مع اغتراب كل جميل وفاضل.. تغترب الصفات السامية والمعاني الراقية والنماذج الرفيعة.. ولا يكاد يبقى بين الناس من نماذج الأخلاق الكريمة سوى التسمية والأوصاف،وأكاد اجزم بان كل شئ اختلط فى هذا الزمان حتى الحقائق والثوابت اصابها الخلل ولم يبق ثابتا على موقفه الا القليل . ونبحث عن الرجولة فى كل مكان لعلنا نجد ما نصبو إليه ونملى اعيينا منه ونشير إليه بالبنان ونلتقط له الصور التذكارية ونحصل على توقيعه،ولك ان تتاكد ان المشوار طويل والزاد قليل والمصباح أوشك على الانطفاء والعمر يهرول مسرعا باحثا عن اقتفاء اثر الرجولة الغائبة. و الكثير من النساء يقفن مواقف اكثر عقلانية ومسئوولية من بعض الذكور الذين هم للرجولة صوت خشن و شارب فقط .... وليس بذل وعطاء وفداء وتضحية .. ونجد ان البعض يرى ان الرفق ليس من صفات الرجولة وأن الرجل ينبغي أن يكون صلب العود شديدًا لا يراجع في قول ولا يناقش في قرار، فتجد قسوة الزوج على زوجته والوالد على أولاده والرجل على كل من حوله.. مع أن أكمل الناس رجولة كان أحلم الناس وأرفق الناس بالناس مع هيبة وجلال لم يبلغه غيره صلى الله عليه وسلم. بل البعض يحاول إثبات رجولته بالتدخين، المنتشر بين الناشئة والصغار، أو علاقة بعض الشباب مع الفتيات أو معاكستهن ومغازلتهن، أو التغيب عن البيوت لأوقات طويلة، أو إظهار القوة والرجولة من خلال المشاجرات.. غير أن كل هذه التصرفات لا تدل في واقع الأمر على اتصاف صاحبها بهذا الوصف الكبير الدلالة " الرجولة"،فالشباب الذي يملك مقومات الرجولة ليس بحاجة إلى تصنعها أو إقناع الآخرين بها، فمالم تنطق حاله بذلك، ومالم تشهد أفعاله برجولته فالتصنع لن يقوده إلا إلى المزيد من الفشل والإحباط ،وقد تطلق كلمة الرجولة ويراد بها وصف زائد يستحق صاحبه المدح وهو ما نريده نحن هنا. فالرجولة بهذا المفهوم تعني القوة والمروءة والكمال، وكلما كملت صفات المرء استحق هذا الوصف أعني أن يكون رجلا،وقد وصف الله بذلك الوصف أشرف الخلق فقال: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى)،فهي صفه لهؤلاء الكبار الكرام الذين تحملوا أعباء الرسالة وقادوا الأمم إلى ربها، وهي صفة أهل الوفاء مع الله الذين باعوا نفوسهم لربهم (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا). والذي يتتبع معنى الرجولة في القرآن الكريم والسنة النبوية يعلم أن أعظم من تتحقق فيهم سمات الرجولة الحقة هم الذين يستضيؤون بنور الإيمان ويحققون عبادة الرحمن ويلتزمون التقوى في صغير حياتهم وكبيرها كما قال تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، وعندما سئل عليه الصلاة والسلام: [من أكرم الناس؟ قال:"أتقاهم لله] (متفق عليه). عند الأزمات إذن تشتد الحاجة لوجودالرجال الحقيقيين في المجتمعات التي تُفْرِغ الرجولة من معانيها فيها، وللأسف،فإن الرجولة التي نتكلم عنها، ضاعت مضامينها اليوم، وفقدت أركانها عند الكثيرين، فصاروا أشباه الرجال،فالرجال هم أهل الشجاعة والنخوة والإباء، وهم الذين تتسامى نفوسهم عن الذل والهوان.. الرجولة ليست نوعًا، بل صفة تطلق على الرجل والمرأة متى تحققت شروطها؛ الفرق بين الرجل والذكر أنَّ كل رجل ذكر، وليس كل ذكر رجلاً.. فهناك ذكر للحشرات وذكر للحيوان وليس استنساخا للرجل.. الرجولة وصف يمس الروح والنفس والخلق أكثر مما يمس البدن والظاهر. نريد ان نحيا فى زمان لم يبخل علينا بما نبحث عنه.