(1) يا فخامة العام الجديد نكتب إليك من هذا الوادى الطيب الذى أشرق عليه أسلافك منذ آلاف السنين. فلا أنت أخلفت موعدك معه ولا هو توقف عن الاحتفاء بالزمن والغناء للحياة. ننتظرك بالآمال والأحلام أن تأتى رؤوفاً رقيقاً.. تهدهد حيرتنا.. وتبدّد قلقنا.. وتسكب الماء والطمأنينة على جباهنا الساخنة وعيوننا الشاردة ورؤوسنا المتخمة بألف سؤال. نفتح لك القلوب ونوافذ البيوت وننتظرك فى الطرقات وعند مداخل النجوع والقرى نهتف: يا عامنا الجديد يا سليل عائلة الخلود لا تنس أن تحمل لنا معك الخير والأمن والحب والسلام والثبات والرشد والوئام. الخير للبسطاء والفقراء والمهمومين والمظلومين والنسوة الطيبات المكافحات اللاتى تحت أجنحتهن الضعيفة يتحملن فى بسالة إعالة أسر بكاملها. والأمن الذى نحتاج إليه فى منطقة تعصف بها القلاقل ويشق العنف فيها أنهاراً للدماء.. والحب الذى نخشى عليه من الضياع بينما الهوة فى وادينا تتسع بين الأغنياء والفقراء.. والسلام الذى ما زال بعيداً خلف السحب المكفهرة رغم أننا نتوق إليه نحن الذين سلبت أوطاننا واغتصبت حقوقنا لكن أعداء السلام فى غيّهم يعمهون.. والثبات الذى يعصمنا من المخاوف والشكوك والفتن وأنت فيما يبدو لا تحمل سوى الغموض والمجهول.. والرشد الذى يهدينا سواء السبيل فلا تصل الخصومات بيننا إلى حد خصومة الوطن. (2) أيها العام الآتى غداً، نحلم أن ترفرف راية الوطن طويلاً ليس فى مباريات كرة القدم وحدها بل فى كل الأيام المجيدة فى حياتنا. نهفو إلى علمنا الخفّاق يهز قلوبنا وهو يرفرف فى كبرياء فى الشرفات والميادين وعلى أسطح المبانى فى 23 ديسمبر، و23 يوليو، و6 أكتوبر، و25 أبريل، وأول مايو وفى كل يوم آخر نحقق فيه إنجازاً. لا تجعل كرة القدم وحدها هى التى تثير فينا مشاعر العزة والكبرياء والوطنية. لا تجعلها وحدها سبب انتصاراتنا ومظهر إنجازنا. ستهل علينا بعد أسابيع قليلة منافسات رياضية حامية فى كرة القدم فلا تجعلها مناسبة توقظ جاهليتنا الأولى وتثير فينا غرائز الشوفينية.. لا تجعلها مرتعاً للغوغاء يتبارون فى تحقير نضالاتهم وانتصاراتهم وكأننا نعيش فى زمن الهذيان. (3) أيها العام الآتى غداً، نحلم لو أن تعصف بأوكار الدروس الخصوصية التى انتشرت فى بر مصر حتى كادت تجعلنا أمثولة بين شعوب الأرض. نحلم بأن يعود إلى صواب رشدهم ونبل رسالتهم هؤلاء الذين تاجروا بالعلم واغتالوا مواهب أبنائنا وشوهوا شخصياتهم ودفعوهم بالترغيب والترهيب، بالحيلة والابتزاز، لأن يهجروا مدارسهم وفصولهم.. نحلم أن تستيقظ ضمائر المسؤولين المشاركين بالصمت أو التواطؤ فى هذه الجريمة التربوية التى أصبحت تجلب علينا الخجل والعار.. وأن يتحلى المسؤولون عن التعليم فى مصر بالجسارة والوطنية لكى يدركوا أن الأمم لا تتقدم وتقتحم