كان الكيان الصهيوني واضحا منذ نشأته الاستيطانية من خلال المشروع الكبير الذي بناه الرواد لهذا الكيان، مع تحفظي الشديد علي لفظ الرواد لأنه قد يعني دلالات لا أقصدها مطلقا والقصد الرعيل الأول من دعاة السلب والنهب .. وقد كانت المياه ركيزة أساسية في مشروعهم الاستيطاني ورفعوا شعارا واضحا نحفظه جميعا علي خلفية تكراره في أحلامهم "من النيل إلي الفرات هذه حدود إسرائيل" وهذا يعكس بوضوح أهمية كبري للمياه داخل الأفكار والأحلام الصهيونية بالإضافة إلي المكان او الحيز الجغرافي الذي توافقت عليه قوي الشر في وعد بلفور ، ويتم النظر إلي المياه في المسلمات الصهيونية علي أنها طريقة بقاء!! أما النظرة العربية ومعها المصرية بالطبع تخضع لنظرية المفاجأة وكأننا لم نكن نعرف كل ما سبق ، صحيح أن هناك ادراكا متزايدا في الإعلام ولكنه هوس اللحظة والكلام لدواعي المتغيرات الجديدة وهو في تصوري كلام من أجل الكلام فقط والمصيبة أن الأمن المائي أصبح في أعلي مرتبة من المسائل الأمنية والعسكرية. وبعيدا عن الاهتمام الإعلامي الذي أعتبره ضجيجا بلا طحن فإن المواقف المصرية والعربية تعكس رؤي متباينة في اتجاه هذا الملف وتسير الأمور طبقا لمصالح الدول فرادي ، نعود إلي الحلم العقائدي لدي الصهاينة والذي يهدف لتحقيق اسرائيل الكبري والربط بين الوطن والماء في أفكار "تيودور هرتزل" الأب الروحي للصهيونية العالمية وقد كان الرجل واضحا في وصفه للوطن المراد عندما قال نريد أن نري البحر حتي نجد مستقبلا لتجارتنا ونريد مساحة كبيرة من الأراضي الزراعية ، اسرائيل التي نريدها هي اسرائيل سليمان وداوود. بعد وصف هذه الأحلام هل نغضب لوجود اسرائيل في إثيوبيا منذ زمن بعيد وتمويلها للسدود الإثيوبية وآخرها سد النهضة؟؟ هذا الغضب لا محل له في عالم تبحث فيه كل دولة عن مصالحها واسرائيل بحثت عن مصالحها منذ زمن بعيد ولا ينبغي لنا أن نلومها علي ذلك بل نبحث وبجدية عن طريقة لتحقيق أحلامنا ومصالحنا علي كافة المستويات مع الأخذ في الاعتبار أن مسألة المياه بغض النظر عن كل ما قيل فيها من النواحي العلمية والاجتماعية فإنها في أبسط صورة هي الحياة كما أخبرنا القرآن الكريم ، ولابد من التدبر والفهم الكامل لطبيعة المشكلة حتي يمكن لنا خلق نموذج أو نماذج، يعظم من تحقيق الاستفادة الكبري من هذه النعمة..
أسباب الأزمة واضحة وهي ارتفاع عدد السكان وانعدام التخطيط لتطوير مصادر المياه وإساءة التصرف بالموارد الحالية واعتماد وسائل بالية في الزراعة بالإضافة إلي التلوث أضف إلي كل ذلك محيط إقليمي ودولي يدبر ويحاول فرض وصايته ونفوذه علي الجميع ، وعلي الرغم من مساس المسألة للمياه العربية بشكل كامل فإن تأثير هذا المخطط علي مصر الوطن سيكون كارثيا إذا لم يتم التعامل مع المسألة بشكل سيادي وبطريقة تضمن تحقيق المصالح المصرية والإثيوبية والسودانية معا لتفويت الفرصة لتحقيق هذه الأحلام الصهيونية التي أتمني كسرها. ولابد أن نعي أن المسألة بكاملها تعني البقاء والحياة ولا يوجد وسيلة لمواجهة حلم الصهاينة التاريخي إلا بإعادة فتح الرؤية الصهيونية كنقطة انطلاق تأخرت كثيرا مع السعي لتحقيق شراكة عربية تمكننا من مواجهة الأحلام الصهيونية وهزيمتها بالتكامل العربي وعلي مصر مواجهة ذلك بالتقارب الأفريقي وخاصة السودان لأنها تمثل الآن حجر الأساس في هذا التقارب والاعتماد علي سياسات متكافئة مع الأفارقة تكون في النهاية هي الوسيلة لتحقيق المصالح لنا جميعا.