قريباً ستكون مصر على دراية وعلم بمن سيرأس الدولة لأربع سنوات قادمة فبعد صراع محموم وادعاء كل مرشح أنه هو الفائز في الانتخابات المصرية خاصة وأن مرشح الإخوان ظهر في الساعة الرابعة صباحا ليعلن فوزه من غير انتظار للنتيجة الرسمية وقابل هذا الإعلان استهجان من حملة شفيق ومن بعض الأطياف السياسية التي رأت في هذه الحركة اختطافا للرئاسة واستباقا للنتيجة حتى إذا جاءت على غير هوى يكون الاتهام بتزوير النتيجة حاضرا، وبسبب الطعون المقدمة على الانتخابات تم تأجيل إعلان الفائز إلى اليوم. ومع معرفة أو دراية الشعب المصري للنتيجة الرسمية ستولد هذه المعرفة عدم رضا عند الكثيرين سواء فاز شفيق أو مرسي، ففوز شفيق يعد فوزا باطلا من قبل الإخوان الذين صرحوا (وفي مقدمتهم مرسي) حين أشار إلى أن فوز شفيق يعني حدوث تلاعب في الانتخابات ويضاف إلى الإخوان فئات سياسية مختلفة تعتبر أن فوز شفيق إعادة لإنتاج النظام المنحل وهذا يعني بالضرورة الخروج إلى ميدان التحرير كتعبير للرفض وفي الوقت نفسه اختبارا لمقدرة الرئيس القادم (الذي لا يملك صلاحيات واضحة) في كيفية التعامل مع الاحتجاجات والإضرابات والذي يعني (هذه المرة) نزول الجيش مع قوى الأمن إلى الميدان من أجل فرض الشرعية. ولا زلت أرى أ ن وصول الإخوان إلى سدة الرئاسة لن يكون بلا ثمن في ظل الإيمان بوجود قوى إقليمية تدير اللعبة وفق مصالحها الوطنية، وكثير من القوى الدولية أيقنت بسيطرة الإسلام السياسي على أغلب الشارع العربي، وأنه لا يمكن زحزحة هذه السيطرة إلا من خلال إثبات أن الإسلام السياسي غير قادر على تحقيق آمال وطموحات الشارع والشعوب. وكانت تجربة فوز حماس في الانتخابات تمثل النموذج المصغر للحكومة ذات المرجعية الإسلامية، وإسقاطها من خلال الممارسة السياسية كتدليل على عدم خبرة التيارات الإسلامية في إدارة الدولة المدنية. وإن فاز الإخوان فسوف يكون فوزا مؤقتا ريثما يتم اختبار الخطاب (الإخواني) في مواجهة مشاكل الدولة المختلفة والمتنوعة وهناك معطيات كثيرة لاحتمال فشل رئاسة مرسي فهو (إن فاز) سيتسلم دولة (مضعضعة) اقتصاديا لن ينهض اقتصادها بالإيفاء وتحقيق البرامج الانتخابية التي أعلن عنها مرشح الإخوان، وستكون أول صدمة يتلقاها الشعب المصري، وإذا بدأ مرسي في تنفيذ أجندة الإخوان فسوف يصطدم مع مصالح القوى الدولية والإقليمية ومن هنا سيأتي الحصار الذي طبق على حماس وهو العزل الاقتصادي بمعنى قطع إمدادات المعونات والقروض وإثارة النزعات والاختلافات وتفجير الطائفية والمذهبية وإدخال البلد في صراعات بين الدولة المدنية والدينية إن لم يكن هناك سعي إلى تقسيم الدولة إلى دولتين (إسلامية وقبطية). كما تعد اتفاقية السلام مع إسرائيل أحد الفخاخ المعدة بإحكام فإن أي تحرك من أجل رفض هذه الاتفاقية يعني إعلان العداء مرة أخرى، مما يجعل إسرائيل في حل من الاتفاقية، ويمكنها من إعلان الحرب ضعف مصر في الوضع الراهن وسيمكنها من اتباع سياسة ليِّ الذراع، وهذا الوضع سيكسبها ما لم تكسبه خلال عقود من الزمن، وإن لم يحدث هذا فسوف يكون أي تحرك إسرائيلي في الضفة أو غزة مدعاة لتدخل الإخوان وفق خطابهم المعلن وإن حدث هذا التدخل سيجعل دولة مصر تتجه إلى الاستعدادات العسكرية ويعد هذا إقحاما قاسيا ومرهقا لدولة تسير بميزانية غير قادرة على تلبية احتياجات الشعب الملحة، فكيف بها وهي تجابه احتياجا ماليا مهولا من أجل التسلح، وثمة اختبار آخر يتمثل في الإجابة على السؤال الملح: إلى أي القوى العالمية سوف ينحاز الإخوان في حالة السلم أوحالة الحرب ؟ الإخوان يعيشون مأزقا هم من صنعه، ولو أنهم استجابوا لسحب مرشحهم لكان خيرا لهم ولخطابهم الديني الذي أسسوا له منذ عشرات السنوات، وكان يكفيهم التكتل داخل البرلمان (حتى هذا خسروه) ومجلس الشورى وانتظار أربع سنوات لتقديم مرشحهم، وقتذاك تكون البلد قد تخلصت من آثار العجز الاقتصادي وتشابك الملفات وترديها وظهور معطيات جديدة تجعل حكمهم قابلا لأن ينجح ويحظى بالرضا إلا أن رغبة الاستحواذ التي اتبعوها لن تفيدهم بل ستضاعف من النقمة عليهم من بقية التيارات السياسية الأخرى والتي ظلت لعهود تنعم بالحضور حتى وإن كان حضورا شكليا . الدعاء أن يجنب الله مصر أي مكروه فاستمرار الفوضى لن يمكنها من العودة إلى موقعها الريادي . نقلا عن عكاظ