولة إلى قاع الحضيض، وستصب فى صالح أعدائنا الحقيقيين. حضيض سيطيح بكل آمالنا فى الأزدهاروالرقى والاستقرار، واللحاق بركب التقدم والحضارة الذى يمضى مسرعا ونحن لانزال نقف فى مكاننا منذ سبعة الآف سنة مضت، لم نتقدم ولم نتطور، وفشلنا حتى فى الاحتفاظ بما كنا عليه أيامها.
حضيض سندفع جميعا ثمنه من دمائنا ودماء أبنائنا، ودماء الأجيال المقبلة التى ستلعننا حتما، وتلعن غباءنا وكبرياءنا الأجوف الذى أودى بحياتنا وحياتهم فى أتون الصراعات الذى لا تجف ولا تنضب. أفيقوا يرحمكم الله قبل فوات الآوان، تصالحوا مع أنفسكم قبل أن تتصالحوا مع الآخر، دعوا الكراهية والحقد، وكفاكم انقساما واستقطابا، استمعوا لبعضكم البعض، تعاملوا بإنسانية ورقى، تناقشوا، تفاهموا، فمشاكلنا واحدة، وهمومنا واحدة، وهدفنا واحد مهما اختلفت سبل الوصول إليه، فجميعنا نرغب فى العيش بعزة وكرامة، ونطمح فى تحقيق الأمن والأمان والاستقرار لبلدنا وأهلنا.