نحلم بدولة تهب من رقدتها بعد أن أصابها الكساح واعتراها الوهن، لا دولة أدمنت التصفيات الانتقامية من أعدائها الجدد والقدامى من قبلهم، دولة لا تسكنها العداوة والبغضاء ومضاجعة الموتى. نحلم بدولة مولودة ولادة طبيعية لا بعملية قيصرية، أو شخص مجهول معلوم يسرق طفلة من حضانة أطفال ويمنحها اسم مصر. نحلم بدولة غير مستنسخة من نظام سابق سقط، ولا أيضاً يستنسخه من دول جيران، الجلباب فيها هو الزى الرسمى. نحلم بدولة تضع فيها النساء غطاء الرأس حياء لا قسراً وإلزاماً والتزاماً، كانت أمى القبطية تغطى رأسها كسائر أمهات جيلى، وكان النساء يذهبن لحفلات أم كلثوم عاريات الرؤوس وكان الإسلام دين تقوى لا مظاهر. نحلم بدولة إذا رفع أذان الصلاة أو دقت أجراس الأحد، ذهبوا إلى المساجد والكنائس بتلقائية يفرضها إيمان يسكن القلوب وعلاقة بين العبد وربه وليس بملاحقة غير المصلين.. المارقين. نحلم بدولة فى ابتسامتها طعم سنابل القمح وليست تكشيرة ميليشيات بقايا مرارة أشجار الصبار. نحلم بدولة يجرى فيها الغناء أنهاراً وتعشش الموسيقى فى الوجدان وينطلق الإبداع فناً من العقول دون شبهة ازدراء الأديان أو ما شابه. نحلم بدولة إطالة اللحية فيها للركب أمر شخصى، ولا تصبح فرضاً على رجال شرطة يقبضون على الخارجين على القانون بأحدث وسائل العلم والتقنيات، لا بالنيات. نحلم بدولة تحتضن النماء وتطلق آفاق العلوم وتحرض الأيدى العاملة على العمل وتحارب الأمية تحت جذوع الأشجار ولا تشغل بالها بالمنطقة ما بين الركبة والسرة فى بناتنا. نحلم بدولة يأتى إليها السائح ليقف وسط تراث تاريخى ما له من مثيل ولا يفاجأ بأنه فى بلد يحطم التماثيل. نحلم بدولة ليس فى قلب حاكمها ضغينة منذ كانت جماعته «محظوراً» عليها أن تطل برأسها، وقد أطلت بمخالبها. نحلم بدولة تنافس العالم فى صناعته وتجارته ولا تغلق أبوابها فى وجهه وتنغلق على نفسها، فيطردها العالم من حساباته. نحلم بدولة تربى الضمائر منذ نعومة الأظافر لا بالترهيب ولا بالتلويح بعذاب القبور، إنما بما يتفق مع أصول علوم التربية الحديثة، فيطلع جيل يعرف ويتبين الحلال من الحرام ويخشى عصا الضمير لا عصا المطوف. نحلم بدولة تجذب استثمارات الأجانب لا تطردها ومعاملاتها البنكية وبورصتها وفق نظم عالم المال المتقدم ولا يخنقها اقتصاد على مقاسها فيه تحريم الربا والفوائد البنكية. نحلم بدولة تذوب فيها الأقليات فى جسد يرعى الكل بميزان، ويبنى القبطى، دون خوف، كنيسته بحرية وتدق أجراسها فى وضح النهار بحرية، وتمضى فيها الصلاة بحرية، لأنها «مصر السماحة» وحرية العقيدة قبل أن يحتكرها طيف سياسى واحد. نحلم بدولة تنقلنا عبر سلم التاريخ إلى مراتب عليا، نتيه بها فخراً ولا تنزل بنا إلى البدروم المظلم فيرتسم البؤس فوق الوجوه، وتصدأ العقول من عفونة التخلف، فلا يتعافى اقتصادنا أو حتى بهائمنا. نحلم بدولة تتلألأ فيها أنوار الأزهر الشريف الحصن الحصين كمرجعية للدين دون أن تخطفه جماعة أو حزب أو منقذ أو مرشد، فالأزهر - وحده - يرشدنا إلى صحيح الدين ويتآخى مع شقيقته الكنيسة المصرية. نحلم «بدولة عصرية مسلمة» نعيش فيها جميعاً بسلام وأمان واطمئنان يفرضه رجل قوى لا دولة إسلامية، فمصر لن تكون أفغانستان ولن تكون الصومال، ولن تكون مقراً للقاعدة أو حماس أو دولة المرشد، فيحكى التاريخ لنا حكايات وفيها أيام سودة لها تاريخ. نقلا عن المصرى اليوم