مازالت النبرات المعادية للدين الإسلامي تصدع من أجل إلصاق التهم الزائفة بالدين الحنيف و الداعية إلى التشكيك في سماحته ونفي صفة العفو و التسامح عن مبادئه ؛ آملا في إلصاق الصنيع الإرهابي إلى ديننا، ولكن هذه الأصوات تذهب دون صدى؛ لأن الحقيقة واضحة بائنة للرائي ... والشواهد على ذلك ممتدة امتداد الصحراء الفسيح. فقد كانت الحقائق التاريخية من السيرة النبوية خير برهان على أن النبي المختار ومعلم الأمة الإسلامية لم يك مائلا إلى العنف بل اتسمت شخصيته بالرفق و الرحمة ؛ لقد وسع النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - النَّاس برحمته فكان أبغضُ النَّاس إليه أحبَّ النَّاس إليه قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ). وقد جاء عمر بن الخطاب إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يريد قتله والقضاء عليه، فما لبث إلا أن صار مؤمناً ناصرا لدين الله. فما أعظم العفو في الإسلام عبر الأزمان ؛ حيث كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - رحيماً حتى بأعدائه، فكان يعفو عنهم مع كامل القدرة عليهم، ولم يكن ليتعامل معه بالقوَّة والقهر، فقد قال لهم بعد فتح مكة:" ما تظنون أنِّي فاعل بكم؟ قالوا: خيراً أخٌ كريم وابنُ أخ كريم. فقال لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء". وهذا الحديث الشريف يبيِّن قيمة العفو في الإسلام وأثره على فاعله ، و يبرز لنا مشاهد النصر والكبرياء للمسلمين حال دخولهم مكة ، و يجسد الصراع النفسي الداخلي و الممثل في مشهد حال أهل مكة ، و مشهد تحول الحال من العناد إلى التصديق من قِبل المعاندين والكارهين لشخص الرسول - صلى الله عليه و سلم - فالصورة المجسدة المقتبسة من دخول المسلمين مكة فاتحين لها ، جعل المستمع يجمل قراءات السيرة في فتح مكة وإن كانت بشكل موجز؛ و التأكيد على أن الدين الإسلامي يدعو إلى العفو والتسامح . وهذه هي مكة التي أستأثر صناديدها و كفارها بها دون المؤمنين لفترة موقوتة ، وكان خروج محمد – صلى الله عليه وسلم – عنها أمرا موقوتا ؛ لأنها أحب البلاد إليه ، حيث َقَالَ : " عَلِمْتُ أَنَّكِ خَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ ، وَأَحَبُّ الْأَرْضِ إِلَى اللَّهِ عز وجل ، وَلَوْلَا أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا خَرَجْت " قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ : وَالْحَزْوَرَةُ عِنْدَ بَابِ الْحَنَّاطِينَ". و يشاء الحق – سبحانه و تعالى – أن تحرَّم مكة على الكفار أرضا و جوا إلى يومنا هذا؛ لتصير مقصورة على المسلمين فقط ، ليكون ذلك شاهدا على إعجاز الإسلام ، وصيانة لقدسية بيت الله الحرام. فهذا هو ديننا الذي يحمل بين طياته أسباب التوكل المردوف بالمدد و العون من الله – سبحانه و تعالى ، و هذه هي عقيدتنا التي تضحد العدوان و تعلي من قيمة العفو والتسامح. و أما ما نشهده من أعمال ترهيبية على يد مدعي الإسلام فهم ليسوا من الإسلام في شيء بل هو عين المكيدة المدبرة التي يراد بها باطل ، ولاشك أنها تتلاشى و تزول ما دام فينا القرآن الكريم و سنة محمد.