المستقبل بالدروس الخصوصية.. وأن يتذكر الوزير الخلوق يسرى الجمل أنه كان فى مصر يوماً رجل يسمى أحمد رشدى ترك وزارة الداخلية لكنه دخل التاريخ والذاكرة والقلوب والعقول، لأنه اقتحم أعشاش الدبابير وحارب تجار السموم.. افعلها أنت أيضاً بحق العلم والوطن ولا تخف واقتحم أعشاش الدبابير الذين فرّغوا مدارسنا من محتواها وقضوا على صروحها الكبيرة وتركونا نبكى على أطلالها. (4) يا عامنا الآتى غداً، نحلم بتجانس اجتماعى يضم شبابنا تحت سقف وطن واحد يزدادون فيه تصالحاً واقتراباً ووئاماً.. نخاف على نسيجنا الاجتماعى حين نرى شبابنا يتأفف من الالتحاق بجامعاته الوطنية وقد تجاذبته جامعات يابانية وكندية وألمانية وإسبانية وبريطانية وأمريكية وفرنسية وإيطالية أقيمت كلها على أرض مصرية. لا أحد بطبيعة الحال ضد وجود جامعات أجنبية متقدمة ترفع من مستوى التعليم فى بلادنا فليس للعلم جنسية ولا نشيد وطنى. لكن يؤلمنا أن تصبح جامعاتنا الوطنية الحكومية جامعات من الدرجة الثانية فى مواجهة هذه الجامعات الأجنبية. ومن حقنا أن نتساءل: هل استقدمنا لهذه الجامعات أفضل الخبرات الأجنبية فى بلادها واستطعنا من خلالها بالفعل توطين العلوم المتقدمة والتكنولوجيا العصرية فى بلادنا، أم أن الأمر فى النهاية لا يعدو أن يكون مظهراً وبريقاً ولافتة أجنبية وأموالاً طائلة يتم تحصيلها من الطلاب كان يمكن توظيفها لتطوير جامعاتنا الوطنية؟ وهل يا ترى تكمن سعادتنا بهذه الجامعات الأجنبية فى الشعور حقاً بالتميز العلمى أم أنها تمنحنا الشعور بالتميز الطبقى؟ نخجل أيها العام الجديد حين نتبادل الأخبار مع أصدقاء لم نرهم منذ زمن فنقول لهم وقد التمعت عيوننا بالتفاخر الاجتماعى إن أبناءنا يدرسون فى هذه الجامعة الأجنبية أو تلك مع أن جامعاتنا الوطنية لم تعد تثير فخر أحد وهى التى قدمت لمصر والمنطقة والعالم مئات من العلماء الأفذاذ. نحلم أيها العام الآتى غداً أن تنهض مدارسنا الوطنية وتتطور لتنافس طوفان المدارس الأجنبية بمقررات أجنبية ولغات أجنبية على أرض مصرية!! فمن حقنا أن نخشى على وحدة نسيجنا الاجتماعى من مدارس أجنبية لا تخضع لإشراف وزارة التربية والتعليم المصرية.. نخاف أيها العام الجديد أن تأتى الأعوام المقبلة وقد صار تعليمنا «العام» من مخلفات الماضى.. هذا التعليم «العام» نفسه الذى استطاع على مدى مائة عام أن يصهر وجداننا ويعمّق انتماءنا ويحقق تجانسنا.. هذا التعليم «العام» الذى بفضله فيما مضى تشكّل وعى «الأمة المصرية» وعياً صحيحاً سويّاً.. هذا التعليم «العام» الذى بسببه تراجع اليوم وربما تشوّه وعى الأمة المصرية. (5) يا عامنا الجديد، نحلم بالتماسك والثبات فى مواجهة ما قد تخبئه لنا أيامك القادمات من الأحداث والمجهول.. نعلم أننا مختلفون وندرك أن