أنت هنا؟ في هذا الشرق المبتلى؟ لا تتعشم في العقل.. لا تدور حول قيم الإبداع.. لا تطلق خيالك لخصلة الشمس الغاربة.. فليس حولك بعد لحظات إلا ليل بعيد صباحه.. غائبه نجومه.. لا ترى فيه العين طريقها!! هنا فقط يا صديقي مسموح لك أن تطلق كل حواسك إلا بصيرتك فإنها تجلب لك وشوشة القدر الذي ربما يدبر على حين غرة أمرا لا يسرك!! وكذلك أنت حر هنا في أن تطلق كل غرائزك، ولكن حذارى من أن يدور هاتفك حول ملكة التفكير بأي عقل، فهنا العقول مصلوبة على أبواب المدينة قد سئمت من الجور والقهر!! هذا الشرق يا صديقي هو نفسه الذى وأد البنات قديما يئد الإبداع كما تراه بين أزقتنا اليوم! وإياك يا صديقي أن ترسل عينيك لتراقب الطيور وتشتاق، فهذا أعظم اتهام يخرجك من الولاء لحزمة القطيع ويقطع بك كل طريق حين تريد أن تنطلق لتنال الدور! بعيدة جدا قيم الدولة الحديثة التي يملأون الفضاء عنها بضوضاء لا تقوى السطور على أن تراها، وأكثر منها بُعدا قيم التجديد في بنية الخطاب والفكر الذى كان أملا ثم أضحى تهمة تلاحق كل مجدد أو متجدد أو باحث عن حقيقة!! هنا يا صديقي في هذا الشرق لا تغتر بالشعارات، ولتعلم أنها لا تستطيع أن تصبح في سماء الشرق إلا ضبابا لا يجود بمطر، ولا يمكن لها إلا أن تصبح شيئا يدغدغ المشاعر للعبور من مرحلة الخطر، ثم يبقى كل شيء أسوأ مما كان!! وقد حدث كما قلت لك إنه في يوم الأحد الأول من مايو 2016م وهو عام اشتهر في هذا الشرق التعيس بأنه أكثر الأعوام ألما طُعنت في رحابه كل القيم الكبيرة ابتداء من حرمة الأوطان إلى حرمه الأمان!! في هذا اليوم يا صديقي تم اقتحام نقابة الصحفيين في مصر على يد رجال من وزارة الداخلية!! لتعلن المهنية غيابها في كل مؤسسات الدولة تقريبا، فلا أحد يُقبل على خطوة ثم يسبقها بمجرد التفكير في عواقبها على سمعة الوطن والدولة بل وسمعة القانون والدستور والقيم، بل وسمعته أمام التاريخ حينما يمسك بيده عن هذه الفترة من عمر الوطن قلمًا ليخط شهادته على نقابه الأقلام التي فقدت عذريتها يوم داستها نعال رجال الأمن باحثة عن صحفيين معتصمين في رواقها ظنوا لوهلة أنها حرما آمنا لحرية التعبير، وأن من دخلها كان آمنا كما كان يقول لهم الدستور وتحكي لهم سطور التاريخ عن زخم القيم!! ندرك أن القانون يجب ألا يستثنى أحدا، وأن سيادة القانون يجب أن تبقى عمياء لا تنظر للمقامات والرُتب، ولكن آلية التطبيق ومهنيتها تحتاج للنظر، وأن يصبح هناك من الوسائل البديلة التي ترفع عن الداخلية اللوم عندما تورطها في مشهد مهين كهذا تراق فيه قيمة النقابة العريقة ورمزيتها في واقع لا تراعي فيه الداخلية نفسها، مئات الأوامر النيابية الصادرة بالضبط والإحضار لرجال طلقاء في شوارع القاهرة!! ندرك كذلك أن هناك مجموعات مدسوسة على مهنة الصحافة والإعلام ولا يمكن لها أن تعبر عن ضمير الحرية ولا قيمة الكلمة ولا مسئولية الحروف، وهي تعيش لتشرب بالأحبار وتأكل بالدناءة، ولكن هذا أيضا لا يمكن أن يكون مبررا لارتكاب حماقة تُهان فيها رمزية نقابات مصر التي تعبر عن خيرة شبابها وخبرائها وعظمة شعبها!! الخطأ كبير.. السكوت عنه يفتح بابا للتكرار.. عدم التصدي لعبثية الداخلية سيجعلها تتغول على الحقوق وتربي خميرة الصدام مع الدولة وحينها لن يكسب أحد وعليه نحذر لوأد هذا الخطر. ليبقى تطبيق القانون حقا يحتاج لمهنية تحمي الحقوق لا تريقها، وتبقى النقابات حصنا يحمي المبادئ نرفض بالمطلق أن نهينها، والوطن الذى لا يحمى حرماته يسقط في دائرة المحرمات يقينا. علينا إذن أن نعلى صوتنا بالرفض، حتى تمتنع الداخلية عن تهور آخر بعد فوات الوقت، وليعلم الجميع أن نقابات مصر هي حرمها، آمن من اعتصم بها أو دخلها، فمتى تعمل مؤسسات الدولة برعاية الدستور وسيادة القانون وتكف عن ممارسات تشبه "كيد النسا" في حوارينا المغلقة؟