الاختلاف واحد من نواميس الكون وقوانين الأشياء لكننا نحلم باختلاف يأخذ بأيدينا وطاقاتنا إلى الأمام وليس باختلاف يعيدنا إلى الوراء. نحلم يا عامنا الجديد باختلاف تعلو فيه بصيرتنا الوطنية فى لحظات الشدة على حدة بصرنا السياسى. فالبصيرة الحقة تدرك حقائق الأشياء، والبصر السياسى ولو كان حاداً قد يخدعه السراب. أيها العام الآتى غداً وفى جعبتك انتخابات برلمانية جديدة وحاسمة لا نحلم بأكثر من انتخابات حرة نزيهة تخرج فيها الأغلبية الصامتة ولو لمرة عن صمتها الطويل لتعبر عن رأيها فى الأجدر والأصدق بتمثيلها بل تتقدم بترشيح نفسها للانتخابات.. أعرف يا عامنا الجديد نحو مائة شخصية مصرية تعزف زهداً أو يأساً أو خوفاً من «البهدلة» عن الترشح لانتخابات مجلس الشعب، ولو فعلت لتغيّر-ربما- وجه الحياة فى مصر. نحلم بانتخابات برلمانية يختار فيه الحزب الوطنى مرشحيه الأكثر كفاءة ومصداقية ونزاهة ليضيفوا إلى البرلمان من كفاءتهم ومصداقيتهم بأكثر مما هم ينتظرون من البرلمان وجاهته وحصانته! نحلم بانتخابات تنفض فيها أحزاب المعارضة عن نفسها الإحباط واليأس وقلة الحيلة ليخرج لنا أكثر من مصطفى بكرى، وحمدين صباحى، وجمال زهران. وأن يعود لمقاعد البرلمان مرة أخرى منير فخرى عبدالنور وحسام بدراوى وأن يستنسخ الحزب الوطنى من جورجيت قللينى عشرين برلمانية على الأقل! (6) أيها العام الآتى غداً، نحلم بمراجعة أمينة وشجاعة لأنفسنا.. مراجعة لا تستثنى فكراً أو حزباً أو جماعة حتى لا يصيبنا الجمود. والجمود يكاد يقذف بنا خارج العصر. والعصر يعمّق حيرتنا الدينية. وحيرتنا الدينية تدفعنا إلى التقوقع داخل أنفسنا. والمحتجزون داخل أنفسهم لا يصنعون انتصاراً أو سبقاً أو إنجازاً. والحقيقة أننا شعب مؤمن متدين بالفطرة منذ ترددت فى جنبات هذا الوادى دعوة إخناتون إلى التوحيد. ولهذا سيظل التحدى الماثل أمامنا هذا العام وكل عام مقبل هو كيفية تحقيق التصالح بين طاقة التدين فى أرواحنا وبين ضرورات الحياة فى مجتمع مدنى حديث. فنحن أدرى بشؤون دنيانا. هذه المقولة النبوية كان يمكن ترجمتها إلى نظرية سياسية متكاملة. وسيظل التحدى ماثلاً أيضاً فى كيفية فض الالتباس فى علاقة الدين بالدولة. فهل يمكن أن يصبح الدين مرجعية أخلاقية لحزب سياسى مدنى يعلن فى ميثاقه الاحتكام إلى الديمقراطية والالتزام بموجبات مبدأ المواطنة؟ وهل يسهم هذا فى إعادة صياغة العلاقة المضطربة الملتبسة بين الإخوان والسلطة؟ وهى علاقة مرشحة بحالتها الراهنة لأن تستمر لمائة عام مقبلة. هذه أسئلة قد تحمل يا عامنا الجديد إجابة عنها، وقد تتركها للأعوام التى ستأتى بعدك، لكن الأرجح أنها ستظل مطروحة على الدوام. نحلم يا عامنا الجديد بألا يرفض أحد أحداً فى هذا المجتمع. وألا تحظر جماعة من المصريين مقابل أن تعلن كل جماعة انتماءها للوطن واحتكامها لمبدأ المواطنة؟ فإسرائيل العلمانية-مهما وصفت بغير ذلك- تستوعب فى ذكاء بل فى دهاء حزب شاس الدينى المتطرف وغيره من الأحزاب التوراتية الأخرى تحت مظلة الدولة العلمانية حيث يحتكم الجميع إلى نظم وآليات المجتمع المدنى الحديث. بل إن إسرائيل توظّف أحزابها المتطرفة تكتيكياً كلما اقتضت ذلك المصلحة العليا. نحلم أيضاً بحزب للأغلبية يجدّد نفسه ويستوعب الاجتهادات والرؤى المختلفة لكل المنتمين إليه، ويسمح بقيام أجنحة إصلاحية تغذى أفكاره وتصحح مساره حتى ولو أدى ذلك بمنطق النشوء والارتقاء لولادة حزب آخر جديد لمرحلة جديدة وتحديات جديدة! ونحلم يا عامنا الجديد بأحزاب للمعارضة تؤمن وتسمح بتداول المناصب القيادية داخلها، وتعلو فيها مبادئ الحزب على طموحات وربما مناورات الأشخاص.. وأحلم على وجه الخصوص بحزب واحد يضم القوميين والعروبيين فى مصر بدلاً من هذا التشرذم والنرجسية والشتات. (7) أيها العام الآتى غداً وقد أعلنوك منذ الآن عاماً للحوار بين الثقافات ماذا يا ترى أنت فاعل وما عسانا أن ننتظر؟ هل ستحمل فى جعبتك ما يزيد العالم توتراً وصداماً أم ستلقى فى روعه بالطمأنينة والتآخى؟ أحلامنا بسيطة ككل أحلام المستضعفين وقليلى الحيلة فلا نريد أكثر من حوار حقيقى للثقافات يمنح الأمن والسلام والكرامة للجميع ولا نريده مجرد احتفال يتبادل فيه الحضور الأنخاب فى صحة حضارات العالم. نحلم بحوار للثقافات لا تسوده المجاملات والنوايا المضمرة فيبدو أشبه بالحفلات التنكرية. بل نريد حواراً صادقاً للثقافات تعلو فيه روح التآخى على نزعات الكراهية، ويروّض فيه العقل جموح التطرف. والبداية يا عامنا الجديد أن نتسامح.. والتسامح لا بد أن يكون متبادلاً. ونحن بخلاف ما يشاع عنا قوم بسطاء متسامحون بكلمة طيبة نعطى ودنا وصفاءنا. والتسامح طريقه الصفح.. والصفح وسيلته النسيان.. ونحن كما تعرف ننسى سريعاً ربما بأكثر مما يجب لأن ذاكرتنا قصيرة. لكن المشكلة فيما يبدو أن الآخرين لا يودون النسيان. لقد نسينا مثلاً ما استهل به سلفك 2009 بدايته حين طاردت صواريخ الأباتشى أو لعلّها الإف 16 الإسرائيلية الطفلات اللاهيات على شاطئ غزة فتحولن إلى أشلاء، مثلما نسينا المذابح من أيام دير ياسين وكفر قاسم وكفر برعم وبحر البقر وقانا وغيرها من المذابح.. فماذا فعل العالم؟ الجانى ما زال يرتع منتشياً ومنتقماً مع أنه كان ضحية مذابح الهولوكست وهو لم ينس ما جرى له.. الشىء الوحيد الذى نسيه أنه لم يكن لنا دخل فيما جرى له، وأن الجناة كانوا غيرنا.. كانوا غيرنا تماماً! هل هى الأطماع؟ لكن إلى متى؟ هل هى حالة الضعف التى نحن عليها؟ لكن أيضاً إلى متى؟ هل نكف عن الحلم إذاً أيها العام الآتى غداً؟! [email protected]